lundi 17 octobre 2016

لم يستأصل بعد الفيروس : رائحة الفساد تفوح من ملف دعم المواد الاساسية




يتمثل الدعم العمومي في الفوارق التي تتحملها الخزينة العامة بين اسعار بيع السلع وأسعارها الحقيقية باعتبار كلفتها الحقيقية وذلك بغاية مساعدة الفئات ضعيفة ومنعدمة المداخيل على العيش. وبحكم حجم الاموال العمومية المسخرة لتلك العملية النبيلة والتي تقدر اليوم باكثر من 5 مليار دينارا سال لعاب المافيات واللوبيات من داخل وخارج الادارة التي ابتكرت حيلا خزعبلات من اجل نهب تلك الموارد.
فقد بدات رائحة الفساد تفوح من ملف الدعم المخصص لتجفيف الحليب باعتبار تواطؤ بعض الموظفين العموميين المكلفين بهذا الملف مع اصحاب المصانع المجففة للحليب، علما ان هذا الملف الخطير لم يفتح الى حد الان. فلقد ساهم بعض الموظفين العموميين في نهب المال العام حين اذنوا بصرف الدعم العمومي في خرق صارخ لأحكام الفصل 7 من الامر الفاسد عدد 793 لسنة 2012 الممضى من قبل الخليفة السادس صاحب الاشارات الربانية الذي لم يسهر نتيجة لإهماله وجهله على احترام احكام ذاك الامر الفاسد خدمة للمافيات والعصابات التي هي بصدد نهب الدعم العمومي في جميع المجالات المعنية مثلما تاكد ذلك من خلال التقرير عدد 29 الصادر عن دائرة المحاسبات في جزئه المتعلق بالفساد المستشري في منظومة الدعم العمومي والذي وجب ان يكون موضوع تحقيق لدى القطب القضائي المالي لوضع حد للاعمال الاجرامية التي يقوم بها الموظفون الفاسدون وأولياء نعمتهم من التونسيين والأجانب عند التزود وعند صرف الدعم العمومي المتعلق بالمواد الاساسية بصفة مخالفة للنصوص التشريعية والترتيبية.
فقد بادر الخليفة السادس صاحب الاشارات الربانية بحذف كل النصوص الترتيبية المتعلقة بدعم تجفيف الحليب ليعوضها بالامر الفاسد عدد 793 لسنة 2012 الذي احدث منحة بعنوان مساهمة الدولة في كلفة تجفيف الحليب الطازج المنتج محليا تدفع لفائدة مصانع تحويل الحليب وذلك عن كل كميات الحليب الطازج التي تم تجفيفها في إطار عقود مناولة بين مصانع تحويل ومصانع تجفيف الحليب.

ويضبط مقدار تلك المنحة بمقتضى مقرر مشترك من الوزراء المكلفين بالصناعة والفلاحة والمالية والتجارة وذلك باقتراح من اللجنة الوطنية المحدثة بالفصل 4 من الأمر عدد 658 لسنة 1999 المؤرخ في 22 مارس 1999 وذلك اعتمادا على المعايير التالية :
ـ السعر الأدنى المضمون للحليب الطازج تضاف إليه تكاليف النقل وهامش ربح التجميع،
ـ كميات الحليب الطازج التي سيتم تجفيفها،
ـ كلفة تجفيف الحليب الطازج لدى مصنع التجفيف،
ـ معدل سعر الحليب المجفف عند التوريد المصرح به لدى المصالح الديوانية خلال الثلاث أشهر السابقة والمتضمنة لمصاريف النقل والتأمين والمعاليم الديوانية والمعلوم الموظف على مسحوق الحليب المستورد.
و تتم مراجعة مقدار هذه المنحة كل سنة على أساس إجراء تدقيق من قبل خبير خارجي لكل عناصر كلفة التجفيف ويتعين على مصانع التجفيف تمكينه من كل الوثائق المحاسبية الضرورية في الغرض.
ويتم اعتماد تقرير التدقيق المذكور من قبل اللجنة الوطنية
التي تتكفل اللجنة الوطنية بالقيام بالمهام التالية:
ـ تحديد كميات الحليب الطازج الموجهة للتجفيف سنويا،
ـ وضع أساليب إحصاء كميات الحليب المجفف المنتجة لحساب كل مصنع تحويل الحليب،
ـ القيام بزيارات ميدانية إلى مصنع التجفيف لمتابعة كميات الحليب المجفف المنتجة،
ـ القيام بعمليات تقييم لآلية التجفيف وإعداد تقارير دورية في الغرض يتم عرضها على المصالح الوزارية والهياكل المعنية.
ويتعين على مصانع تحويل وتجفيف الحليب الطازج المنتج محليا لهذا الغرض تسهيل أعمال اللجنة الوطنية.
كما يتعين عليها خزن كميات الحليب المجفف لكل مصنع تحويل الحليب على حدة مع التنصيص على هوية المستفيد على مواد اللف الخاصة به.
هذا ويتكفل المجمع المهني المشترك للحوم الحمراء والألبان بدراسة ملف الانتفاع بمساهمة الدولة في كلفة تجفيف الحليب ويشتمل الملف على الوثائق التالية :
ـ مطلب الحصول على منحة تجفيف الحليب،
ـ نسخة من عقد المناولة المبرم بين مصنع التحويل ومصنع التجفيف،
ـ جدول مفصل في كميات الحليب التي تم تجفيفها،
ـ الفواتير والمؤيدات المحاسبية المثبتة لخلاص مصنع التجفيف.
يتم عرض الملف على أنظار اللجنة الوطنية لإبداء الرأي وإعداد تقريرها حول المنحة.
وتسند المنحة بمقتضى مقرر من الوزير المكلف بالفلاحة بناء على اقتراح من اللجنة ويتم صرفها من قبل المجمع المهني المشترك للحوم الحمراء والألبان.


وفي خرق صارخ لاحكام الامر الفاسد عدد 793 لسنة 2012 تم صرف منحة الدعم كما ثبت ذلك من خلال الصفحة 31 من التقرير الاخير عدد 29 الصادر عن دائرة المحاسبات :"وخلافا للفصل 7 من هذا الامر الذي ينص على تكليف المجمع المهني المشترك للحوم الحمراء والالبان بدراسة ملفات الانتفاع بمساهمة الدولة في كلفة التجفيف والفواتير والمؤيدات المحاسبية المثبتة لخلاص مصنع التجفيف، يتم صرف منحة التجفيف دون قيام المجمع بدراسة الملفات وطلب الوثائق من مركزيات الحليب المعنية.
وتحمل مساهمة الدولة في كلفة تجفيف الحليب الطازج المنتج محليا على كاهل صندوق تنمية القدرة التنافسية في قطاعات الصناعة والخدمات والصناعات التقليدية وصندوق تنمية القدرة التنافسية في القطاع الفلاحي والصيد البحري بالتناصف. ويتم إيداع مبلغ المنحة بحساب خاص لدى المجمع المهني المشترك للحوم الحمراء والألبان.
اضافة لصرف المنحة دون احترام للشروط الواردة بالامر عدد 793 لسنة 2012 تعمل المافيات والعصابات على تضخيم قيمة تلك المنحة، علما ان الامر الفاسد السالف الذكر الموضوع من قبل صاحب الاشارات الربانية لم يأخذ بعين الاعتبار مسالة تضارب المصالح بالنسبة للأطراف التي سوف تقوم بتحديدها ليصح فيه قول الله تعالي :"وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الارض قالوا انما نحن مصلحون الا انهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون". هل من المعقول والمقبول ان يساهم صاحب مصنع التجفيف والناشطون في مجال الحليب الذين هم في وضعية تضارب مصالح مفضوحة في تحديد قيمة منحة الدعم التي تنتفع بها مصانع التجفيف. فهل يجوز للثعلب ان يحرس الدجاج وللذئب ان يرعى النعاج.  هل من المعقول والمقبول ان يتم تنتفع بعض مراكز التجميع بمنحة التجميع والتبريد والتصنيع رغم ايقافها عن العمل لأسباب صحية مثل احد مراكز التجميع بزغوان الذي تم ايقافه عن العمل بتاريخ 9 اكتوبر 2013.
اما بالنسبة لبقية المواد الاساسية المدعمة فقد سجلت دائرة المحاسبات ضعف مشاركة المزودين الاجانب في طلبات العروض نتيجة اقصائهم بطرق فاسدة والاقتصار على مزودين بعينهم وعدم تحيين قائمة المزودين وكراسات الشروط المتعلقة بالتوريد وقد نجم عن ذلك اهدار للمال العام من خلال التزود بأسعار ارفع واعلى مقابل جودة اقل مقارنة بعروض المزودين الذين تم اقصاؤهم بصفة متعمدة في ظروف فاسدة. الاخطر من ذلك ان تقوم مافيات التهريب بتهريب المواد المدعمة الى خارج الحدود وتخريب موارد الخزينة العامة، علما ان العقوبات المنصوص عليها بالتشريع الجاري به العمل جاءت هزيلة ومن شانها التشجيع على التخريب.
فعلى اثر صدور التقرير عدد 29 عن دائرة المحاسبات خلال شهر فيفري 2016 في جزئه المتعلق بفساد منظومة دعم المواد الاساسية (سكر، حليب، زيت نباتي، حبوب) الذي تضمن جرائم خطيرة مصنفة ضمن الجنايات، على رئيس الحكومة ان يبادر فورا بوقف صرف الدعم بطريقة غير شرعية ومشبوهة وإيقاف عصابات الفساد وبالأخص تلك العاملة بالدواوين المعنية بتوريد وتوزيع المواد الاساسية والتي قامت بهدر المال العام وإيقاف العمل بالأمر الفاسد عدد 793 لسنة 2012 وإحالة الملف على القطب القضائي المالي بالنظر لخطورة الجرائم التي تضمنها. سوف نعود لهذا الموضوع الخطير في العدد القادم لمد قرائنا الاوفياء بكل الجرائم والخزعبلات التي تأتيها عصابات الفساد والرشوة في مجال دعم المواد الاساسية كالسكر والحليب والحبوب والزيت النباتي والمحروقات، علما ان الدعم العمومي قفز من 1500 مليارا في سنة 2010 الى اكثر من 5500 مليارا في سنة 2013 وهذا يستدي القيام بتحقيق معمق بخصوصه لمعرفة الاسباب الواقفة وراء تلك الزيادة الصاروخية التي فاقت 4500 مليارا.




Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire