lundi 28 novembre 2016

تفاصيل جلسة المحاكمة الأولى في محاكمة الحاج منصور: قضاء العسكر يُحاكم مقالات الصحافة الاستقصائية




واكبت صحيفة الثورة نيوز في عيد ميلادها الخامس أطوار الجلسة الأولى في محاكمة مديرها محمد الحاج منصور، أول سجين رأي في النظام البرلماني الجديد ما بعد نظام بن علي، وهي تتعهد بنقل كل تفاصيل الجلسات حفظا للذاكرة الوطنية، وتأريخا لدولة الاستبداد الجديد الناشئة في أحضان الأحزاب اللاوطنية، وان كانت صحيفة الثورة نيوز هي التي تدفع لوحدها الآن ضريبة النضال في مواجهة لوبيات الفساد الحقيقي المتغلغلة في جسم الدولة، فان تسونامي الدكتاتورية سيغرق الجميع في قريب الزمن.


  وقد انعقدت يوم الخميس 17 نوفمبر 2016 الجلسة الأولى من محاكمة مدير صحيفة الثورة نيوز وذلك بالدائرة الجناحية لدى المحكمة العسكرية الابتدائية الدائمة بتونس داخل ثكنة عسكرية بباب سعدون.
  وقد ترأس الدائرة القاضي "منير صولة" رفقة مستشارين وبحضور ممثل النيابة العسكرية، وقد انطلقت الجلسة بحضور مدير الصحيفة محمد ناعم الحاج منصور بحالة إيقاف رفقة عدد من المحامين وهم  على التوالي:
  جلال الهمامي، حسن مقطوف،عبد الناصر العويني، نضال الصالحي، البغدادي الغضباني، اسيا حاج سالم، رجاء الحاج منصور. 
  وقد حضر إلى جلسة المحاكمة عدد من أقارب وأصدقاء صاحب جريدة الثورة نيوز، وامتلأت القاعة بالكامل، وعبر عدد هام من المواطنين عن امتعاضهم من التضييقات التي تعرضوا إليها من قبل طاقم الحراسة العسكرية بباب الثكنة، والذي تعمد منع عدد هام من المواطنين من الحضور إلى جلسة المحاكمة، التي كان يفترض فيها أن تكون جلسة علنية للعموم وفق شروط المحاكمات العادلة، وباعتبار وجود قاعة المحكمة داخل الثكنة العسكرية بباب سعدون فان حراسة الثكنة منعت المواطنين من حضور المحاكمة مثلما أخضعت كل الحاضرين إلى تفتيش دقيق يذكرنا بظروف المحاكمة السياسية زمن النظام السابق.


  وتأتي هذه المحاكمة على خلفية سياسية تعود إلى سنة خلت، حيث أصبحت جريدة الثورة نيوز تغرّد خارج سرب الإعلام التونسي المُدجّن والخاضع للسلطة، هذا الإعلام الذي أصبح يتكلم لغة واحدة تمجّد النظام القائم وتخفي انحرافاته، وتمدح إنجازات السيد الرئيس وأعمال رئيس حكومته المبجّل الناجح جدا.


  وقد استمرت صحيفة الثورة نيوز في معارضة السياسات الحكومية الخاطئة، وواصلت كشف ملفات الفساد والسرقات التي يقوم بها كبار اللصوص في الدولة التونسية، فان لوبيات سياسية متحالفة مع نظام الحكم القائم والذي يقود البلاد حثيثا إلى الإفلاس والى الاستبداد، قد تحالفت مع بعضها البعض، ونظمت حملة إعلامية لتشويه صحيفة الثورة نيوز واعتبارها صحيفة صفراء وصحيفة مجاري وصحيفة ابتزاز... واستمرت تلك الحملة أشهرا بقيادة كمال اللطيف ونور الدين بن تيشة وشوقي طبيب واخرين... واقنعوا رئيس الدولة بضرورة التخلص من الثورة نيوز . 
  وحسب المعطيات التي بحوزتنا فان الباجي قايد السبسي هو الذي أذن شخصيا في إيقاف مدير الثورة نيوز لدى القضاء العسكري... هذا القرار السياسي هو الذي حول القضية من انظار المحاكم المدنية وفق المرسوم 115، إلى أنظار القضاء العسكري الاستثنائي والخاص... تحول الملف الى قضية سياسية لا قانونية غرضها إخضاع الصحيفة المتمردة ضد السلطة وأساطين الفساد فيها. وحيث تشدّق شوقي طبيب رئيس هيئة الفساد في حصة تلفزية قبل شهر أن القضاء العسكري سيقوم بسجن صاحب الثورة نيوز... مما يؤكد عودة سياسة التعليمات.


  وللتذكير فانه وخلال يوم 3 أكتوبر 2016 حضر محمد ناعم الحاج منصور لدى حاكم التحقيق العسكري باعتباره شاهدا، غير أن قاضي التحقيق قام بتغيير المركز القانوني من شاهد إلى متهم في خرق فاضح لإجراءات تبديل المركز القانوني، والذي يشترط السماع أولا ثم استشارة النيابة العمومية كتابيا وانتظار رأيها في القضية، بما يؤكد ان القرار القضائي جاء تنفيذا لتعليمات سياسية مسبقة.


  على خلفية هذا الخرق وإضافة إلى أن قاضي التحقيق العسكري وقبل أن يستمع إلى إفادات صاحب الجريدة قام بإصدار بطاقة إيداع بالسجن في حقه في قضية من جملة 5 قضايا في خرق آخر للإجراءات، مما حدا بمدير الصحيفة وفريق دفاعه كشكل من أشكال الاحتجاج إلى مقاطعة قاضي التحقيق العسكري "الصحبي عطية" واعتباره قاضيا متحاملا غير محايد ومستهترا بالقوانين والإجراءات.
  في الأثناء قام قاضي التحقيق العسكري بإصدار 4 بطاقات إيداع أخرى في 4 القضايا المتبقية ودون سماع كذلك في خرق آخر للقانون .
  وإزاء إصرار صاحب الجريدة ومحاميه على رفض المثول أمام قاضي التحقيق العسكري، عمد القاضي إلى ختم الأبحاث دون تقارير او سماعات وإحالة ملف القضايا الأربعة إلى الدائرة الجناحية وفق الفصل 91 من المجلة العسكرية.


 يوم الخميس 17 نوفمبر 2016 وثناء جلسة المحاكمة، قام رئيس الدائرة بتلاوة نص الاتهام بارتكاب جريمتي المس من كرامة الجيش بانتقاد أعمال القيادة العامة أو المسؤولين عن أعمال الجيش بصورة تمس بكرامتهم ونسبة أمور غير قانونية لموظف عمومي أو شبهه على معنى أحكام الفصلين 91 من مجلة المرافعات والعقوبات العسكرية و128 من المجلة الجزائية، ثم شرع في سماع أقوال الصحفي بخصوص القضية المتعلقة بالأحذية العسكرية أو أحذية المسير. 


  وقد أكد محمد الحاج منصور أن كل ما ورد في المقال المذكور صحيح ومدعّم بوثائق، وان صفقة شراء الأحذية قد أسندت الى شركة حديثة النشأة، بعثت خصيصا للفوز بتلك الصفقة، وهي بلا خبرة تذكر، وأن الشركة الفائزة بالصفقة هي على ملك شخصية تنتمي إلى المكتب التنفيذي لحركة النهضة... وهذه الصفقة قامت بتوريد عدد 55 ألف حذاء عسكري من الصين، وكان الأحرى ومن باب الوطنية أن تكلف مصانع تونسية بإنتاج تلك الأحذية.
  ثم تطرق رئيس الدائرة الى قضية المتعلقة بصفقة طائرات المروحية فأفاد الصحفي أمام المحكمة ان كل ما ورد في مقاله صحيح ومدعم بحجج وإثباتات، وان مبالغ الصفقات مُشطّة جدا وهي الأعلى كلفة في العالم العربي. بل وأفاد كذلك بأن 24 طائرة منها قديمة ومستعملة عمر الطائرة منها يناهز 50 عاما مما يؤكد وجود شبهات فساد في صفقات التسلح تقف خلفها سلطات سياسية نافذة، وان كشفه لهذا الفساد لا يعد مسا من قوات الجيش لان الأشخاص المكلفين بإتمام الصفقات هم أشخاص مدنيون يشغلون مناصب سياسية مثل رئيس ديوان وزير الدفاع أو وزير الدفاع.


  وبانتقال المحكمة إلى النظر في قضية المتعلقة بصفقة المصفحات التركية "كيربي" أفاد الصحفي محمد ناعم الحاج منصور في تصريحاته أن تلك المصفحات ليست من انتاج الصناعة التركية، بل هي  صناعة مشتركة بين دولة إسرائيل ودولة تركيا، وانه ليس بإمكان إسرائيل أن تبيع إلى الدولة التونسية أسلحة بطريقة مباشرة، فقامت بإدخال شريك تركي وهي شركة "بي ام سي"... وفي ذلك مس بالأمن القومي التونسي وخرق للمبادئ العامة للسياسة الخارجية التونسية، هذا من جهة، من جهة ثانية فقد أكد الصحفي في تصريحاته ان قيمة الصفقة قد تم التكتّم عليها عمدا لان كلفة الشراء كانت خيالية... منبها إلى أن تقارير دولية أشارت إلى أن صفقات التسلح هي مدار اكبر عمليات الفساد عبر العالم.
  أما من جهة ثالثة فقد اعتبر الصحفي أن المصفحة لا تتوفر على أدنى شروط السلامة في مواجهة الألغام الأرضية بدليل مقتل جندي داخلها خلال شهر اوت 2016 ، داعيا المحكمة إلى الاستئناس بأهل الخبرة من قدماء الضباط العسكريين، ملاحظا أن الاستناد إلى أهل الخبرة من العسكريين المباشرين سوف يعرضهم إلى ضغوط من قبل السلطة السياسية التي تشرف على وزارة الدفاع ولن تكون أعمال الاختبار التي ينجزونها موضوعية بل مباركة لاختيارات رجل السياسة.
وفي القضية المتعلقة بصفقة الألبسة العسكرية فقد أدلى الصحفي محمد الحاج منصور بان ذلك المقال قد طرأ عليه خطا في الطباعة وعوض تدوين اسم وزارة الداخلية كتب عوضا عنها وزارة الدفاع على سبيل الخطأ المطبعي، وأكد أن الصحيفة قد قامت بتصويب ذلك المقال في عددها التالي وان هذه الصفقة تتعلق  بوزارة الداخلية حصريا، وهي معطيات صحيحة تستند إلى وثائق إلا أنها لا تخص وزارة الدفاع.


  وقد اعترض المحامي "جلال الهمامي" اثناء استنطاق الصحفي على عبارة وردت على لسان القاضي منير صولة أثناء تحريره لتصريحات الصحفي حيث دون القاضي عبارة "اعترف" وطالب المحامي باستبدالها لان تلك العبارة هي قرينة إدانة لم ترد على لسان المتحدث، وان الصحفي قد أكد انه لم يسئ أبدا الى قوات الجيش وانه نصص على ان القيادة السياسية لوزارة الدفاع ليست مدرجة ضمن حاملي الزيّ وانها قيادة مسؤولة على عقد صفقات طالتها شبهات فساد وان الوازع الوطني هو الذي دفعه إلى نشر تلك المقالات وهو متمسك بهذا الموقف. 


  وقد اتهمت المحامية رجاء الحاج منصور وزير الدفاع فرحات الحرشاني بأنه مسؤول عن تنفيذ سياسات معاودة دولة الاستبداد وانه يزج بالقضاء العسكري لخدمة اجندات أطراف سياسية تريد أن تخضع الإعلام وان تمنع الصحافة الاستقصائية من القيام بدورها في المراقبة والنفاذ إلى المعلومة وفي ممارسة حرية الكتابة والنشر.


  وقد اعتبر المحامي عبد الناصر العويني أن هذه القضية أوصلتنا إلى "اللحمة الحية" حسب تعبيره حين تبين وجود طرف سياسي ينتمي الى حزب النهضة هو الذي فاز بتلك الصفقات، وقد وجه الى القاضي طلبا تحضيريا باستدعاء المدعو رمضان التيمومي باعتباره عقيدا متقاعدا مشاركا في انجاز صفقة مشبوهة... وطالب كذلك باستجلاب نسخة من عقد صفقة الطائرات المروحية للتأكد من مدى صدقية المقال وهنا سجلت النيابة العسكرية اعتراضها على جلب العقد.


  في الأثناء اعترض المحامي جلال الهمامي على حضور ممثل المكلف العام بنزاعات الدولة نظرا لإخلاله بالإجراءات القانونية السابقة وخرقه للفصل 39 من مجلة الاجراءات الجزائية الذي يشترط في اجراءات الدعوى المدنية لزوم تقديم مطلب في القيام وهذا ما لم يتحقق، ونبه المحكمة الى ضرورة تطبيق القانون حتى وإن تعلق الأمر بجهاز المكلف العام بنزاعات الدولة.
وقد ارتفعت أصوات فريق الدفاع داخل قاعة الجلسة مرارا في حماسة أحرجت رئيس الدائرة الذي حاول إنجاح سير الجلسة بتجاوز مطبّات قانونية تتعلق بملف الإحالة، إضافة إلى الإحراج الذي تسببت فيه سرية المعطيات الخطيرة التي كشفها مدير الصحيفة، فضلا عن اتهام  شخصيات سياسية هامة لها علاقة مباشرة  بالصفقات التي أبرمتها وزارة الدفاع. 
  وبعد أن استمعت المحكمة إلى تصريحات مدير الصحيفة ودون الخوض في الشكل أو في الأصل، رفعت الجلسة بطلب توجه به فريق الدفاع إلى المحكمة في تأخير الجلسة من أجل إعداد الوثائق والمستندات، وقرر رئيس الدائرة الجناحية تأخير النظر في القضية إلى يوم الخميس 24 نوفمبر 2016 .

                                                                  من مبعوثنا الخاص بالمحكمة 


Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire