samedi 24 septembre 2016

سجنوني ) الحلقة الرابعة ( : ولدي ليس لصّا يا سّيدي !




تلبية لرغبة القراء الكرام الذين أثر فيهم ما في هذه الحلقات من شجى , ومن طرافة احيانا , فقد ارتأيت, بعد استئذان الاخوة المشرفين على الجريدة, إضافة حلقة اخرى لهذه الحلقات بعد أن كنت رمت إنهاءها , لتطوى معها صفحة من صفحات تاريخ القضاء التونسي الذي لا أريد التعليق عليه لأنني لا اكتب هاهنا بصفتي قاضيا بل قصاصا  وحري بي ان أشكر جريدة الثورة نيوز التي حبتني بهذا الشرف الأثير بالكتابة على صفحاتها وهي ليست في حاجة  لقلمي فهنالك عشرات الاقلام الناضية المنكبة على وجوهها كأنها ساجدة على الاوراق تنتظر اذن هذه الجريدة لتكتب لها بحبر من ذهب تاريخ النضال والشرف .
ومن القصص التي سمعتها في السجن قصة السجين الذي تحولت أمه الى متسولة لتخرجه من السجن . لكنه عندما خرج , وجد عزرائيل ينتظره عند باب السجن .


حدث ذلك عندما لاحظت في العنبر سريرا كان شاغرا على الدوام في حين أن هنالك سجناء يفترشون الارض . فقلت لهم :" ان أمركم لعجيب . أترقدون على الارض وما سركم الذي يمنعكم من أن  احدكم بذاك السرير « !. قالوا : " انه سرير ملعون .. فكل من نام عليه أصابته مصيبة ". قلت : " ما هاذي التخاريف ؟ ان قولكم والله ليس له من معنى . فهو اشبه بإهداء جارية للسلطان .. أو الصعود على سفينة القراصنة للبحث عن الذهب .. أو امرأة تبيع عرضها لتطعم أبناءها. إذا أردتم أن تعيشوا سعداء فعليكم أن تتحرروا من الخرافات والأساطير قبل ان تفكروا في التحرر من السجن ". لكن يبدو أن بعض الاساطير تتحقق في الواقع . فقد حقق السجناء ان خمسة منهم تداولوا على السرير المشؤوم فأصابتهم اللعنة تباعا . وشهد على ذلك " سيدنا " الذي كنت أثق به كثيرا ,والسجناء القدامى ومن بينهم " الزنكلوني ". أمّا أول الخمسة فأصابه الجرب من ليلته . والثاني افلست تجارته . والثالث صاحبت عليه زوجته قردا وهو في السجن ثم رفعت عليه قضية في الطلاق. و الرابع  تلبّسه شيطان وهو في قاعة الجلسة فتهجم على الرئيس فحكم عليه بعشرة أعوام نافذة من أجل ثلب الهيئة الحاكمة بعد أن كان متهما بجنحة لا تتجاوز عقوبتها الثلاثة أشهر . والخامس رفع عليه ابناؤه قضية للتحجير عليه . وكل ملعون من الملاعين الخمسة حلت عليه اللعنة بعد ليلة أو ليلتين قضاهما في سرير الشؤم . وذلك قذف الذعر في قلوب بقية السجناء فلم يجرؤ حتى عتاة المجرمين منهم على الاقتراب من الفراش الملعون , واكتفوا بمشاهدته من بعيد بعيون ازاغها الرعب والحسرة على نومة هنيئة . فبقي ذاك السرير موحشا ومهجورا في ركن من أركان السجن المظلمة .
كان السرير لمسجون شاب أصيل مدينة قفصة وهو وحيد أبيه وأمه  قبل أن يدخل السجن وينتهي تلك النهاية المأساوية , كان ابواه يعلقان عليه آمالا كبيرة ... وفي أحد الايام وضعه القدر وجها لوجه مع حوت كان يقود سيارته وسط المدينة  ... هو حوت من تلك الحيتان التي تعوم في خيرات قفصة دون أن تقدر شباك القانون على اصطيادها لان الصيادين الذين سيصطادون الحوت  يرتادون فنادق الحوت ويبيتون فيها  مجانا ...أنا شخصيا أعرف هذا الحوت لان في ذمته إحدى وعشرين قضية ما بين تحيل وتدليس ونهب حكم عليه فيها جميعا بعدم سماع الدعوى ... حدج الحوت الشاب بنظرة تنضح حنقا واحتقارا ثم نزل اليه من السيارة تسبقه " كرشه " ... فلما رأى الشاب كرش الحوت المنتفخة شعر بالغبن وأراد ان يعرف ما الذي تخبؤه تلك " الكرش " ... وكان للحوت صديق في الشرطة فقال له : " أنت تعرف يا صديقي اني في خدمة العدالة وقلبي على جهة قفصة .. ولذلك فسأدلك على احد اولئك الاشقياء الذين اغرقوا منطقة الشرطة بمحاضر السرقات المقيدة ضد مجهول "  وأحيل الشاب  . لكن الحوت الذي خدشت هيبته من طرف سمكة سردين صغيرة أبى إلا أن يقص ذيل السمكة وتقطع زعانفها لتكون عبرة لغيرها من الأسماك والمخلوقات البحرية الاخرى  إذا فكرت في التطاول على سيد البحار . فتحولت الجريمة بقدرة قادر من سرقة مجردة الى سرقة موصوفة وحكم على السردينة الحقيرة بستة أعوام سجنا  وجلست أمه وشقيقته القرفصاء أمام المحكمة تنتظران صدور الحكم ... فنزل الخبر على فؤاد امه نزول الصاعقة . فمشت ساهمة كما يمشي المنوم مغناطسيا ... تنسكب دموعها بصمت ... ولم تجد اخته ألا لسانها فأشهرته كالأفعى السامة في وجوه اعوان  كانوا يحرسون المحكمة ولدغتهم بأقذع الشتائم وهم ينظرون اليها ببلاهة . وأشعل احد الاعوان سيجارة وراح يدخن ويضحك وهو يستمع  لذلك الفحيح . وبعد ان جيء بالشاب الى السجن المدني بقفصة , وجيء به قبيل أشهر من إيقافي , أشار بعض العارفين على أمه بالتوجه الى العاصمة ومقابلة المسؤولين هناك لينصفوا ابنها .... وقالوا لها : " ستسترجعين حق ولدك لأننا في عهد العدالة, وأبواب المسؤولين صارت مفتوحة بعد الثورة ".... وقبل ذهابها للعاصمة, قال لها زوجها المريض  بالروماتيزم ) وهو من عملة الحظائر الذين يجمعون القمامة في الشارع ( قال لها " : إذا لم يستمع إليك المسؤولون في العاصمة  قولي لهم ان زوجي عندما يتعافى سوف يأتي اليكم . قولي لهم ذلك وسيستجيبون لك لأنهم يخافون مني « !  ... فلما وصلت تلك المرأة إلى مدينة تونس , لم تعرف اين تتوجه ... لأنها المرة الاولى التي تخرج فيها من قفصة ,بل من بيتها. فسألت  المارة عن المكان الذي يوجد فيه المسؤولون لتخبرهم بمظلمة ابنها .... وكانت كلما اعترضها شخص حدثته بقصتها , ثم تختم حديثها بالقول : " ولدي ليس لصا " ... فدلها بعض الناس على بناية كبيرة وقالوا لها : هنا يوجد المسؤولون . فصعدت الى الطابق الاول فوجدت موظفا يقرأ جريدة فسردت عليه قصتها ... وبقيت  ساعتين تتحدث بينما الموظف منهمك في تصفح الجريدة . وفي نهاية حديثها قالت له : " اسمع يا سيدي .. إن ولدي ليس لصا " . فقال لها وهو يتثاءب : " حل مشكلتك ليس عندي .. اصعدي إلى الطابق الثاني " . فلما صعدت إلى الطابق الثاني دخلت أول مكتب اعترضها فألفت موظفا بدينا وقصيرا  ينظر بذعر إلى كومة ملفات أمامه  ... فسردت عليه حكايتها منذ أن أنجبتها أمها بعد سبعة ذكور.. واشتغالها برعي الأغنام عندما كانت صغيرة ... وكيف كبرت وتزوجت من زبال ... ومعاناتها مع زوجها ... إلى أن وصلت في النهاية لقضية ابنها وفي الأخير قالت : " ولدي ليس لصا يا سيدي ! ". لكن الموظف لم يكن ينصت اليها لأنه كان يفكر في طريقة للتخلص من تلك الملفات . فأجابها وعيناه لا تزالان مغروستين في الملفات : " مشكلتك ليست عندي يا سيدتي .. ارجعي إلى الطابق الأول " . فرجعت إلى الطابق الأول فوجدت الموظف الذي كان يقرأ الجريدة يهم بمغادرة مكتبه , فقالت له : " لقد ذهبت إلى الطابق الثاني كما اخبرتني .. ولكن المسهول ) المسؤول( الآخر ارجعني إلى هنا .."  . فقاطعها بقوله : " اعذريني يا سيدتي .. فعلي الذهاب لإرجاع أطفالي من المدرسة ". ثم انصرف وتركها واقفة . وفيما كانت متحيرة , تناهت لها همهمات وأصوات ضحكات تنبعث من احد المكاتب . فتوجهت الى ذلك المكتب فوجدت سربا من  الموظفات يتحدثن ويتضاحكن . فأعادت على مسامعهن  حكايتها من يوم ولادتها الى دخول ولدها السجن . ثم قالت لهن ": ولدي ليس لصا !" . وفيما كانت تتحدث ,كانت الموظفات يتفكهن ولا يلتفتن اليها . فلما أزعجتهن قالت لها إحدى تلكم الموظفات وهي تنظر إلى وجهها في مرآة أخرجتها من حقيبتها : " اصعدي إلى الطابق الثالث " . وظلت المرأة تصعد وتنزل لاهثة من طابق الى طابق ومن مكتب الى مكتب .  وفي كل مكتب تروي قصتها .. حتى انتهى وقت الدوام, وكان أغلب الموظفين غادروا الإدارة قبل انتهاء الوقت ...

والى اللقاء مع الحلقة الخامسة

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire