samedi 15 octobre 2016

في وزارة الدفاع: مدني يحكم العسكر...سامي المحمدي آنموذجا




  نحن نفصل تماما بين الجيش الوطني الذي نقدّسه، وبين السلطة السياسية والمدنية والقضائية التي تشاركه العمل في الوزارة وهي محل نقد وتمحيص بالضرورة... ونحن إنما نبدي الرأي في الشأن العام بما فيه هذه الوزارة الهامة... كيف يمكن أن نفهم التوازنات القائمة فيها بين نفوذ قادة الجيش، وبين النفوذ المتنامي للشق المدني الملحق بالوزارة ؟ 
من يحكم وزارة الدفاع ؟  الوزير أم مدير الديوان ؟

      تاريخية الجيش والسلطة السياسية

  استعاد الجيش التونسي رأس ماله الرمزي بعد الثورة، وأثبت أنه مؤسسة تمثل القاعدة الصلبة للدولة،هو جيش غائب في السياسة بيد أنه فاعل رئيسي فيها لكنه سرعان ما تراجع إلى ثكناته وفقد مرة أخرى أي تأثير له في السياسة.
     وحين سقط النظام في تونس في  14 جانفي, كان الفراغ في هرم السلطة مخيفا, فوضى عارمة نهب وسلب , مشهد سياسي غامض لأحزاب أتى عليها الاستبداد. هنا ظهرت مؤسسة العسكر باعتبارها الضامن للسلم الأهلي ولاستمرار وجود الدولة ... واستعاد الجيش حضوره في الساحة السياسية وأصبح أحد أهم عوامل الاستقرار وحفظ التوازن بين المتناقضات الفكرية والسياسية ... وتأكد هذا الدور حين قامت القوات العسكرية بالإشراف على استعادة الأمن العام وفرض قانون الطوارئ, وكذلك حين أمّن الجيش انتخابات 23 أكتوبر في حرفية ونزاهة ... ثم إن جيشا يلتزم الحياد في صراع نظام دكتاتوري ضد شعبه ليس أمرا هينا.
    إنه عسكر منظم وموال لقيادة هرمية متجانسة, أثبتت تبنيها لقيم وطنية حين اتخذت مواقف حاسمة في لحظات حرجة ... وقد خشي البعض من تدخل الجيش في السياسة حين هرب "بن علي"... وظن آخرون أن المؤسسة العسكرية ستستولي على الحكم, غير أن تطور الأحداث أثبت أن الجيش التونسي كان معنيا بتأمين نجاح التجربة الديمقراطية في تونس, ثم إن الجنرال رشيد عمار لم يكن طامحا إلى السلطة ولا مغامرا في السياسة .
     وفي التاريخ الحديث لدولة الاستقلال أبدى "الحبيب بورقيبة" تخوفا من العسكر في زمن كثرت فيه الانقلابات, وقد كان الانقلاب دائما صنيعة من صنائع العسكر لأنهم يتحوزون قوة التدمير والغلبة. وكانت خشية الزعيم مبررة خاصة بعد المحاولة الانقلابية لمجموعة "الأزهر الشرايطي" سنة 1962 , فاتخذ موقفا سلبيا وحذرا من الجيش,  وأبقى هذه المؤسسة بعيدة عن الفعل السياسي.ثم حافظ خلفه "بن علي" على ذلك التصور في التعامل مع القوات المسلحة طيلة حكمه. إلا أن ذلك لم يؤثر على العسكر باعتباره جهازا يمتلك أكبر قوة سلاح داخل الدولة. ...وحين تحقق الاستقلال بنيت عقيدة الجيش على تصور مغلوط للعدو الخارجي المفترض, لقد تحولت الحدود البرية مع الجزائر وليبيا إلى مصدر محتمل للاستعداء.
    وكان"بورقيبة" فرونكفونيا ولم تكن له مرجعية لوعي قومي عروبي أو إسلامي يحدد على أساسه عدوه التاريخي ويدفعه إلى بناء جيش قوي لحماية كيان دولة تقع في قلب المتوسط.
  في أحداث قفصة سنة 1980 انكشف للجميع ضعف العتاد المتوفر للجيش, وصعوبة التعامل مع مجموعة من الأفراد المسلحين وسهولة اختراق مدينة  "قفصة". غير أن النظام لم يغير استراتيجيته في كبح جماح الجيش, فقد اختزل دوره في التدخل الأمني حين تعجز قوات الشرطة أو الحرس في أحداث قفصة وفي الاحتجاجات الاجتماعية عام 1978 وانتفاضة الخبز سنة  1984 . وخلال سنة 2006 أثبت الجيش جاهزيته في حسم المعارك الصغيرة في واقعة "سليمان وعين طبرنق"... لقد تدخل الجيش دائما وقت الأزمات الداخلية لفرض النظام وهيبة الحاكم, وكان يمثل العمق الاستراتيجي لمفهوم القوة الذي تحتكره هذه الدولة, القوة المدمرة والنائمة.وحصرت وظيفته في تنمية الصحراء, أو التدخل أثناء الكوارث الطبيعية,أو مراقبة الحدود, أو المشاركة في بعثات حفظ السلام الأممية.
 على أن تحجيم المؤسسة العسكرية زمن "بورقيبة" أو زمن "بن علي" وعزلها عن دائرة الفعل السياسي وتهميشها أحيانا أخرى قد كان عامل قوة يحسب لفائدتها زمن الثورة, ظلت مؤسسة تتمتع بشعبية واسعة بعيدا عن كل مظاهر الفساد,ثم تعززت برأس مال رمزي في أعماق الضمير الجمعي للتونسيين.
  وفرض على الجيش التونسي أن ينكمش خلف عباءة القوى الإقليمية فيمنع من القيام بأي دور في محيطه الجغرافي والسياسي. فوقع الجيش بين خشية رجل السياسية منه في الداخل ومن إمكانية تدخله في تصريف شؤون الحكم, وبين إصرار القوى الدولية على إضعاف فاعلية المؤسسة العسكرية في الحوض الجنوبي للمتوسط لاعتبارات إستراتيجية... لقد كان القصف الإسرائيلي على حمام الشط عام  1985مهينا ومخزيا في غياب التجهيزات, حين عجزت الطائرات والدفاعات الجوية التونسية عن التصدي لمواجهة سرب من الطائرات الإسرائيلية.. وحاول "بورقيبة" أن يحول تلك المهانة العسكرية التي كانت سياسته سببا في وقوعها إلى نصر ديبلوماسي في مجلس الأمن. غير أنه كان نصرا زائفا لمهزوم ضعيف كانت أقصى مطالبه رفع الأيادي في الأمم المتحدة لإدانة المعتدي.
  ثمّ إن المشهد السياسي المضطرب في تونس، قد انعكس سلبا على المؤسسة العسكرية، تلك التي بقيت تراقب الأوضاع عن كثب، عاد الجند إلى ثكناتهم... غير أن تحولات جديدة طرأت على توازن الإدارة داخل الوزارة ...فكان مألوفا في اختيارات السلطة السياسية أن يتقلد مدني خطة الوزير... وكانت القيادة العسكرية تدير شؤونها بفاعلية وغلبة...
  ما الذي تغير الآن ؟ في السابق كان مدير الديوان مشرفا على كتابة الوزير وحسب، وكان  محدود الصلاحيات،  ولا يتدخل في عمل القيادات العسكرية...


   اختلال التوازن في إدارة الوزارة:

   "سامي المحمدي"، هذا الرجل الطامح والغامض ، هو مدني التكوين حاصل على رتبة مستشار مصالح عمومية... ارتقى في سلم الوظيفة بوزارة الدفاع باعتباره ملحقا مدنيا يعمل بالإدارة المالية المركزية DAC والتي ترأسها في خطة مدير عام سنة 2009 خلفا لجمال الشريقي ، سطع نجمه مع تعيينه سنة 2012 مديرا للديوان، باعتباره ملما بجزء من الوزارة وهو الشأن الإداري والمالي، ولا يزال يشغل ذات الخطة.


   من هو هذا الرجل الغامض والفاعل في وزارة الدفاع؟

    إن الهزات السياسية المتتابعة في تونس والتغيير المتسارع للحكومات وللوزراء قد أثر على عمل وزارة الدفاع وتوازنها. إذ سعت الترويكا إلى إزاحة الجنرال "رشيد عمار" من رئاسة أركان الجيش... فالرجل قد نجح بعد الثورة في تجميع كل الصلاحيات لدى العسكريين، وصار الرجل الأقوى في الدولة إضافة إلى تلك الشرعية التي تحوزها أثناء الثورة.
  وكان المرزوقي المدعوم بحركة النهضة قد قرر إضعاف تأثير الجنرال القوي فدفعه إلى الاستقالة من منصبه... وتم تعيين الجنرال "محمد صالح الحامدي" في منصب رئيس أركان جيش البر... وبالتالي أعادت السلطة السياسية تقسيم الجيش إلى ثلاثة جيوش جيش البر وجيش الطيران وجيش البحر... وهي سياسة قديمة استخدمها نظام بن علي من أجل إضعاف دور العسكر في السياسة مع إلغاء خطة رئيس أركان الجيوش الثلاثة.
  سرعان ما استقال الجنرال الحامدي من منصبه وهو القائد العسكري الأكثر شعبية واحتراما في المؤسسة العسكرية... وكانت استقالته منتظرة ومهدت الطريق لإقصاء العسكر نهائيا من كل تأثير سياسي رغم دوره الحيوي في حماية البلاد والعباد وفي مواجهة المخاطر الإقليمية في المنطقة.
  هنا حدث فراغ داخل وزارة الدفاع هو فراغ قيادي، فالوزير الذي تعينه الحكومات يكون شخصا مدنيا لا علاقة له بالعسكريات وكيفية إدارة الوزارة الحساسة. زد إلى ذلك سرعة تبديل الوزراء وتغير الحكومات مما لا يسمح للوزير بحسن تسيير الوزارة .
  استغل سامي المحمدي ذلك الفراغ في القيادة والتسيير وعجز الوزراء المُعينين عن فهم الإدارة المعقدة، فقفز إلى المشهد في طموح مشروع... أصبح الرجل مديرا لديوان وزير الدفاع وسرعان ما استجمع كل الصلاحيات بين يديه، وتقرب من بعض السياسيين الفاعلين والمؤثرين، وأنشأ من حوله شبكة من العلاقات السياسية.
   وقد تحولت هذه الشخصية المدنية والإدارية السامية إلى الرجل القوي داخل وزارة الدفاع، حتى فاق تأثيره شخصية "شكري العياشي" مدير الديوان السابق خلال تسعينيات القرن الماضي زمن حكم بن علي سابقا ...
  أصبح سامي المحمدي  يعيّن ويُقيل ويمنح الترقيات ويتدخل في كل شاردة وواردة ويتابع الصفقات والشراءات والانتدابات ويسيطر على مؤسستي الأمن العسكري والقضاء العسكري... فسعى بعض العسكريين إلى التقرب من الرجل وهي سُنّة في الإدارة والسياسة... وضجّ عسكريون آخرون وخاصة كبار الضباط من سطوته، وأحرجهم كثيرا أن يتحكم في دواليب الوزارة شخص مدني لا يفقه شيئا في العسكريات، وان يحاصر دور العسكر في وزارة الدفاع معقلهم التاريخي والشرعي...


  أين يقف وزير الدفاع ؟

    في حقيقة الأمر، كان دور غازي الجريبي داخل الوزارة أشد صلابة من الحرشاني... كان يتدخل أحيانا لتعديل أوتار الديوان وكبح جماح مدير الديوان الطامح جدا إلى النفوذ... وفي المقابل فان الوزير الحالي فرحات الحرشاني كان يغطّ في نوم عميق... إذ يبدو أنه قد أسلم قيادة الوزارة إلى ذلك الإداري العليم والخبير بها، يسيرها كيف شاء... والحرشاني مثل أغلب وزراء الدولة بعد الثورة، كان همهم الوحيد هو الوصول إلى رتبة وزير، ثم السعي إلى المحافظة عليه، وتلك رغبة مشروعة إلا أنها أثرت سلبا على الدولة واستمرارها واستقرارها.
   صار الإداري والمدني سامي المحمدي وزيرا خلف ستار أو وزير الظلّ وبقي فرحات الحرشاني وزيرا حاضرا غائبا ، يخرج أحيانا رفقة بعض أجهزة الإعلام يتفقد جزيرة زمبرة متأملا جمالها، أو يزور بعض الوحدات العسكرية لأخذ الصور وبثها في وسائل الإعلام تختزل نشاط الوزير.
  لقد تفطن سامي المحمدي إلى أن الظهور الإعلامي محرقة السياسيين والإداريين، فاختار التخفي داخل قلعة وزارة الدفاع بالقصبة،  حيث يمارس السلطة الفعلية من هناك.
  هكذا فان التنافس والصراع التاريخي بين المدنيين والعسكريين داخل وزارة الدفاع بقي بين الشدّ والجذب.. فكلما أمسك قيادة الأركان رجل قوي طامح تراجع نفوذ المدنيين، وكلما تدخلت السلطة السياسية رجحت الكفة لفائدة المدنيين.
 و يقدر الخبراء أن المرحلة الحالية والصراعات الإقليمية والحروب الملتهبة في الجغرافية السياسية في الشرق وفي شمال إفريقيا، تستدعي منح الجيش الوطني كل الإمكانات من أسلحة وجند، مع تفويض العسكريين سلطات أوسع وتخفيف تأثير المدنيين في الشأن العسكري
  هل تمتلك الحكومة الحالية إستراتيجية لبناء قوة عسكرية ضاربة وفاعلة لها وزنها الإقليمي؟؟؟ ... لا نظن ذلك، لان السياسة الدفاعية للدولة مازالت حبيسة أفكار الخمسينيات زمن الحرب الباردة... فالعالم تغير بعمق، ونحن لا زلنا نعوّل على القوى الأجنبية لحمايتنا...
  إن الدولة قائمة بعسكرها وجندها وهم إرادة القوة فيها، فإذا ما أهمل رجل السياسة رعاية الجيش فان ذلك مؤذن بخراب الدولة.

ملاحظة :
  استغلّ الإطار المدني مدير ديوان وزير الدفاع "سامي المحمدي" نفوذه وسطوته داخل وزارة الدفاع، وترأس اجتماعا حضره مدير القضاء العسكري، وأمر بتنفيذ تعليماته  بإيقاف صاحب جريدة الثورة نيوز، بتحريض من صديقه شوقي طبيب عرّاب الفساد... رغم أن المقالات المنشورة مضى على بعضها أكثر من سنتين، وهي لم تثلب أبدا المؤسسة العسكرية المقدسة في قلوبنا، وإنما كشفت عن شبهات فساد أنجزها مدنيون ملحقون بالوزارة... وقد اكتشفنا لاحقا أثناء عملنا الاستقصائي أن سامي المحمدي هو المسؤول الأول عن إنجاز الصفقات الخاصة بالأسلحة والطائرات المستعملة والألبسة والأحذية... وهي مواضيع تطرقت إليها الثورة نيوز ونبهت إلى شبهات فساد وشراءات لسلاح فاسد و سلاح قادم من إسرائيل.


Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire