lundi 31 octobre 2016

عنف الدّولة




يشهد عالمنا اليوم مزيدا من العنف المتعدد الوجوه والأشكال، مخلّفا العديد من الضحايا والخسائر، ولعلّ ازدياد العنف واتساع مداه قد دفع بعديد الباحثين لدراسة هذا الموضوع، لذلك ارتأيت أن أبحث في موضوع العنف من زاوية ارتباطه بالجانب السياسي وبالدولة تأكيدا.
فالعنف لغة: الشدّة وعكس الرفق واللّين، وهذا المفهوم يشير إلى استخدام القوة المادية لإلحاق الأذى والضرر بالغير من أجل تحقيق أهداف غير مشروعة.
والعنف السياسي هو ممارسة السلطة للعنف قصد إخضاع خصومها وضرب القوى المتحدية لها من خلال الاستحواذ على القوة وإملاء الإرادة على الجميع.
كما أشير إلى وجود رابط متين بين العنف السياسي والإرهاب لأنه يمكن تعريف الإرهاب بالاستخدام المتعمّد للعنف أو التهديد باستخدامه من قبل الدولة والجماعات قصد تحقيق أهداف إستراتيجية وسياسية باعتماد أفعال خارجة عن القانون لخلق حالة ذعر شامل. فالإرهاب هو من صور العنف وهدفه التهديد بالأذى وإفساد العلاقات وابتزاز تنازلات وهو مكمن الارتباط الوثيق بين الإرهاب والعنف السياسي اللذان إرتفع منسوبهما جراء سوء الأحوال الاقتصادية وما يصاحبها من مشكلات وسوء الأنظمة السياسية وتجاهل شعوبها في قيادة الدولة.


إذن ومن هذا المنطلق يمكن اعتبار أن العنف السياسي يحرم الإنسان من حقه في الحياة وفق المواثيق الدولية خصوصا إذا كان هدف الحكومات إخراس معارضيها وناقديها وضرب كل من تسوّل له نفسه تحدّي السلطة أو انتقاد سياساتها برفع المشانق وفتح السجون كوسائل رهيبة لغايات قبيحة.
ونحن نعلم أن السياسة هي علم تدبير شؤون المجتمع إلا أنها كممارسة واقعية لا تعتمد على قيم العدالة والحق بل تعتبرهما مصدر تشويش وإزعاج. والسياسة بهذا المعنى تنفصل عن الأخلاق وتقطع معها جميع الصلات مقابل وجوب حصر ممارسة السلطة وتحديدها بواسطة الدستور شريطة احترامه وعدم خرقه والتعدي عليه بحكم أن الدولة هي مالكة السلطة وتقع تحت سيطرتها أجهزة استعمال العنف (جيش، أمن، محاكم ، سجون).
فما مدى مشروعية سلطة الدولة ؟ وما هي حدود صلاحياتها في حكم المجتمع وتشريع استعمال العنف ؟
يرى الفيلسوف "إسبينوزا" أن فرض السيادة والسلطة على الناس بالعنف والترهيب مخالف لمبادئ تأسيس الدولة التي تهدف إلى تحقيق الحرية وصيانة الحقوق بعيدا عن الظلم والخداع. ويعتبر فلاسفة العقد الاجتماعي بأن قيام الدولة على أساس عقد تنازل بموجبه المجتمع عن جملة من حقوقه الطبيعية لتأسيس دولة ليس لها مطلق السلطة المفضية للاستبداد والديكتاتورية. فالدولة حسب إسبينوزا ليس من غايتها فرض سلطتها على أفرادها بل صيانة حقوقهم وحرياتهم ، فالحرية هي الغاية الحقيقية من قيام الدولة التي تفصل بين سلطاتها تجنبا لطغيان سلطة الدولة وحماية لحقوق المواطنين وحرياتهم.
فهل تمارس الدولة سلطتها بالقوة أم بالقانون، بالحق أم بالعنف؟
إنّ الغاية الأساسية من وجود الدولة هي ضمان الحقوق والحريات دون مساس الأفراد بالسلطة ومشروعيتها، إلا أن ممارسة السلطة لها مبادئها وآليات إشغالها، فمجال السياسة هو مجال صراع مصالح متعارضة وبالتالي لا بد أن يكون رجل السياسة ماكرا للإطاحة بخصومه فهو يستعمل كل وسائل الكذب والمكر والخداع وهي صفات ضرورية للممارسة السياسية ولكي تمارس الدولة وظائفها فهي تلجأ إلى العنف المادي لحماية الحق العام وليس للمحافظة على كراسي القيادة، لأن دولة الاستبداد تبقى معزولة مما يجعلها هشّة ومعرضة للتسلط وبالتالي للاندثار لزوال الأسباب التي أدت لظهورها كما ورد بموقف العلامة عبد الرحمان بن خلدون الذي تحدث عن سياسة الاعتدال باعتبار العلاقة الجدلية بين الرعيّة والسلطان، فبناء هذه العلاقة على أسس الرفق والاعتدال في التعامل يبعث على المحبة والاحترام المتبادل بين الراعي والرعية على خلاف اعتباره لبطش السلطان وقهره للرعية مفسدة للأخلاق التي يسطر عليها الكذب والخديعة مما يسهّل عملية الانقلاب على السلطان في اللحظة التي يحتاج فيها للرعية نظرا لإستبداده تجاههم وهضمه المتعمد لحقوقهم وبالتالي وقوعه في دولة الاستبداد.
فما هي أحوال الدولة التونسية بعد التحوّل الثوري؟
وفيما تتجلّى المصادرة للحقوق والحريات جراء الخرق المتعمد للدستور والمواثيق؟
من خلال استعراض لمظاهر العنف السياسي في طالع هذا !! فقد تأكد لدينا مقارنة بالوضع السياسي السلطوي للبلاد التونسية من خلال انخراط الدولة في منظومة العنف قصد محاولة الإمساك بناصية الحكم كلّفها ذلك ما كلّفها من انتقادات داخلية وخارجية في إطار لزمة خفيّة مع دول القرار فانبرت الحكومة تستهدف الحريات قصد إخراس كل من سوّلت له نفسه معارضتها من خلال تجميعها للسلطات الشرعية بيد الحاكم الجديد الذي شرّع لعنف الدولة بتعلّة السعي لإنقاذ البلاد وسط هالة إعلامية تمجّد الحاكم وتغالط الرأي العام وتتغافل عن مصائبه في جنوح تام للدور المناط بعهدة السلطة الرابعة التي أسهمت في مصادرة حقوق الشعب بخنوعها للسلطان وخضوعها لإملاءاته بإلهاء سائر الشعب ببرامج إذاعية وتلفزية مائعة وملهية عن الشأن العام في إطار مشروع أفينة وتخدير ، وفي ذات السياق اكتفت الطبقة المتعلمة والمثقفة بالمتابعة في صمت بمشاركة سلبية في الجرائم المرتكبة ضدّ الشعب وعدم تحريك ساكن خوفا على المناصب والمصالح ورهبة من عنف الدولة وسياطها.


وحيث اكتفت الأحزاب السياسية وعددها 206 بالبحث عن موطأ قدم بالحكومة ومصالح الدولة وبتحصيل مساعدات داخلية وخارجية لتصريف أعمالها وهيكلة أحزابها واستقطاب منخرطيها في وقت لازمت فيه الجبهة الشعبية الصمت وفي أقصى الحالات انتقاد غلاء المعيشة متغاضية عن أعمال الإساءة للحقوق والحريات من قبل الحكومة ضدّ معارضيها الفرادى ممّن أعلوا صوت الحق وعبروا عن آرائهم وانتقدوا سياسة السلطة وعنفها الممنهج لعجزها اقتصاديا وسياسيا عن إدارة شؤون البلاد بل جنوحها لإصدار قانون المالية لميزانية سنة 2017 بإخراج إمبريالي ديدنه الجباية وسلب المواطن لمداخيله بتوظيف معاليم جبائية مفزعة رغم توريطه في تحمّل حجم وأعباء القروض الدولية المثقلة على عاتقه لعقود لاحقة حيث أضحى المواطن التونسي مرتهنا للغرب ودول الإيجار المالي بالخليج العربي الأمر الذي أفرز مشهدا مهتزا منبئا بالانفجار جراء عجز المواطن عن تصريف حياته اليومية وارتفاع مديونيته وارتهانه الأمر الذي أثر في نفسيته وحكم عليه بالشرود والبحث عن الملهيات (خمر، أقراص مخدرة، مخدرات،نوم...) في بهتة من إفرازات الثورة التي حكمت بمصادرة حقوقه وحرياته ، ففي ما يتجلى ذلك؟
لقد حرصت الحكومات المتعاقبة بعد الثورة على التضييق على وسائل الإعلام التي سلكت منهجا انتقاديا من خلال بعض البرامج المتلفزة أو المقالات التحريرية بالجرائد المحلية، من ذلك إحجام الدولة عن مساعدة أصحاب الجرائد والإذاعات وتهليلها لإفلاسها، بل سعت لتكميم الأفواه بإحالة كل صحفي أو صاحب جريدة لم ينخرط في منظومة التدجين الإعلامي على أنظار القضاء قصد الترهيب ، ولم تكتفي السلطة بالتفليس بل أحيت محكمة الاستثناء ونعني المحكمة العسكرية لتنتصب مرهبة للنذر القليل من شرفاء السلطة الرابعة في خرق فاضح للدستور التونسي الجديد لسنة 2014 وللقوانين والمراسيم المنبثقة عنه ولجميع المواثيق الدولية وخصوصا المدونة العالمية لحقوق الإنسان.
فالسلطة الحاكمة حاليا للبلاد تحت إمرة رئيس الدولة قد تعمدت خرق الدستور التونسي في فصوله: 27 و 29 و 31 و 32 و 72 و109، فأضحت الإدانة مسبقة عن البراءة وتمّ استبعاد أسس المحاكمة العادلة بشطب الضمانات القانونية المكفولة للمتهمين بالتعدي على حق الدفاع المضمون قانونا وأصبح الصحفي والمواطن العادي ممّن لم ترض عنه السلطة الحاكمة في حالة احتفاظ رغم انتفاء حالات التلبس فمجرّد نشر تدوينة بالشبكة العنكبوتية ومجرد تعبير عن رأي أو بانتقاد  فعل أو إجراء أو قرار أو التشهير بفساد، يؤدي حتما إلى إثارة التتبع في خرق لحرية الرأي والفكر والتعبير والإعلام والنشر المفترض ضمانهم من طرف الحاكم بالدستور والذي أصبح يمارس رقابة مسبقة على الحريات ومنع النفاذ إلى المعلومة بقرار رئاسي في مخالفة صريحة للدستور الذي نصّص على وجوب سهر رئيس الدولة على احترام الدستور وضمان الحريات مع عدم اقحام القضاء في التصفية السياسية، كيف لا والتعليمات العمودية الصادرة عن حاكم البلاد تصبّ في خانة المذلّة والإذلال للشعب الصامت والطبقة المثقفة الخانعة خوفا من بطش القضاء المتحكم فيه عن بعد في إطار ممارسة الدولة لعنف غير مشروع مؤذن بخراب العمران في تحدّ كبير لحق الشعوب في تقرير مصيرها والدفاع عن حقوقها الأزلية برفضها للترهيب الملكي والتوريث السياسي والحكم العائلي الإقطاعي.
فهل ستحافظ الحكومة الحالية على وجودها أم أنها ذاهبة للزوال جراء عنفها السلطوي؟؟...؟؟؟      


Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire