mercredi 28 décembre 2016

حدَثت ثورة الياسمين،قالت: “أهل تونس لا يشهدون لفاضل بفضيلة.. و هم لكلَ رذيلة أنصار…"


عن أبي “ثويرة” غفر الله له  ، أنَه رأى في منامه ذات ليلة، صبيَة غضَة تدعى “تونس” تجري في طريق مقفر و قد بدا على ملامحها التعب و الإعياء وتلطَخ ثوبها بالدماء.. وقفت تلتقط أنفاسها و هي تلتفت بارتباك وراءها  خوفا من أمر مريب.. فإذ بها تلمح بين الأشجار دخانا وإذا به حريق و بلغ مسامعها أصوات بين صراخ و تصفيق.. فاتجهت نحو مصدره تبحث عن ملجئ أو منجى.. و ما راعها إلا ان رأت رجل يحترق وسط حشد من البشر استطفوا كل على حدا.. ففهمت بعد السَؤال أنَه ما يسمَى “قربان” يقدَمونه كل فترة للآلهة “ZABA” عسى أن يرحمهم من لعنة “الطرابلسية” و يهبهم الشغل و الكرامة و الحرية.
وبعد ترهيب و تعذيب..أخمدت النيران و انقشع الدخان، واستبشر المضطهدون بزوال اللعنة و بداية واقع جديد..
فإذ بالبدر يطلع عليهم بحمائم زرق، و إذ بالجموع تنقسم بين إسلامي و علماني و حداثي و بين أزلام و مناضلين و”تونس” بين صفوفهم تترنَح من فرط التعب.. تسلَلت اليها أعينهم برغبة فضحت عقدهم المكبوتة و جوعهم المزمن  الذي اباح لهم جسمها المنهك يفتون في أساليب استغلاله.
جعلت تتخبَط بين أيديهم حتى انكشفت عورتها و انتهكت حرمتها و انفضَت بكارتها.. وانتهت عليلة تشكو قلة الحيلة.. يستنكرون فسادها و يتجادلون في إصلاحها و هم من دنَسوها..
ولما صحى أبو ثويرة من غفوته، بعث للفيلسوف يوسف الصديق يسأله عن تأويل ما رآه فقال بأنها أضغاط أحلام و ماكان يوسف عالما بالرؤى و اقتصر علمه على انتربولوجيا القرآن و اليونان القديمة.
فاختلطت على أبو ثويرة المخاوف و تتالت النوائب و تحقق ما كان يخشاه وما قيل أنه أضغاط أحلام و قامت في البلاد ثورة أسست لقيام ربيع عربي.. أو بالأصح ربيع عبري.. وأصبحت تونس أعقاب ما أطلق عليه ثورة الياسمين لبؤة سقيمة تتراقص على جسدها الكلاب و تترقب فناءها لترث هيبتها و تنكَل بتاريخها..

على هامش الثوريَة.. يغتال العلم و تكمَم الأفواه.. وتسيَس الأقلام أو تنتهي إلى الإعدام

خيَل لنا إبَان الثورة المباركة أنَ عصر الإستبداد قد ولَى، و أنَ الديمقراطية التي ما انفكَ يتزايد عليها السياسيون في خطاباتهم و حملاتهم الإنتخابية، ستكفل للإعلام حريَته التي ستمكَنه من آداء واجبه الأساسي في المجتمع المتثَل في كشف الحقيقة و التصدَي للانتهاكات.. كما خيَل لنا أنَ سياسات التعتيم و التظليل و التكذيب و الترهيب و الضغط المباشر و الغير مباشر، وغيرها من السياسات التي تتجاوز القوانين و تحوَله من قواعد ملزمة إلى سلطة نسبية و تقديرية خاضعة إلى إرادة أصحاب النقود و النفوذ، يطبَقونه على حسب أهوائهم و يتجاهلونه لحماية فسادهم ذهبت مع النظام السابق… فما راعنا إلا عكس ذلك…
لم ينته الإستبداد..بل لعلَه قد زاد..
أصبحت النزاهة شبهة، و قول الحقَ شبهة.. و محاربة الفساد تهمة..
من ذلك ما أصاب ثلَة من الإعلاميين الذين تحوَلوا إلى سجناء رأي.. تمارس عليهم سياسة الترهيب و يحاسبون كإرهابيين.. بسبب تطاولهم على السياسيين و كشفهم لملفات المفسدين.
وحسبي بذلك ما أصاب صاحب صحيفة الثورة نيوز، وما لاقاه من اضطهاد و تعسَف في استغلال القوانين.. فإذ به يتحوَل إلى سجين رأي تستعمل جلَ الوسائل لإسكاته.. وكأنَما بحبسهم له بين القضبان سيحولون دون فضح حقائقهم، و سيتمكنون من إخراس صوت الحق الذي جعل من جريدة الثورة نيوز لعنة حلَت على ملفات فسادهم فكشفتها باللأدلَة و البراهين و بأسلوب ساخر يستبيح المفسدين..
فزجَ به في السجن لتسعة أشهر، و كأني بهم يتطلَعون إلى ولادة إعلامي خاضع من رحم زنزانة تخضع لنواميسهم و نسوا أنَ السَجن ليس الا فسحة تأمل للمفكرين بعبدا عن صخب الحياة، لا  يزيدهم الا إيمانا بالحريات و يشدَ عزمهم على محاربة الاستبداد.
وكما قال أبو القاسم الشابي:
“كلّما قامَ في البلادِ خطيبٌ     مُوقِظٌ شَعْبَهُ يُرِيدُ صَلاَحَهْ
ألبسوا روحَهُ قميصَ اضطهادٍ    فاتكٍ شائكٍ يردُّ جِماحَهْ
وتوخَّوْا طرائقَ العَسف و الإِرْهَاقِ  تَوًّا، وَمَا تَوَخَّوا سَمَاحَهْ
هكذا المخلصون في كلِّ صوبٍ   رَشَقَاتُ الرَّدَى إليهم مُتَاحَهْ”
و ليت الأمور وقفت عند هذا الحد.. فالدولة التي أمست تحاصر حريَة التعبير و تستبيح سجن الإعلاميين و تبشَر في العديد من المناسبات بعودة الاستبداد و تتخَذ من الترهيب سياسة لحفظ استقرارها و لا تتوانى عن الفتك بالمفكَرين و الزجَ بهم في السجون.. عي ذاتها التي استباحت دم خبراتها العلمية.. و عجزت عن حماية كفاءاتها.. وكان ترابها مرتعا للإرهاب و تلطَخت أرضها بدماء المغتالين و المستشهدين..
في بلادي.. يغتال العالم ولا نحرَك ساكنا.. و تغتال الكلمة و لا نحرَك ساكنا.. و يرتع العدوَ على أرضنا ولا نحرَك ساكنا.. و تضرب هيبة الدولة من الكيان الصهيوني و لا نحرَك ساكنا..
لا نملك سوى التنكيل بكفاءاتنا و نعجز على مواجهة أعدائنا الحقيقيين و نكتفي بأسلوب النعامة التي تغمس رأسها في التراب خوفا من مواجهة الخطر.
أغتيل المهندس و المخترع محمَد الزواري قبل يومين من إحتفال تونس بالذكرى السادسة لإندلاع الثورة، في سيارته ، أمام بيته.. وتحت مسمع عائلته التي هبَت تستجلي عن مصدر الطلقات النارية فودته جثَة مرمية.
فانتهت بذلك أسطورة نضال حقيقية كشفت تعامل الشهيد مع حركة حماس الفلسطينية التي أشادت ببطولاته و رثته خيرا من بلاده.. فأقيم له عزاء على تراب فلسطين و مرَت جنازته في تونس وسط تجاهل السياسيين و صمت الدولة المهين.
وكشفت الأبحاث عن تورَط أطراف أجنبيَة في هذه الحادثة و سط تحفَظ على ذكر المعنيين تحسَبا من غضبهم أو إغضاب مصالحهم.. و كانت النكبة عند وصول أحد الصحفيين الإسرائليين و إعداده تقريرا مفصَلا عن جريمة الإعتداء على “محمَد الزواري” بصفة خاصَة و تونس بصفة عامة..
فاستهلَ تقريره من أمام وزارة الداخلية.. ضاربا عرض الحائط هيبة الدولة و في محاولة واضحة للتهكَم على سيادتنا.. واستعمل أساليب التمويه ليتمكَن من انهاء عمله بأتمَ وجه و يكشف ضعف أجهزتنا الأمنية التي لم تفلح في حماية ترابها و لم تعلم بنشاط المواطن “محمَد الزواري” طيلة سنوات مع حماس الا بعد كشف هذه الأخيرة عن بطولات الطيَار القسَامي.
وبينما تكالب السياسيون على الحادثة كعادتهم، يوضَفونها لتحقيق أهدافهم و التظاهر بالوطنيَة، و انطلقت تونس في الإحتفال بذكرى السادسة لقيام الثورة.. كانت فلسطين ترثي أحد أبطالها و شهيدها الذي آمن بقضيتها و استغل علمه للجهاد في سبيل قضيتها..

احتفالات  عبثيَة  بثورة وهميَة في ولاية منسيَة..

بعد ستَ سنوات عجاف مرَت على اندلاع الثورة التي قامت اثر محرقة البوعزيزي صاحب البرويطة بسبب صفعة شرطيَة، كردَة فعل أنثوية على عبارات لا أخلاقية، عند قيامها بما تمليه واجباتها المهنيَة.. فكانت النتيجة كارثيَة و احترق البوعزيزي مخلَفا بطولة وهميَة استغلَت للدفاع عن الحريَة و الطبقة “الزوَالية”.
فما كانت الثورة الا مطيَة للطبقة البرجوازية، يستغلونها باسم الوطنيَة، لتحقيق غايات شخصيَة وتقاسم النفوذ و المناصب السياسية.. بينما تضطهد الطبقة الكادحة و تتحوَل إلى أعباء منسيَة تثقل كاهل الميزانيَة..
فحلَ بتونس الخراب أعقاب ثورة الياسمين و و دشَن بكندا مطعم الياسمين الذي على ملك أسرة البوعزيزي صانع التغيير.
واحتفالا بذكرى الثورة المجيدة، انطلقت فعاليات “المهرجان الدولي لثورة 17 ديسمبر”  تحت شعار “ثورة 17 ديسمبر واستحقاقات التونسيين”.
وفي لفتة نبيلة من الدولة  وإيمانا منها بأهمية الترفيه في المناطق الداخلية.. و في إطار التطوَر الثقافي والتصدي للارهاب بالفن.. أعلن وزير الشؤون الثقافية محمد زين العابدين، عن دعم ميزانية “مهرجان ثورة 17 ديسمبر 2010″، بـ100 ألف دينار وتحويله إلى مهرجان دولي، ودعم ميزانية المهرجان الصيفي في سيدي بوزيد.
في المقابل حرمت سيدي بوزيد من أوليَتها في التنمية و لم تلحقها من الثورة غير الشعارات الرمزية و الزيارات الشرفية و بعض القوافل الخيرية أو الصحيَة..
وبقيت مشاكل التشغيل و ارتفاع نسبة البطالة و ارتفعت نسب الفقر في الجهات و أصبح الإرهاب يقتات من ضعف الشباب و يستغل حاجتهم لتوضيفهم ضد البلاد.
ويذكر أن الاتحاد الجهوي للشغل قد استنجد برئاسة الحكومة وتمَ عقد مجلس وزاري قدمت فيه حلول لدفع التنمية بالجهة شملت كافة القطاعات وايجاد حلول عاجلة للمشاريع المعطلة مثل معمل الاسمنت بالمزونة ومنجم الفسفاط بالمكناسي ومعمل الآجر بمنزل بوزيان، الا ان هذه المقترحات لا زالت تنتظر قرارات الحكومة الحالية بما ان الحكومات المتعاقبة بعد الثورة تجاهلتها.
و اكد والي سيدي بوزيد مراد المحجوبي في  إحدى تصريحاته بأن تونس نجحت في الانتقال الديمقراطي ولكنها لم تنجح في ارساء تنمية شاملة وفي تحسين الوضع الاقتصادي موضَحا ان “سنوات 2011 و2012و 2013 كانت  أعواما مهدورة بسبب كثرة الاحتجاجات وتداول المسؤولين على مستوى جهوي ومركزي على المناصب، وهو ما عطل العمل في ظروف ملائمة كما اعتبر ان العمل انطلق فعليا اثر الانتخابات، بعد ان شهدت البلاد هدوء نسبيا حيث وقع الانطلاق في انجاز المخطط الخماسي.
و في نفس السياق ذكر المدير الجهوي للتنمية اَن ولاية سيدي بوزيد “مازالت تشكو بعض الصعوبات ونقاط الضعف على غرار التفاوت بين معتمديات الولاية، وهو ما يؤكده مؤشر التنمية اذ تتواجد معتمديتي اولاد حفوز والمزونة في المراتب الاخيرة في سلم مؤشرات التنمية بالمعتمديات على المستوى الوطني، ولا توجد مناطق صناعية مهيئة لاستقطاب المستثمرين، كما تغيَبت المؤسسات الصناعية او الاقتصادية ذات الطاقة التشغيلية الكبرى، اضافة الى ضعف البنية الاساسية والتجهيزات الجماعية بالمناطق الريفية والحضرية…”

فهمنا… بعد مرور ستَ سنوات على قيام ثورة الياسمين أنها لم تكن سوى فسحة امل..استبشرت بها العباد استنشقت من خلالها نسيم حريَة سرعان ما لوَث بدخان السلطة و الانفراد بالحكم.. والتواطئ على الظلم..
فعاد الاستبداد، واستفحل الفساد و لم يعد للعباد سوى الخضوع او السجون تتلقَف أحلامهم و أفكارهم و تحتمل آراءهم..
عدنا إلى التضييق و تسييس الإعلام.. وأصبح الفكر جرما و “التلحيس” مصدر استحسان.. وكتب على ثورة الشباب ان تخدم مصالح الشيوخ و ذوي القربى.. و أن تكون سببا في هجرة عائلة البوعزيزي لكندا، و أن تجعل من بلادنا مرتعا للإرهاب و أن تحفظ ملفات الفساد و يصبح الثوريون محلَ تتبَع و المناضلون مصدر ازعاج..
وكما جاء في شعر ابن الأبار رحمه الله:
فإمَا رأيت الرسوم إمَحت، و لم يرع حقَ لذي منصب
فخذ في الترحَل عن تونس و ودَع معالمها و اذهب
فسوف تكون بها فتنة تضيف البريء إلى المذنب
آمنة السعيدي

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire