samedi 4 juin 2016

إلى متى يستمرّ تكليف وزير بحقيبة لا يختار فيها أعوانه ويقع اختيارهم له من طرف هيئة لا تفقه في العمل الإداري شيئا ؟

نقطة رجوع إلى السّطر


على غرار كل الدول الديمقراطية فإن تعريف القضاء المستقل لا يمكن أن يتعدى القضاء الجالس الذي يفصل في النزاعات سواء كانت بين الدولة والأفراد أو بين الجماعات...وهذا القضاء الجالس ينحصر أساسا في محاكم القضاء التي تقوم على مبدأ الحياد بين كل الخصوم بحيث لا تغلب طرفا على طرف مهما كانت صفاتهم أو وجاهتهم أو وضعهم الاجتماعي والاقتصادي..وأما غير ذلك من الهياكل التي تعنى بالعدالة ومقوّماتها ولا تفصل في النزاعات فهي لا تعتبر مجالس قضائيّة وتظل هياكل لا تنفيذيّة أو إدارية...
ومن هذا المنطلق وحسب قانون الوظيفة العمومية فإن تلك الهياكل تظل خاضعة بموجبات القانون لسلطة هرميّة أعلاها الوزير المكلف بتسيير شؤون إدارته ...ووزير العدل ليس استثناء من هذه القاعدة وباعتباره مكلفا بإعداد السياسة الجزائيّة للدولة وتنفيذها يبقى المؤهّل الوحيد لرئاسة أعوان النيابة العمومية التابعين له بموجب القانون...ولكل هيكل إداري يعنى سواء بعمليّات التفقّد الإداري والبحث عن الإخلالات المهنية مثل التفقديّة العامّة التي لا تبتّ في الملفّات التأديبيّة وينتهي دورها في البحث ورفع التقارير والملفات إلى مجلس التأديب التابع لهيئة القضاء العدلي والتي يبقى لها مطلق الحريّة في البتّ في الملفّات المعروضة وفق ما يقتضيه القانون وما أثبتته الوقائع أو كذلك المعهد الأعلى للقضاء أو مركز الدراسات في إطار إعداد القضاة وتكوينهم وتطوير مشاريع القوانين وإعداد الدّراسات اللاّزمة لذلك فكل ذلك من المهام الإداريّة البحتة التي ليس لها أي اتصال أو تأثير على استقلال القضاء وإذا ما أصرّت الهيئة أو مختلف هياكل القضاة وخاصة جمعية القضاة التونسيين على انتزاع ذلك من يد الوزير فإن الغاية ليست استقلال القضاء وإنّما السّيطرة الكاملة على منظومة العدالة في تونس دون حسيب ولا رقيب في إطار مخطط جهنمي أعدّ في دهاليز الغرف المظلمة وهذا لعمري لم تأت به ديمقراطية سابقة ولا لاحقة ... فعبر التاريخ وفي كل بلدان العالم (المتحضّرة أو المتخلّفة أو الديمقراطية أو الديكتاتورية على حدّ سواء) جهاز النيابة العمومية يعمل حصريا تحت إشراف وزير العدل وينفّذ السياسية الجزائية للحكومة  إلا في تونس فقط أصبح جهاز النيابة العمومية خارج سلطة وسيطرة وزير العدل ومن اختصاص ورقابة هيئة القضاء العدلي (المسيّسة)  وهذه الأخيرة أجازت لنفسها ما لا يجوز ولم تكتف بجهاز السلطة القضائية (الذي يصدر الأحكام والقرارات) بل توسّعت في كل الاتجاهات وبسطت سيطرتها المطلقة على الكل في الكل من النيابة إلى القضاء مرورا بالتفقدية والمصالح العدلية الإدارية معا !
فإلى متى يستمر تكليف وزير بحقيبة لا يختار فيها أعوانه ويقع اختيارهم له من طرف هيئة لا تفقه في العمل الإداري شيئا ؟ وكيف يمكن أن نقبل بنيابة عمومية غير خاضعة لسيطرة وزير العدل المشرف الأول على تنفيذ السياسة الجزائية للحكومة ؟ وهل يعقل أن تستولي هيئة القضاء العدلي على كل الأجهزة معا وفي نفس الوقت؟ وماذا يبقى إذا لوزير العدل من صلاحيات ؟ ولماذا لا نكلف رئيس هيئة القضاء العدلي (المنتخب) بوزارة العدل ؟ ...أسئلة نطرحها ليس من باب التهجّم على القضاء وإنّما من باب دعوة هياكله المنتخبة إلى العودة إلى رشدها وإعطاء ما لقيصر لقيصر وما لله لله  وذلك حتى لا نقع في فوضى العدالة العاجزة التي لا تؤذن إلا بالخراب والدّمار... 


Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire