mercredi 28 décembre 2016

تسعة أشهر سجنا ضد مدير الثورة نيوز: المحكمة العسكريّة تقمع الحريات




«...إنارة للرأي العام، واحتجاجا ضد الحكم القضائي الجائر، الذي أصدرته الدائرة الجناحية بالمحكمة العسكرية الابتدائية الدائمة بتونس... برئاسة القاضي منير صولة... في حق مدير الثورة نيوز... وهو أول حكم يصدر بعد الثورة ويقضي بسجن صحفي على خلفية مقال نشره حول شبهات فساد في صفقات التسلح. تشرع الثورة نيوز في عرض سلسلة من الحلقات الأسبوعية تقدم فيها تفاصيل المرافعات والتقارير القانونية التي قدمها فريق الدفاع الى هيئة المحكمة.»


I - في عدم إختصاص القضاء العسكري

حيث أن المشرع ولئن خص المؤسسة العسكرية بنص تشريعي استثنائي وهو مجلة المرافعات والعقوبات العسكرية وأسند إليها صلوحية المقاضاة والتتبع لدى جهاز قضائي عسكري إلا أن هذا الإستثناء لا يمكن أن يرتقي إلى مبدأ بمقتضاه يقع إستباحة المنظومة التشريعية العامة ولا استبعاد النصوص القانونية الخاصة التي تنظم بعض القطاعات والتي تستوجب إجراءات خاصة وقطاع الصحافة والإعلام لا يشذ عن هاته القاعدة إذ نظم مقاضاته حتى جزائيا المرسوم 115 الصادر سنة 2011 الذي نظم وقنن النشاط الإعلامي بجميع أصنافه من سمعي وبصري وورقي.
وحيث أن المنوب هو صاحب الجريدة الورقية الثورة نيوز المستوفاة لشروط الإيداع والنشر والطباعة وهو ما يوجب مقاضاتها مدنيا أو جزائيا وفق مقتضيات المرسوم 115.
وحيث أن الفصل 79 من ذات المرسوم يلغي جميع نصوص السابقة والتي من شأنها ترتيب عقوبات استثنائية ليؤسس في بابه الخامس جميع العقوبات التي تتسلط على الصحفيين والناشرين في صورة إخلالهم بواجباتهم المحددة طبق المرسوم بما فيها أخلاقيات العمل الصحفي والنشري.
وحيث أن إحالة العارض على معنى الفصل 91 م.م.ع.ع و128 م.ج بمناسبة مقال صحفي مؤرخ في 18 مارس 2016 صادر بالجريدة الورقية للثورة نيوز فيه خرق صريح لمرسوم الصحافة وكذلك تعد على حرية التعبير وتضييق على ممارسة العمل الصحفي وحيث نص نفس المرسوم على أن مقاضاة الصحفيين يكون أمام القضاء العدلي دون سواه مما يجعل المحكمة العسكرية غير مختصة لمقاضاة المنوب لكون الفعل الذي أتاه وفرضا إن شكل جريمة واقترف فعلا ضارا فهو جاء في مقال صحفي عبر فيه عن آرائه ولم يحد على الخط التحريري لصحيفة الثورة نيوز المختصة في الصحافة الاستقصائية والتشهير بالفساد والتبليغ عنه.
وحيث أن المقال موضوع إثارة الدعوة العمومية ومنه التتبع الجزائي الغاية منه الكشف عن مجموعة من الصفقات لفائدة المؤسسة العسكرية تحوم حولها شبهات الفساد حسب رأي صاحب المقال مقدم مجموعة من الأسانيد والإدلة متعددة المصادر والمراجع.
وحيث أن المؤسسة العسكرية ولئن تتمتع بامتياز السرية في إدارة أعمالها بالنظر لحساسية الدور والمهام الذي تتطلع به وكذلك أدائها لواجبها تجاه الشعب والوطن والعلم ورغم إجلالنا لهاته المهام والأدوار إلا أن ذلك لا يحول صحفيا من الإتيان على تفاصيل صفقات تحول حولها شبهات وفق لأدلة ومصادر سنأتي عليها (من باب الخوض في الأصل) 
وحيث أن المقال الصادر في الثورة نيوز ومن خلال أعمال صاحبه الاستقصائية كانت غايته التبليغ عن شبهات فساد لمن له النظر كالهيئة الوطنية لمكافحة الفساد والنيابة العمومية وكذلك كانت غايته حماية المؤسسة العسكرية ولم تكن له النية المس بها أو كرامتها ومعنوياتها وذلك بالحث على تمكينها من معدات ولوجستيك من شأنه المساهمة في إعانتها في الإضطلاع بدورها لحماية البلاد لا جعلها محرومة ومعزولة عما يلزمها من معدات للقيام بواجبها ومحاربة الإرهاب الذي يهددنا اليوم.
وحيث أن ما ذهبت إليها النيابة العمومية من اعتبار الفعل بل قل إصدار المنوب لمقال صحفي عمل إجراميا استثنائيا فيه حط من معنويات الجيش على معنى الفصل 91 من م.م.ع.ع وموجب المثول أمام المحكمة العسكرية خارقا للمرسوم 115 والذي خص مؤاخذة الصحفيين في صورة ارتكابهم لجرم يكون مرجع النظر القضاء العدلي دون سواه.
وحيث أن مثول المنوب أمام الجناب فيه خرق صريح لدستور البلاد الصادر في 14 جانفي 2014 وتحديدا الفصل 31 الذي ينص على حرية الفكر والتعبير وهو ما يجعل تمسك محكمة الجناب بمقاضاة المنوب مخالفا للدستور وغير دستوري.
وحيث أن التمسك بنصوص الإحالة يمثل خرقا وإلغاء دون موجب شرعي وقانوني للمرسوم 115 وكذلك اعتداء على حق النفاذ على المعلومة وهو ما يجعل من المحكمة العسكرية غير مختصة لصبغتها الاستثنائية.
وحيث ولجميع ما سبق بيانه وإعادة الأمور إلى نصابها واحتراما لمبدأ دستورية المحاكمة واحتراما لمرجع الاختصاص الحكمي الذي أسند صراحة للقضاء العدلي بخصوص جرائم الصحافة فالرجاء من عدالة الجناب التفضل بالتخلي عن دعوى الحال لعدم الإختصاص الحكمي وإحالتها لمن له النظر عملا بالدستور والمرسوم 115 المتعلق بالصحافة.

II - في بطلان أعمال التتبع من قبل النيابة العمومية

حيث إنطلقت إثارة الدعوة العمومية ضد المنوب لتمارسها النيابة العمومية العسكرية ولتقوم بتكييف أفعاله من قبيل الجرائم على معنى فصول الإحالة كل هاته الأعمال كانت بمقتضى شكاية تقدم بها رئيس الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد بتاريخ 16 أوت 2016 أودعها لدى النيابة العسكرية.
وحيث ورجوعا إلى الفصل الخامس من م.أ.ج والمتعلق بإثارة الدعوى العمومية فقد أباح هذا الأخير لعديد الأشخاص دون وكيل الجمهورية ومساعدي الضابطة العدلية من إثارتها كالمتضرر أو من ينوبه كذلك أعوان الغابات وأعوان الديوانة إلخ....
وحيث ومن باب التأكيد والتوضيح إثارة الدعوى العمومية لا تبيح ولا تخول ممارستها فهي من صلوحيات المطلقة بجهاز النيابة.
وحيث وبالرجوع إلى المرسوم الإطاري عدد 120 لسنة 2011 والمؤرخ في 14 نوفمبر 2011 والمتعلق بمكافحة جرائم الفساد أعطى صراحة إمكانية إثارة الدعوى العمومية دون ممارستها إلى هاته الهيئة.
وحيث وبالرجوع إلى الفصل 31 من ذات المرسوم أوجب مجموعة من الإجراءات على الهيئة احترامها قبل إثارة الدعوى العمومية دون أن ينسى تحديد مجال إثارة الدعوى في جرائم الفساد، وقد جاء هذا التحديد على سبيل الحصر لا الذكر. (يتعهد جهاز الوقاية والتقصي بالبحث في جرائم الفساد....) كما أوجب نفس الفصل ضرورة تجميع المعلومات والوثائق التي من شأنها تمكن من تقصي الحقيقة بخصوص شبهة إرتكاب جرائم فساد وإستنادا إلى هاته الأعمال تتم إحالتها على السلط القضائية المختصة لتتبع مرتكبي هاته الجرائم.
وحيث على فرض إعتبار ما أتاه المنوب جرائم مستوفاة لأركانها القانونية في الفصل 91 م.م.ع.ع يجرم الحط من معنويات الجيش كما أن الفصل 128 من م.ج يجرم هضم جانب مؤظف عمومي .
وحيث يتضح أن هاته الجرائم بعيدة كل البعد عن جرائم الفساد وهي جرائم حق عام وهي ليست من مناط إختصاص هيئة مكافحة الفساد والمرسوم 120 لم يتح لها إثارة الدعوى العمومية خارج مدار جرائم الفساد عملا بمنطوق الفصل 31.
وحيث أن إثارة الدعوى العمومية من قبل رئيس الهيئة دون مداولة وقيام بالأعمال التحضيرية الأولية التي حددها الفصل المذكور يعد تعسفا في إستعمال سلطة إثارة الدعوى العمومية.
وحيث أن إثارة الدعوى من قبل رئيس هيئة مكافحة الفساد كان في غير طريقه وخارقا للقانون وهو ما يجعل هاته الإثارة باطلة على معنى الفصل 199 م.ا.ج
وحيث وإضافة إلى هذا الدفع الشكلي الجوهري الموجب للإبطال وعلى فرض شرعية إثارة الدعوى العمومية من قبل رئيس هيئة مكافحة الفساد فهذا الأخير خرق ولم يحترم مقتضيات الفصل 28 من المرسوم الإطاري الذي يشترط عدم الحضور في المداولة لكل عضو له خصومة مع أحد المشتكى بهم والحال أن رئيس الهيئة له خصومات علنية مع المنوب (حصص تلفزية ، وإذاعية على سبيل الذكر لا الحصر الحوار التلفزي الذي أجراه رئيس الهيئة مع قناة الزيتونة بتاريخ 19 أوت 2016 والذي صرح فيها بكون صحيفة الثورة نيوز وصاحبها أي المنوب موضوع تتبع لدى القضاء العسكري وفق الفصلين 91 م.م.ع.ع و128 م.ج .
وحيث من غرائب الأمور العلم المسبق لرئيس هيئة مكافحة الفساد بإحالة المنوب على أنظار القضاء العسكري حتى قبل بلوغ إستدعائه لسماعه كشاهد بتاريخ 23 سبتمبر 2016.
وحيث أن المنوب قد إشتكى جزائيا بتاريخ 28 أوت 2016 رئيس هيئة مكافحة الفساد لدى النيابة العمومية بالمحكمة الإبتدائية بسوسة وهو ما يضفي الجدية على طابع الخصومة بين الطرفين والقاعدة الأصولية القانونية تفترض في مثل هاته الحالات أن يجرح السيد رئيس هيئة مكافحة الفساد في نفسه ولا يكون طرفا في موضوع التشكي هذا أن صح قانونا نظرا لما سلف ذكره إضافة إلى كون الشكاية المقدمة إلى النيابة العسكرية أبهرت بإمضاء رئيس الهيئة المذكورة.
وحيث لما سبق شرحه يتضح عدم إختصاص وعدم توفر الصفة في الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد في إثارة الدعوى العمومية لكون الجرائم المنسوبة للمنوب وعلى فرض صحتها لا تمت بصلة بجرائم الفساد
 وعليه جاز طلب بطلان إجراءات تتبع النيابة العمومية العسكرية لكون السلطة التي حركت الدعوى العمومية غير مختصة.


Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire