dimanche 14 août 2016

الطاهر رجب : لقد مللنا أنفسنا وحتى الغرب ملّنا والكل اليوم يغازل حبل النجاة!



بعد الانتخابات الرئاسية والتشريعية الأخيرة اعتقد أغلب التونسيين أنهم وضعوا حدا للتقلبات المفزعة التي عاشتها البلاد منذ بداية سنة 2011 وتجدد لديهم الأمل لمواصلة بناء دولة المواطنة واضافة ترسانة جديدة من الحقوق السياسية و المدنية و الاجتماعية والاقتصادية غير أنه سرعان ما تبدد الحلم و تحول الأمل الى مسحة من التشاؤم بعد ان اكتشف الجميع ان سياسيينا اصبحوا كائنات صماء غير قادرين على التمييز بين ما يجلب النعمة للبلاد وما يسلط عليها العذاب.. لسنا بحاجة الى التعمق أكثر في هذه الاستنتاجات اذ يكفي اليوم النظر في وجوه عامة الناس حتى تقف على ان الامهم لم تعد تحتاج الى تستر وان الحاضر يبدو لهم اكثر سوادا وان معاناتهم اجبرتهم على استعطاف الأقدار وايقضت فيهم حنينا الى الماضي القريب.


في محاولة لتلقف هذه المعانات ولاعادة الانتعاشة في نفوس الناس واستعدادا لكل الأحوال و مختلف السيناريويات اختار سياسيونا هذه المرّة الاستناد الى مفهوم الوحدة الوطنية لاعادة تكوين حكومة جديدة يواصل فيها الحزب الفائز بثقة الناخبين توسيع دائرة الحكم الى باقي الأحزاب الخاسرة الراغبة في ذلك بتعلّة تكوين قوة فكرية وسياسية تستطيع البلاد الاعتماد عليها لمعالجة أزماتها وأعتقد أنه لا يختلف اثنان حول النتائج المسبقة لهذا التوجه الذي اعتمدته الحكومة المتخلية والذي أدى الى فشلها لأنها فصلت على المقاس والتفصيل على المقاس في الحكم لا ينتج حكما قويا فكيف نكرّر نفس التجربة ذاتها وبنفس الطريقة وننتظر نتائج أحسن؟


ان المتؤكد اليوم ان المواطن لم يعد يعير اهتماما كبيرا لمثل هذا النوع من الحلول المسطحة لأنه اصبح يعي جيدا ان الطبقة السياسية المتربعة على الساحة مصرة على اعادة آنتاج نفسها بشئ من الاستهزاء الفكري من فدراته وانها استنفذت كل امكانيتها المتاحة وتشاركت في انتاج العجز وعدم القدرة على فكّ شفرات الاصلاح ولكنه في المقابل اصبح شديد الاهتمام بالآطلاع بصفة رسمية على حقيقة أوضاع البلاد وبوصفات العلاج للمآزق الكبيرة التي تتربص بها وبما يمكن فعله في ظل الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية و الأمنية الراهنة وطنيا واقليميا.
يمكن لنا أن نقر بأن أحداث جانفي 2011غيرت المجتمع التونسي بسرعة كبيرة لم تستطع النخب السياسية احتوائها فظلت في حالة ضياع لا تعرف ماذا حدث ولا كيف تحافظ على المكتسبات الوطنية وهو ما أوجد حالة فراغ آستغلتها القوى الخارجية لتمرير اجنداتها حتى اختلط الداخل بالخارج والدين بالسياسة والمال بالسلطة والمصالح الشخصية بالمصالح الوطنية و لكن كان من المفروض بعدها تعديل البوصلة نحوالقدرات الوطنية ووضع حدّ لولعنا بالخارج وانجرارنا الطيع لاملائاته والتوجه نحو استنباط الحلول البراقماتية المحلية والقطع مع المجازفة نحو المجهول وهو ما لم يحصل فتراكمت الزلات و تعفنت الأوضاع وأصبح مصيرنا بأيدي غيرنا.
لقد مللنا أنفسنا وحتى الغرب ملنا والكل اليوم يغازل حبل النجاة وأعتقد أن المسألة ليست مرتبطة بعزف لحن الوحدة الوطنية ولا بالمحاصصة التي ستنتجها الحكومة الجديدة ولا بتشبيبها بقدر ما هي مرتبطة بشحّ الرؤية التنموية والقدرة على اعادة هندسة المنظومة السياسية و التنموية وفق المتغيرات الجديدة.
فالوحدة الوطنية متجذرة في الشعب التونسي وستكون أكثر صمودا اذا ما تم احتضان الشعب من خلال التنمية وتشريكه بأحقيّة في صنع القرار.

بقلم الطاهر رجب
خبير استراتيجي ومحلل سياسي


الطاهر رجب

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire