vendredi 12 août 2016

المكي بنعمار : دخلت التاريخ كأول قاض يسجن من أجل مقاومته للفساد


) سلسلة مقالات "سجنوني"  بقلم القاضي المكي بنعمار يروي فيها ظروف ايقافه ومشاهداته في السجن ... مهداة الى صحيفة الثورة نيوز (..' الحلقة الثانية"  .


اصر المحامي (ل.س.) على التجريح في حاكم التحقيق وطلب منه رفع يده عن الملف لوجود شبهة جائزة متمثلة في العداوة الواضحة بيني وبينه . كان هذا رايي انا ايضا . ورغم ذلك تمادى المحقق على النظر في الملف واصدر بحقي بطاقة ايداع في السجن . كان ذلك غرضهم . الزج بي في السجن لاخماد صوتي .. والتشفي مني ايضا . لكني فعلت ما لم يكن في حسبانهم وحرمتهم لذة الشعور بذلك النصر الموهوم . لقد واجهت قرار سجني بشجاعة حتى اني ضحكت عندما اصدر المحقق بطاقة الايداع وقلت له : " اتظنون ان السجن يخيفني ؟! حقا انكم لا تعرفون من هو المكي بنعمار ... " . ارتبك المحقق لدى سماعه تلك الكلمات واربكته اكثر تلك الابنسامة التي راها على وجهي . فتحرك في مكانه وقال : " انا حقا احييك على شجاعتك " . فقلت له : " ليست مسالة شجاعة .. بل قضية مبدا .. سادخل التاريخ كاول قاض يسجن من اجل مقاومته للفساد ودعوته لتركيز قضاء الضعفاء والفقراء .. قضاء يجد فيه الضعيف والفقير حقه كاملا .. وفي اقرب الاجال .. 


قضاء الشعب لا قضاء البورجوازية والاقوياء . سادخل السجن من اجل مبادئي .. وهنيئا لكم حرية يعقبها الندم في الدنيا وعذاب الله في الاخرة . الا تعلم يا سيد ان اشد الناس حسابا في الاخرة القضاة ؟ ! " . كانت كلمات قوية ومرعبة . وعندما حضر الحارس مددت له يدي وقلت : " هيا قيد ! ضع الاصفاد في يدي .. فان هذه الاصفاد .. هي اساور الشرفاء " . نظر الشرطي الى حاكم التحقيق ببلاهة فقال له : " انزلوه السجن .. مع حسن المعاملة .. انه زميل " 


كان مدير السجن رجلا طيبا . وهو شاب في الثلاثينات , قوي البنية ونشيط . يحظى بشعبية كبيرة بين السجناء وهم يحبونه حبا جما لانه كان يعتبرهم و يعاملهم كابنائه . وكان مكتبه مفتوحا على الدوام لتلقي شكايات المساجين والاستماع لمشاغلهم . وقد حدثني النزلاء بما فعله هذا المدير والاصلاحات التي باشرها في المؤسسة السجنية منذ مجيئه : ما جعله محلا لمحبتهم واحترامهم . اضافة الى ذلك , فقد كان متواضعا . لقد كان يشارك السجناء وجبتهم , وهي ما تسمى في لغة السجن ب " الصبة " , كما كان يقوم بزيارات دورية لغرف السجن يتفقد فيها احوال المساجين . واعطى لاعوانه تعليمات بوجوب اعلامه ليلا او نهارا , حتى وان كان في بيته , بكل مضايقة يتعرض لها احد السجناء فكان في احيان كثيرة يهب من بيته خارج اوقات عمله للانصات الى سجين وحل مشكلته . اعوانه كانوا مثله , فقد سرت فيهم تلك اللمسة الانسانية التي طبع بها رئيسهم سجن قفصة . ولست اغالي اذا قلت ان اطارات واعوان السجن المدني بقفصة هم مدرسة في التحضر و احترام القانون والتاصيل لحقوق الانسان . وهذا ما قلته لوفود الجمعيات الحقوقية التي زارتني في السجن . واذا اردنا المقارنة بين اعوان السجن المدني بقفصة وبين الشرطة العدلية مثلا لقلنا انه لا تجوز المقارنة بين الملائكة والشياطين او بين الصالحين والابالسة . لا اقول هذا لان عدلية قفصة قاموا باهانتي وتعذيبي بل لان هذه الملاحظات نابعة عن نظرة موضوعية وتقييم محايد للاحداث اعطاء لكل ذي حق حقه . لقد قلت للسيد المدير في احدى لقاءاتي معه : " انا الان مطمئن على هذه الدولة .. لان فيها موظفين من امثالك " .








Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire