jeudi 31 mars 2016

التحيّل و الخدع الجهنميّة في مشروع القانون المتعلّق بالمصادرة المدنية




يندرج مشروع القانون المتعلق بالمصادرة المدنية في إطار ملاءمة التشريع التونسي مع اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد لسنة 2003 التي صادقت عليها الدولة التونسية بمقتضى القانون عدد 16 لسنة 2008  والتي تضمنت عديد الإجراءات التي يتعين على الدول اتخاذها لمكافحة الفساد والإثراء غير المشروع ومنع غسيل الأموال. غير أن السؤال الذي يطرح هنا لماذا البدء بقانون المصادرة المدنية بالذات دون غيره من الإجراءات والحال أنه ليس من الإجراءات المستعجلة التي يستلزمها تفعيل اتفاقية الأمم المتحدة مكافحة الفساد على اعتبار أن المصادرة موجودة في سلم العقوبات المنصوص عليها بالمجلة الجزائية.    الجواب واضح وهو أن المسؤولين الحاليين أصبحوا يستعملون سياسة البروبغندا القائمة على التحيل لتمرير مشاريعهم الهادفة إلى تلافي الأضرار التي لحقت بالبعض من رموز الفساد الذين يمثلون قطرة من محيط المحسوبين على  المنظومة السابقة نتيجة الثورة واستحقاقاتها ومنها منظومة المصادرة القائمة التي ساهمت بصفة فعالة في تبييض عمليات النهب التي تقدر بمئات ألاف ملايين الدينارات. لذلك فهي تسعى إلى تمرير إجراءات بطريقة مبطنة صلب مشاريع تقدمها للمجتمع الدولي والمحلي على أساس أنها مشاريع تهدف إلى مكافحة الفساد.
هذا التمشي القائم على الحيلة والخدعة والنصب اعتمدته في مشروع قانون المصادرة المدنية، فبالإضافة الى ربط المصادرة المدنية بإجراءات قضائية معقدة بغاية تحصين الناهبين الذين اثروا بطرق غير شرعية، فقد ضمنت مشروعها بابا مطولا استغرق الجانب الأكبر من مشروع القانون وهو باب يتعلق بالصلح وضمنت كذلك فصلا يقضي بسقوط الدعوى العمومية بموجب الصلح لتسقط في لخبطة كبيرة تتعارض مع الاهداف المعلنة للمشروع. فما علاقة الدعوى العمومية ذات الطابع الجزائي بمنظومة المصادرة المدنية التي لا تقوم على التتبع الجزائي (هذه واحدة). ان مشروع القانون الذي قدم للعموم كحل مثالي لتتبع الاشخاص الذين اثروا بطرق غير شرعية بغض النظر عن انتمائهم او عدم انتمائهم للوظيفة العمومية يرمي اساسا الى تعطيل احكام الفصول 20 و23 و24 و29 من اتفاقية الامم المتحدة لمكافحة الفساد والابقاء على روح القانون عدد 17 لسنة 1987 المتعلق بالتصريح بمكتسبات بعض اصناف الموظفين الذي وضع من اجل تبييض الموظفين الفاسدين وتحصينهم من أي ملاحقة. كان من المفروض مراجعة المرسوم الإطاري عدد 120 لسنة 2011 المتعلق بمكافحة الفساد لكي يستوعب كل ما جاء بالدستور وباتفاقية الامم المتحدة لمكافحة الفساد عوض وضع نصوص متناثرة تتعلق بحماية المبلغين والشهود والخبراء والاثراء غير المشروع واستغلال النفوذ وغير ذلك.
ثم إنه ما علاقة هذا المشروع الذي يندرج في إطار جملة الاجراءات اللازمة لتفعيل اتفاقية الامم المتحدة لمكافحة الفساد بمنظومة المصادرة الحالية التي هي جزء من استحقاقات الثورة و من العدالة الانتقالية. فقد اتضح أن هذا المشروع أعد من أجل هدف أساسي الا وهو تقويض منظومة المصادرة الحالية المعطلة اصلا بالنظر إلى العدد الضئيل جدا من المستفيدين الذين شملتهم المصادرة. تبعا لذلك، تضمن مشروع القانون أحكاما خبيثة تهدف الى افراغ لجنة المصادرة من صلاحياتها في مرحلة أولى ثم الغائها تماما في مرحلة ثانية. فقد نص المشروع المهزلة على أن تواصل لجنة المصادرة النظر في التظلمات الصادرة عن المعنيين بالمصادرة الى حين تركيز هيئة الحوكمة الرشيدة.  بمعنى أنه بمجرد صدور القانون المتعلق بالمصادرة المدنية تصبح لجنة المصادرة دون صلاحيات  وغير قادرة على اصدار قرارات مصادرة ليقتصر عملها فقط على تسوية وضعية المتظلمين وتبييض ما تحصلوا عليه بطرق غير شرعية مثلما هو الشأن اليوم بالنسبة إلى اصهار الرئيس المخلوع من غير الطرابلسية...أمر خطير جدا يستحق المتابعة والانتباه من الجميع.


Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire