vendredi 30 septembre 2016

سجنوني ) الحلقة الخامسة ( : أريد مقابلة السّيد الوزير.. فولدي ليس لصّا!




(سلسلة مقالات "سجنوني"  بقلم القاضي المكي بنعمار يروي فيها ظروف إيقافه ومشاهداته في السجن من يوم 04 الى 28 جويلية 2016 ... مهداة إلى صحيفة الثورة نيوز (..'
وجدت العجوز (والدة السجين المحكوم عليه ب6 سنوات سجنا من أجل جريمة سرقة) في الرواق موظفا صغير السن يمشي في تخنث فحدثته بقصتها فقال لها مستغربا : "هذه وزارة الفلاحة يا سيدتي ! وأنت مشكلتك من أنظار وزارة العدل " . وقد أشفق عليها فخرج معها من مقر وزارة الفلاحة وأرشدها إلى الطريق المؤدي إلى وزارة العدل . وعندما وصلت الى الوزارة,  وجدت الأبواب مغلقة . فجلست القرفصاء تحت شجرة ولم تأكل شيئا حتى  فتحت الأبواب في الحصة المسائية . فغافلت الحراس ,رغم كثرتهم , وصعدت مباشرة حتى لا يتم خداعها كما حدث في وزارة الفلاحة . وصممت في هذه المرة على مقابلة الوزير شخصيا وأن لا تضيع وقتها في الحديث مع الموظفين . واهتدت بالسليقة إلى أن  الوزير , بما أنه أكبر مسؤول من المسؤولين , فلابد ولا ريب أنه يتواجد في أعلى البناية .


 جعلت العجوز البائسة أم السجين المقهور تتسلق السلالم كالعنكبوت حتى وصلت إلى الطابق الأخير ولم يبق بينها وبين وجه الله غير قبة السماء . فلما ولجت إلى الطابق كان مزركشا باللون الأحمر فاستوقفها رجل نظيف الهندام كان يضع شارة على صدره وقال لها وهو يتفحصها من رأسها الى أخمص قدميها :" من أنت ؟!!؟ وكيف وصلت الى هنا ؟؟ !!! " . فظلت تحدثه بقصة حياتها والرجل يتفرس فيها كأنه ينظر الى كائن من نوع اخر. الى ان قالت : " أريد مقابلة  السيد الوزير.. فولدي ليس لصا . وإذا لم يقابلني ,فان زوجي قد يفعلها ويأتي لمقابلته بنفسه " . فقال الموظف : " ومن يكون زوجك يا سيدتي ؟ ". قالت : " هو يعمل في الحظائر بقفصة .. ويعتني بنظافة المدينة وجمع القمامة من الطرقات ". فقال لها الموظف : " من حقك مقابلة السيد الوزير. فكل مواطن له الحق في مقابلة المسؤولين ببلاده . وإذا لم يتحقق ذلك , فما نفع الثورة اذن ؟ " . لكنه حينما دخل قنوة الهاتف لإعلام رئيسه قال له : " سيدي ! هناك امرأة مجنونة .. ويبدو انها بدوية .. جاءت تطلب مقابلة السيد الوزير .. ما هي تعليماتكم ؟ ". فلما أجابه رئيسه عبر الهاتف , استخذى ذلك الموظف ثم تضاءل وتصاغر وانكفأ على نفسه ثم انكمش حتى صار في حجم الإسفنجة :اذ بدا أن رئيسه وبخه في الهاتف . ثم خرج من القنوة ممتقع الوجه واستدعى شرطيا وشرطية فقامت الشرطية بتفتيش المرأة واستجوابها عن مرادها من دخول الوزارة . وطلب منها الشرطي مرافقته ليوصلها إلى مكتب الوزير . فانفرجت أسارير وجهها فرحا وجعلت تقفو خطوات الشرطي من طابق الى طابق ومن رواق الى رواق الى ان وجدت نفسها في طريق مزدحم بالسيارات . فالتفتت خلفها للبحث عن الشرطي فلم تعثر له على أثر. وحاولت الرجوع الى الوزارة فلم تهتد الى الباب الذي دخلت منه . عندها تملكتها حالة من الغضب فرفعت رأسها إلى أعلى الوزارة وصاحت بأعلى صوتها : " يا معالي الوزير ! ولدي ليس لصا !" . فتحولت صيحتها الى دوامة  وصار كل شيء حولها يصيح ويدوم في صيحة غضبها . وأطلت العصافير برؤوسها الصغيرة من الأشجار مستفهمة .. ثم شاركت في الصياح . وتحولت الدوامة إلى إعصار.. ثم إلى عاصفة . وصارت العاصفة تقتلع كل شيء تمر به وتبتلعه . المباني .. السيارات .. الجسور .. الطرقات .. الناس .. الحيوانات .. كلها صارت تدور في العاصفة ثم تختفي . ومرت طائرة فوق المدينة فجذبتها العاصفة وابتلعتها . وكانت العاصفة كلما ابتلعت شيئا تضخمت واستفحل أمرها . ومرت العاصفة على صبية يلعبون وينشدون : " ولدي ليس لصا .. ليس لصا .. ليس لصا.." فخطفتهم العاصفة . و تحت مبنى الولاية كان جمع من العاطلين عن العمل الذين افنوا نصف أعمارهم في الدراسة ونصفها الآخر في الاعتصام حتى صاروا شيوخا فنزعوا اللافتات التي علقوها وكتبوا عليها مطالب التشغيل وعلقوا مكانها لافتات مكتوب عليها : " ولدي ليس لصا ".. فابتلعتهم العاصفة . وجاءت مظاهرة للطلاب وهم يهتفون بشعارات ضد الحكومة فاستبدلوا تلك الشعارات بهتاف واحد : " ولدي ليس لصا " .. وتوجهوا إلى العاصفة . وسارت جنازة تحمل نعشا فيه فرعون من الفراعنة , فأمسك المشيعون عن طلب الرحمة للفرعون  ومشوا إلى المقابر مترنمين  بصوت حزين : " ولدي ليس لصا ".. فلم ترحمهم العاصفة . وكان هنالك شباب كالأقمار يبيعون السجائر المهربة لإطعام ذويهم .. فطاروا مع العاصفة . وتضخمت العاصفة بالأشياء التي التهمتها والأطفال والشباب والشيوخ الذين أكلتهم حتى أصبحت عجوزا شمطاء يناطح رأسها عنان السماء , فأشرفت على المدينة بنظرات مهددة وصارت تلتفت إلى أنحاء المدينة كأنها تبحث عن شيء . ثم ركزت نظرها على ناحية من المدينة و همدت . ثم فجأة انفجر من فمها صوت مثل فرقعة الصاعقة : " ولدي ليس لصا " . فاحترقت المدينة بتلك الصاخة وتحولت الى رماد . فاستفاقت أم الشاب من غشيتها مفزوعة . ذلك أنها عندما صرخت تحت مبنى الوزارة اغمي عليها فرات تلك الكوابيس المزعجة في منامها . ومر بها فاعلو الخير فاحتملوها وبذلوا الجهود المضنية حتى تعرفوا على هويتها ومقرها فأرجعوها الى مدينة قفصة . فلما فتحت عينيها وجدت نفسها في بيتها . وحدثت زوجها عامل الحظائر برحلتها الى المسؤولين في العاصمة . فسألها زوجها " وما كان ردهم ؟ " . 


قالت : " لازموا الصمت ". فقال زوجها :" وهل فعلت ما اوصيتك به ؟ هل اخبرتهم باني قد افعلها واذهب اليهم في العاصمة ؟ " . قالت  :" اخبرتهم بكل شيء " . فقال زوجها  :" لا شك انهم خافوا ! وسترين انهم بعد يوم , وعلى اقصى تقدير يومين , سيخرجون الولد من السجن وسيرسلون الي وفدا للاعتذار وتلبية كل مطالبنا " . فقالت المرأة البائسة : " ارجو ذلك " . لكن ابنهما ظل قابعا في السجن ولم يأت  الوفد لا بعد يوم ولا بعد يومين ولا بعد اشهر . ولم يتصل بهم أي مسؤول من المسؤولين . لكن الأم العنيدة لم تيأس من استنقاذ ولدها الذي التقمه الحوت . فنسيت الى الابد مقابلة المسؤولين وباعت جميع اغراضها وما تملك من حطام الدنيا لتخرجه من السجن . باعت اثاث المنزل . وباعت اساور الفضة المزيفة التي اهداها لها زوجها قبل اربعين سنة في حفل الزفاف . وباعت ثيابها وبقيت في اسمال  بالية . وباعت العربة التي يستعملها زوجها في لم القمامة . وباعت الكلب الذي ظل يحرس البيت عشرين سنة لأحد الاكارين,  وعندما جاء الاكار ليأخذه  كان الكلب يعوي عواء مرا .  وأرسلت ابنتها للعمل في المنازل . وفي النهاية لم يبق لها ما تبيعه إلا شيئا واحدا : ..... عرضها . ولعلها كانت ستفعل اذا كان ذلك يخرج ابنها من الحبس , فلا شيء في الدنيا يسع قلب الام . وفيما كانت تفكرفي شيء تبيعه التفت اليها زوجها الذي كان يشبه الذئب  فوجدها تنظر إلى فمه نظرة مريبة فقال لها :" ما بالك تنظرين الي هكذا ؟ !" . فلم تجبه . وفي الصباح احضرت كلَابا واقتلعت أسنانه  وباعتها لاحد المشعوذين , لان السحرة يعتقدون ان من يحمل انياب الذئب تطيعه الجن . وظل زوجها الذي احتمل الالام الفظيعة من اجل ولده يعتقد حتى اخر ضرس تم اقتلاعه منه بان المسؤولين في العاصمة يخافون منه . وتجمع لأمَ السجين مبلغا معتبرا من المال . فصارت ترشو هذا وتشتري ذمة ذاك حتى اخرجت ابنها من السجن . فكان ذلك اليوم يوم عرس في دار لم يبق منها غير الجدران والسقف . ويوم الافراج عن الولد ,استيقظت امه في الصباح الباكر واعدت له ما استطاعت من الطعام وهي تقول : " لا بد انه الان جائع !" . واستقلت سيارة تاكسي وتوجهت الى السجن لاستقبال فلذة كبدها . لكنهم اطلقوا سراحه وهي في الطريق . ونظرا إلى أنَ الولد كان متشوقا للحرية , فقد جعل يتمشى في الطريق المحاذي للسجن في انتظار امه . وما هي إلا هنيهة حتى خرجت عليه سيارة يقودها احد مهربي البنزين وهي تنهب الطريق نهبا فحولته الى اشلاء . ولم يعثر على الفاعل )....(  .الذين شاهدوا المرأة الثكلى عندما كانت  تنوح وتولول  وتحثو التراب على رأسها قالوا : " لقد كانت كالمجنونة ". وهي الان تتسول في اسواق قفصة . أنا رايتها مرة تمشي هائمة على وجهها فشعرت بان وراءها بلية . وشاء القدر أن ادخل السجن لأعرف قصتها . فمن فعل كل ذلك ؟ ومن أين جاءت تلك اللعنة التي سكنت موطن الحادث ؟ من المسؤول عن كل ذلك ؟ أهو الحوت ؟  الصيادون ؟ أم المسؤولون ؟ ام هؤلاء جميعا ؟؟؟؟ !!!


Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire