lundi 7 novembre 2016

" أيّام الرّباط " : ليس في قريتنا ذئاب.




( الجزء الثاني من قصة  " سجوني " . مهداة لأخي وصديقي الاستاذ فارس الكلمة محمد ناعم الحاج منصور ) .
وفي المساء تحلق الصيادون بالنار يرتشفون الشاي في انتظار نضوج لحم الذئاب المر . وكان من عادتهم ان يأكلوا من لحم الذئب الذي يصطادونه . و جلس الولد وحيدا كئيبا وندم على الخروج مع عمه في تلك الحملة .و طالما توسل له ان يصحبه في احدى رحلات صيده . قدم له احد الصيادين قلب ذئب مشويَا فعافه. فضحك الصياد ملء فيه وقال : " كل يا ابن اخي .. فان من يأكل قلب الذئب يصبح داهية !" . وكان الولد كلما  شاهد عمه  يلوك لحم الذئاب ويضحك خيل اليه انه يرى سفاحا يتلذذ بنهش لحوم ضحاياه و شرب دمائهم . وقبل خلوده للنوم جاءه عمه الجحجاح وجلس بقربه وقال : " اسمع يا ابن اخي ! انا اعلم انك متأثر بما شاهدته اليوم .. ولكنك عندما تكبر سوف تفهم لم فعلت ذلك .. يا ابن اخي ! انا اتوسم فيك مستقبل رجل عظيم .. عندما تكبر.. لا ترحم اللصوص .. " .واليوم , يستحضر القاضي الذي رافق عمه في رحلة الصيد قبل عشرين عاما نصيحة عمه ويقول :   " اكان عمي على حق يا ترى ؟!" .تكللت حملة الصيد بالنجاح, ورجع الصيادون الى القرية فاستقبلهم الاهالي استقبال الفاتحين .ومنذ ذلك اليوم , و على مدى خمسة اعوام  ,لم يشاهد للذئاب اثر في القريةاوفي القرى المجاورة .فتنفس الاهالي الصعداء وظنوا ان حملة الجحجاح خلصتهم من السرقة واستأصلت اللصوص من ارضهم الى الابد . لكن و في احد الايام شوهد ذئب يجر خروفا ويخرج به من القرية في وضح النهار .فاجتمع رجال في ساحة القرية يتدارسون الامر و كانوا لا يجتمعون في الساحة الا لأمر جلل . قال احدهم" ياله من ذئب وقح ! كيف يجرؤ على مهاجمتنا وسرقة نعاجنا في وضح النهار ؟؟ !! " . فقال شيخ من حكماء القرية : " الوقاحة ليست في الذئاب .. فهي تعمل بفطرتها .. وانما  غياب الحراسة عن القرية منذ وفاة الجحجاح هو ما شجعها على مهاجمتنا في وضح النهار. عندما كان الجحجاح حيا كانت رؤوس الذئاب معلقة في الساحة . اما الان, و بعد ان دفن الجحجاح ودفنت معه هراوته اصبحنا مرتعا للصوص وقطاع الطرق .. واخشى ما اخشاه ان يتعود الناس على وجود الذئاب بينهم فتصبح جزءا من حياتهم ..  " . انتشر خبر ظهور الذئاب بسرعة.فدب الهلع بين الاهالي وطاف الخبر في القرى المجاورة كما يطوف التاجر المتجول من مكان الى اخر. لكن الاهالي الذين لم يكونوا الى ذلك الحين  مصدقين لما سمعوااتهموا الرجل الذي شاهد الذئب بالكذب و بث القلاقل في القرية . فجاءه عرص كبير البطن وقال : " اسمع ايها الرجل !  ليس في قريتنا ذئاب .. لقد تمت ابادتها منذ خمسة اعوام .. " . و قال اخر : " اتقصد ان في قريتنا لصوص ؟!ما دليلك على ذلك ؟ " .  فصاح الحاضرون " امسكوا بهذا الخائن المروج للإشاعات قبل ان يظهر الفوضى في القرية ". وجاء العمدة مصحوبا بخفيرين فقبض على المبلغ واودعه السجن .لكن الذئاب بدأت تتكاثر منذ ذلك الحين وتزايدت اعدادها مع الايام . وبتزايد عددها تفاقم امرها و توطد نفوذها في القرية .فعمت السرقات و اخليت مزاريب واتلفت مزارع بأكملها . و عم السلب والنهب .فانتهزت الثعالب فرصة انشغال الاهالي بهذه الجائحة فقامت بالسطو على اقنان الدجاج . وشاهدت امرأة ثعلبا يخرج من قن الدجاج حاملا ديكا في فمه . فالتفت الثعلب الى المرأة وقال لها : " يالكم من حمقى  !تنشغلون بالذئاب وتنسون الثعالب! " . و ضحك على المرأة ثم لاذ بالفرار . وفي الصباح اخبرت المرأة جاراتها بما شاهدته بالليل واقسمت لهن بان الثعلب كلمها فاحضرن لها عرافة القرية لترقيها من المس. وظهرت الحيوانات القمامة من ضباع وبنات اوى فأصبحت تشاهد وهي تنبش فضول الذئاب او تتجول في طرقات القرية بأمان.. واحيانا تدخل على القرويين بيوتهم وتشاركهم طعامهم . ولم يجرؤ احد منهم على التصدي لها او منعها مشاركته رغيف الخبز خشية ان يكون مصيره كمصير الرجل الذي بلغ عن اول ذئب ظهر في البلدة . ورجعت القطط المتشردة و الكلاب الضالة فأحكمت مخالبها و انيابها على المزابل . وهكذا تم اقتسام القرية بين الذئاب والحيوانات القمامة والكلاب المسعورة وافردت كل واحدة منها ب" منطقة نفوذ " . غير ان الذئاب السارقة كانت لها اليد الطولى و الكلمة العليا على غيرها من اللصوص و السراق لسبقها في نهب القرية . وأصابتها التخمة من الشبع . فحبس الاهالي قطعانهم التي لم تسرق بعد حتى هلكت جوعا. فصارت المذابة ( الذئاب ) تهاجم الاطفال الميممين بيوتهم وتتعرض للمسافرين القادمين الى القرية و الخارجين منها . وقام ذئب بمطاردة عجوز خرجت من بيتها ليلا فوجدته يلغ في بقعة من الدم فالتفت لها بعيون محمرة مثل عيون القاتل ... لقد استولى الخوف على البلدة واستمر البلاء حتى مجيئ الهواء الاصفر .

المكي بنعمار .



Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire