lundi 23 novembre 2015

بالمناسبة ...ثلاث سنوات من العمل الاستقصائي : الثورة نيوز ...التّوت المرّ


"ليس أمام الأقزام عندما يحاولون خطف عناقيد الكروم ولا يطالونها، سوى القول إنها حامضة، في حين أنها أشهى من العسل"


كنت  شاهدا  على المنظومة الاعلامية  التي  يشرف  عليها  رؤوس الإعلام  قبل الثورة و الذين  ينعتهم الشعب  بالسبابة و الإبهام و الذين  ظلوا يصولون ويجولون و يقيمون ناطحات سحاب و يشترون قصورا وحدائق وينعمون بالملايين على بنات الليل في الأقبية الباريسية واللندنية بعد أن شربوا وثملوا و طفح كيلهم قبل أن يعربدوا حتى ضجت الأزقة والشوارع بعربدتهم...
 و كنت  شاهدا  على  أقلام  تنهال  مسبحة بحمد السلطان  ومجده، يغرّدون هنا وهناك و يكتبون وينشرون بالحبر المدنس والكلمة النشاز ونعرف أنهم غارقون حتى القاع بالمال الحرام ولكن ثمة من أخذ برأيهم وسمع لهم وهو يعرف أنهم ليسوأكثر من أبواق مدفوعة الأجر وكلما زاد النعيق زادت كمية المال المدفوع فتلك لعبة الإعلام النوفمبري الذي امتدت أكياس ماله في اتجاهات عديدة.‏
فكثيرة هي الأقلام الجبانة التي تجاهلت آلام بسطاء  القوم  وعميت أعينهم  عن مشاهدة اللون الأحمر وهو يغطي جباه الناس ، بل  كان دورها  و لب  دورها  في  نقل  فعاليات  مؤتمر  صحفي  لوزير  جاء مصحوبا بلفيف من القردة المساندة
   هكذا كان الإعلام  قبل  14 جانفي 2011 :بيع وشراء على عتبات السلطان الخائف المذعور من ليل آثامه غير القادر على العودة إلى وعيه ورشده لأنّه ذهب بعيدا في غيه
 و كاذب من  ينكر أننا نحن معشر الصحفيين  عن  بكرة أبينا  إلا من  رحم ربي كانت  تحرجنا  عبارات القراء و المتابعين و المشاهدين  و تنعتنا الجماهير العريضة في  الداخل  و الخارج  بكوننا  نملك آلات إعلامية منافقة حتى آخر قطرة حبر وكاميراتنا لا تصور آلام  الشعب   المقبور بل ترسم  لنا صورة  الزعيم المنتشي وأقلامنا لا تكتب إلا التمجيد و إن  أطنبنا  في الشجاعة نورد التنديد    وصحفنا  لا تظهرإلاشيئا يسيرا  من معاناة شعبنا  إلا في الصفحات الداخلية خجلا أن تكشف عورات  حكامنا  ويضطر  المتلقي التونسي  إلى متابعة إعلام  الخارج  بعد أن  بات  لدى كل  المتلقيين التونسيين  قناعة مفادها  أن إعلامينا مازالوا يتصورون أنفسهم بنات ليل عليهن طاعة قوّادهن!
بعد  الثورة و بعد  سقوط  رؤوس البلاويلم تفل من عزيمة الجيل الجديد من صحافيي الميدان والمحررين  و أنا  منهم  مواجهة شتّى الضغوط والحواجزوصولاً إلى استعادة دور الصحافةـ «سلطة رابعة".
فجيلنا يسعى إلى إخضاع أصحاب السلطة والنفوذ للمساءلة وتشجيع مجتمعاتهم المحافظة على مواجهة الحقائق المزعجة المتوارية خلف بيانات منمّقة بعيداً عن الشفافية ومبدأ المحاسبة.
 و لئن  ظل  عدد  من  الصحفيين  من  اتباعنا  في  مربع  نقل الأخبار معتمدا  على قالب  الإجابة على الاسئلة الستة و الاعتماد  على منهج  الهرم المقلوب  في  كتابة المقال الصحفي  مرددا  افعال  الوصف  و السرد المعهودة  فإن  عددا اخر وجد ضالته في  كم وسيلة إعلام  بديل   و خاض  تجربة جديدة في  مجال  إعلام  تجاوز الممنوع  ...
من حسن  حظ عبدكم الفقير أن  القدر جعلني  في  أروقة  صحيفة الثورة نيوز ..  لم  نستسغ  في البادئ  فكرة خط الصحيفة فالطريق  الوعرة و التجربة في مجال  كشف الفساد  قليلة ان لم نقل منعدمة  و  نوع  الصحافة الاستقصائية مستعصيا علينا  خاصة و أنّ معهد الصحافة غيّبها و ليس  لنا  من  خاضها  و لا من جرّبها  و له فيها  شهائدو لا أحد  اطلع  على  هذا الاختصاص  حتى من باب الفضول  ... انطلقت التجربة  بعد  ان تخلصنا  من  كل القيود  و لامست  أقدامنا  تجربة جديدة نتعلم  منها  و في الآن  نفسه نقدم  للقارئ مادة حديثة و غير متعود بها ..
 تجربة كانت  الكتابة  فيها  تعني ممارسة الحرية  بكل  طقوسها  بل هي فعل تمرد واشتباك مع الملفات الساخنة في المجتمع وقوتها نفس قوة الصخرة التي ترمى في بركة ماء تعمل دوائر بقدر قوتها وضربتها،   و ثبتت   لدينا  قاعدة مفادها  أنه لا قيمة للكتابة اذا لم تحدث هذا الأثر.فأي  معنى للصحافة إن لم تقتحم الممنوعو تحفر في العميق.
 تجربة  3 سنوات  لم أملك  فيها إلا قلم رصاص وورقة بيضاء ، مع تحفظي على كلمة رصاص لأننا نريده قلم حياة ، فالحياة عزيزة و كثيرون يأبون إلا أن يقطفوها كزهرة استعجلوا وأدها   حتى من  أهل  الميدان  و من ظننا  أنهم  حماة الصحافة في  زمن تبدلت فيه  كل  الموازين ...فالمضايقات مستمرة من قبل القضاء  فضلا  عن اللجوء إلى أسلوب ترهيبنا عبر الملاحقات القضائية  ووابل  الشتم  و الاعتداء اللفظي  و حتى المادي  ...
فالثورة نيوز كانت و لا تزال  مشروعا كبيرا في النقد الجريء متجاوزا  التقليدي المكرر الذي يخشى أصحابه خفافيش التآمر، مشروعا ذي رسالة نبيلة ومقدسة،  و قلمنا  في الثورة  نيوز يرتاد أفق المسكوت عنه، و يفتح نار جهنم على جوانب مظلمة كانت محط انتقاد الكثيرين في همس ورعب شديدين ، قد يتعرض للتشفير ولمذبحة لإفراغه من مدلوله الحقيقي و إلباسه تهما كلها جاهزة و جائرة، حتى ظللننا  بين فينة و أخرى نقدم  حسابا دقيقا عن كل صغيرة و كبيرة فيما نعانيه ،
وقلم الاستقصاء  والتشهير بالفساد  جرّ  وراءه  أسئلة اضطهادية تنحو بي شخصيا كصحفي  في الصحيفة أو كرئيس للتحرير  إلى اتهامي بارتكاب جريمة  و يصوروني  في صورة  مرتزق  ...أسئلة يسعى واضعوها من ورائها إلى سبر خبايا و أسرار ما سال به مداد القلم ، وحل مفاتيحه وطلاسمه لاختبار النوايا. و عند عجزهم يشرعون في دبج قراءتهم التأويلية و استنتاجاتهم الكيدية و لا عجبأن  يتهموني بالمروق والردة عن العقيدة الوطنية أو بالجنون. لكن يهون علينا امتطاء صهوة الجنون من تمثيل دور عبثي سخيف.
فمقالاتنا الجريئة الفاضحة للفساد هي بمثابة اقتراب من المحظور والخوض في حقل الألغام و الأشواك و المعلوم  أن التذكرة التي ندفعها  كان  ثمنها  و لا يزال باهظا، فقد وجّهنا أسلحتنا  نحوهم و صرخنا بفم الكتابة الواسع العريض متحدين ذلك المصير المشؤوم رغم  علمنا  المسبق أنهم يضمرون كل الحقد لكلمة الحق وأنهم لن يتأخروا في الانقضاض علينا  وتدبير الدسائس و المكائد ضدنا وتسخير أبواقهم المأجورة القذرة البارعة في التطبيل والتزمير و التهريج والتشنيع و ترويج الأباطيل للمس  من سمعتنا  و قيمتنا
كان  الإيمان و لم  يتزحزح  قيد  أنملة  إلى اليوم أن  رسالة  الثورة  نيوز  ثابتة بل  هي  عليها  مصرة على مدار حياتها  رسالة إن  لزم الامر تموت و تحرق في سبيلها. لذلك  تتابع الصحيفة  مشوارها و لا تلتفت إلى الوراء،  فتوجهها و خطها  جعل جحافل المضطهدين المهمشين الذين يعانون في صمت  يصطفون  وراءها بعد أن وجدوا فيها  عنوانا لتصريف و تخليصمعاناتهم على اعتبار ما  تفضحه من  المساحيق الرديئة والخطب الغوغائية التي تلف الأوهام و رفضها  لتقديم التنازلات والسباحة  مع التيار الذي يعتمد مقولة المثل الصيني عندما ينبح كلب واحد لرؤية شبح يتولى عشرة آلاف كلب مهمة تحويل ذلك الشبح إلى حقيقة.
بات لدينا  بعد  3 سنوات  من  التوت المر قناعة مفادها  المواصلة على نفس الدرب  إذ  لم  تزدنا  التجربة  بحلوها  و مرها  إلا ولعا وتيها وهياما بحرية الرأي و التعبير... فلا مجال اليوم أن  نتركالأيدي الخفية القذرة ترج شجرة قامتنا و صمودنا.  و لا مجال أن تتقلص كتاباتنا...إذ لا أحد يستطيع حجب رائحة النضال التي غدت جزءا من روحنا. و لا مجال  اليومأن  يتحول نضالنا  رمادافما أروع النضال في العشرين .. وفي الثلاثين.. والأربعين .. وفي الخمسين .. و في كل السنين.
بيد أنه في الختام  لا بد من أن أوجه  كلامي  إلى  أبناء  جلدتي من  الذين حرمونا حقنا المشروع  المعلوم  بقولنا :لُعِنت ساعةٌ  صحافة أنتم رجالها، وثورةٌ صحافة  أنتم قادتها وإصلاحٌ  صحافة أنتم أربابها وحقٌ صحافة أنتم طلابها وعدالةٌ صحافةأنتم عشاقها وحريةٌ صحافة أنتم أنصارها...












Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire