mardi 11 octobre 2016

يا صاحبي السّجن أو قصة سجن القاضي النزيه " سجنوني " : الغوريلا




لم أتمكن من النوم بسبب أنين السجين " ف" . وفي الخامسة صباحا , أشعل سيجارة وراح يمزها وهو يبكي  " الله لا يربحك يا زينة  " .. وهي الكلمة التي يفطر عليها كل صباح . الدعاء على زينة . و" زينة " هذه,  فيما روى عنها , شرطية تشبه الغوريلا عذبته وتسببت في تلف ساقه . قال انه يعرفها مذ كانت ترعى الغنم في بادية المكناسي . وكانت أمها تذبح للجن ( ساحرة ) وأبوها عضروط من العضاريط . وبعد " الثورة انتدبت فيمن تم انتدابهم  بسلك الأمن . وعندما القي عليه القبض في قضية قتل ,  كانت زينة تتدخل  في استجوابه و في كل مرة تمسك سيخا و تضربه في موضع محدد من ركبته لتجبره على الاعتراف,  حتى تعفن الجرح وسرى العفن في ساقه. وعندما نقل إلى المستشفى الجهوي بقفصة , قامت طبيبة متربصة باقتلاع قطعة لحم من ساقه لأنها .. كما قالت .. " مقر الجرثومة " .. وباقتلاعها يتم استئصال الجرثومة الخبيثة . ثم أعطته دواء لتسكين الأوجاع تبين بعد شهر من تناوله انه حبوب لمنع الحمل . ولما أرجعوه إلى المستشفى ليفحصه طبيب آخر, صاح الطبيب غاضبا : " من الأحمق الذي انتزع قطعة اللحم من ساقك ؟ ... لقد تم اقتلاع القطعة الخاطئة !" . ثم وضع سبابته على فخذ السجين وقال : " الجرثومة هاهنا !". وانتزع شريحة لحم من فخذه . لكن زحف الجرثومة لم يتوقف . فارجعوا السجين إلى ستة أطباء رعوانيين . وكل طبيب يخطئ الذي قبله ويقص قطعة من ساق "ف" ; حتى أصبحت ساقه في النهاية مثل طريق مليء بالحفر و الخنادق أقامه مقاول غشاش . وفي الأخير , قرر الأطباء أن الحل يكمن في بتر الساق لئلا  يدب العفن في بقية الجسم . لكن "ف" ذعر من مجرد التفكير في هذا الأمر وقال : " أموت ولا تقطع ساقي !" . وعندما انزلوه لإجراء العملية,  بات ليلته ساهرا كالذئب .. يفتح عينا ويغمض الأخرى..  خشية أن يغالبه النعاس فيغافلوه ويقطعوا رجله . وأما الشكايات التي أرسلها من السجن  ضد زينة فحفظتها النيابة العمومية ولم يصله عنها أي رد .
بعد أن خرج السجناء لل " آريا ", مكثت وحدي مع السجين "ح" .. وهو موظف في البلدية جيء به في قضية تزوير. وكان على الدوام يحمل  قلما وثلاثة دفاتر لا ادري ما الذي كان يقيد فيها . وعندما هرعت  إلى دورة المياه لاتقيا,  دلف الكبران إلى العنبر غاضبا ونهر "ح" :   " ضع عنك هذه الدفاتر وهلم إلى الاريا .. لسنا هنا في البلدية ! " ... تمشيت مع " سيدنا " كالعادة عندما التقيت ( ص. ز.) . وهو شاب أصيل مدينة سيدي بوزيد تعرفت عليه في غرف الاحتفاظ ليلة العيد . يملك وكالة لكراء السيارات ; ومع ذلك لم يتخل عن ممارسة هوايته  في ترويج الزطلة والتهريب من القطر الجزائري  وخاصة ... البراكاجات . وقتها كان ينتظر الإذن بالسراح بعد أن قضي في شانه بعدم سماع الدعوى في قضية سرقة باستعمال العنف ( براكاج ) رغم اعترافه الجزئي و شهادة الشهود وتسببه للمتضرر في ( 27 بالمائة ) سقوط  و قيامه  بتفكيك شاحنة المجني عليه وبيعها . في تلك الليلة استغربت من المعاملة الخاصة التي كان يحظى بها من أعوان الحراسة الليلية . لكنه فيما بعد روى لي علاقته بحاكم التحقيق الأول زياد الزيادي وكيف تعرف عليه في براكاج بالطريق الرابطة بين سيدي بوزيد وتونس العاصمة لتتوطد العلاقة بينهما بعد ذلك ويستدعيه زياد الزيادي لبيته ويعرفه على زوجته إلى أن أصبح يعطيه عمولة عن كل عملية تهريب مقابل إخراجه من كل قضية . وان أبطا زيد الزيادي في إخراجه من السجن ,  يتولى (ص.ز.)  تهديده  بكشف علاقته به ومعاملاته معه . وعندما التقيته في  السجن قلت له : " هاك هنا ! " . قال :  " طيحوني في قضية أخرى " . قلت : " وما فعل صاحبك ( قاضي التحقيق ) ؟؟ " . فتبسم بخبث ولم يجبني . سالت سيدنا ونحن نتمشى : " ما ترى يا سيدنا ؟ " . كنت لا اخفي أي شيء عن سيدنا  . قال : " أرى ريحا كريح عاد مقبلة علينا " . قلت : " تقصد الريح العقيم ؟ " . قال : " نعم ! اسمع عواءها يأتي من بعيد .. لن تذر من شيء أتت عليه  إلا جعلته كالرميم " . ثم تلا قوله تعالى من سورة الفجر. وبينما كنت أتحدث مع سيدنا سمعنا صيحة في الساحة : " يا ولد القح...(لفظة قبيحة ) " . كان  بروس لي  قد ضرب سجينا للتو وطرحه أرضا . وبروس لي هذا هو أحد أشقياء السجن.  يتحاشاه السجناء ويهابونه لاشتهاره بالعنف . كان شابا طوالا , شرس الطباع  , حديد العينين تسبق يده لسانه . أنا أيضا كنت أخافه ولا أجرؤ على الاقتراب منه . ذات مرة كاد أن يضربني أثناء التدافع على الطعام . قبل أن يأتوا به إلى السجن كان  نادلا في حانة.  وذات ليلة رجع من عمله متأخرا فوجد جدته نائمة فاغتصبها . حاول الفرار من السجن في ظل الإدارة السابقة ولم يتمكن الحراس من القبض عليه إلا بعد أن بطش باثنين منهما وارداهما أرضا . فجره المدير( السابق ) واثنين من الأعوان إلى  السيلون  وقاموا بتعذيبه .. و بات ليلته معلقا كالدجاجة . وفي اليوم الموالي أخذته " الكونفة " إلى سجن الهوارب بالقصرين قبل أن يرجع بعد عدة شكايات للإدارة . ولا ادري لماذا أطلق عليه السجناء  كنية  بروس لي  !لأنه اغتصب جدته .. أم لضربه السجناء .. أو لأنه غلب اثنين من الحراس ؟؟  غير أن أعجب ما في أمره تكليفه بمهمة الحارس الليلي بعد أن شاعت حالات اعتداء السجناء على بعضهم بالفاحشة . وبسببه , بعد محاولة الهرب , أصبح الحساب يجرى على السجناء أربع مرات في اليوم والليلة بعد أن كان يجرى مرتين فحسب . فكان السجناء يلعنون بروس لي في كل حساب ويعتبرونه السبب في إزعاجهم . كان هذا السجين مثالا حيا عن " طاقة الغوريلا ".. تلك الطاقة الكامنة في نفس الإنسان والتي تتحرر في حالات الكبت والغضب الشديد . قال الجنرال ونحن ندخل العنبر بعد الحساب :" لعنة الله عليك يا بروس لي ! " . فعلق الزنكلوني ضاحكا :" ولعنة الله على جدته !" . فقلت له : " أغلق فمك قبل أن يسمعك فيحطم لك وجهك .." . ودخلنا إلى الزنزانة ونحن نضحك .



Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire