mardi 7 juillet 2015

بالتواطؤ مع بعض النقابات: حركة النهضة ما تزال تسيطر على وزارة التعليم العالي




حين تشكلت حكومة المهدي جمعة في اواخر جانفي الماضي عبر الجميع عن استبشارهم بحلول وزير جديد اختير بعناية فائقة من بين الكفاءات العالية بتونس ليتولى الإشراف على وزارة التعليم العالي و البحث العلمي  التي عانت طوال سنتين متتاليتين من  سيطرة أحد أحزاب الترويكا على دواليبها و خلفأضرارا  فادحة مسّت مختلف قطاعاتها من دون استثناء و رغم ذهاب المنصف بن سالم بقي الامل في حصول الانفراج المرتقب غير مضمون نظرا لإصرار حزب حركة النهضة على مواصلة التنفّذ في الوزارة بطرق ملتوية لخدمة مصالح ضيقة و التستر على عديد الملفات المشبوهة و على رأسها ملف التعيينات
و المعلوم ان الوزارة شهدت موجات انتداب متلاحقة ابتدأت في منتصف سنة 2011 لتشمل عددا ضخما من عملة المناولة و تواصلت حتى بداية سنة 2014 أي إلى الايام الاخيرة من عمر حكومة علي العريض الثانية لتشمل المتمتعين بالعفو التشريعي وتميزت جميع تلك الانتداباتبكونها انتدابات مشبوهة  و سجلنا عليها عدم الالتزامبالقانون المنظم للانتداب و غياب معايير الشفافية و تكافؤ الفرصبين المترشحين كما شهدنا تفشيا كبيراللمحسوبيةو الفساد
فقد كان التعيين في الخطط العليا و المتوسطة يتم بناء على درجةالولاءالحزبي و حتى استنادا للقرابة العائلية بأصحاب القرار في هرم الوزارة و تمت حملات تطهير منهجية لتكميم جميع الافواه المعارضة و التخلص من الوجوه البارزة الرافضة للتدجين و لنا في ما اقترف في حق عشرات مديري مؤسسات الخدمات الجامعية شاهد حي على حجم تلك التجاوزات ناهيك اننا نجد من جاء بأخيه و صهره و ابن عمه و عينهم على رأس مؤسسات متميزة ليأكلوا من كعكة السلطة التي بين يديه و هناك من جاء بكل أقاربه و حرص على انتدابهم دفعة واحدة في مؤسسة واحدة و هناك من تمكن من توظيف مائة و عشرين من دون ان يكونوا من أقاربه بل ساقهم القدر إليه و القدر خير الرازقين و لا يخفى على احد اليوم ان مثل هذا التلاعب بات يؤلم التونسيين و يشعرهم بالغبن الشديد و لم يقف الامر عند هذا الحد بل كان أفظع في الوظائف السامية


و بإلقاء نظرة سريعة على قائمة الموظفين السامين الذين تعاقبوا على الإدارات العامة بالوزارة في الفترة الماضية يمكن تبين حجم التصميم على تدجين الوزارة و وضعها برمتها تحت كلاكل حركة النهضة و تُبذل في الراهن جهودٌ كبيرة للحفاظ على تلك المكاسب الحزبية الضيقة بمحاولات جدية للإبقاء على المكلفين بالمهام و المدراء العامين و المتفقد العام الجديد و تستخدم اليوم كل الوسائل المتاحة لأجلتحقيقذلكو اهمها توظيف النقابات الاساسية في وزارة التعليم العالي
فقد حرص الوزير السابق المنصف بن سالم بمعية رئيس ديوانه سفيان المنصوري على تشكيل أحزمة أمان تساعد على بسط النفوذ و الهيمنة المطلقة على الوزارة فلم تكفه الصلاحيات الواسعة التي كانت بيده بل كان لا بد من استحداث ما يشبه روابط حماية الثورة لا في المؤسسات فقط  بل في صلب الوزارة لتكون اداة طيعة توجه أساسا لتحقيق مخططات مرسومة بدقة محصلها التغلغل و السيطرةعلى مفاصل الوزارة إلى الأبد واختار لذلك نقابتين تتمتعان بقواعد عريضة نسبيا و يمكن تعبئتها و تجييشها لإنفاذ تلك الخطط في المديين القصير والمتوسط و صار رهن إشارة رئيس ديوان الوزير السابق ما يشبه المليشيات تأتمر بأمره وتنجز بلا تردّد كل ما يكلفها بإنجازه فيوجهها لتقول "ديقاج" لهذا ولتحرر العرائض والبيانات في ذاك و لتمهد لمشروع يراد تنفيذه كما يطلب منها  أن تعتصم هنا و ان تنفذ وقفة احتجاجية هناك ( نذكر على سبيل المثال  لا غير ما حصل في مؤسسات تونس الكبرى و القيروان و صفاقس و المهدية و سوسة ) فقواعد النقابتين بمثابة خاتم سحري فعل فعله و فتح الطرق الوعرة و جعل كل  مفاتيح الوزارة في يد رئيس الديوان المذكور و بذلك أزيح كل من حالت القوانين دونه و نفذت حملة شعواء لتحييد الرؤوس الكبيرة المحصنة في الإدارات المركزية ثم لعزل عدد كبير من مديري المؤسسات و تراءى ذلك مثلما لوكان رغبة صادرة عن القواعد الكادحة التي لا يمكن التغاضي عن طلباتها الملحة و "المشروعة" استجابت لها الوزارةحبا في الطرف الاجتماعي مخفية بذلك الحقيقة المفزعة ألا وهي ان حزبا سياسيا حاكما يريد وضع يده على الوزارة موهما انه لا يردّللنقابيين طلبا مبطلا ادعاءات كل من يزعمون ان النهضة في صراع مع الاتحادالعامالتونسيللشغل و يستغل في ذلك القيادتين النقابيتين الموسومتين بالانتماء اليه.


و قدم رئيس الديوان السابق مقابل تلك الخدمات النقابية الميدانية الكثير من التنازلات مانحا مكاسب أسطورية لأصدقائهالمنتمين لحزبه فأعطاهم صلاحيات واسعة إذ كان يقرب من يقربونه و يستبعد من يستبعدونه  و يعادي من يعادونه و يرضى على من يرتضونه و يشغل في الوزارة كل من يقترحونه و وهبهم المساكن و المنافع لهم و لعوائلهم مكبّدا الإدارة غرما فادحا متسببا في استشراء الفوضى و التسيب وأطلقأياديهمفيالمؤسسات ينظمون انشطة مشبوهة  مثل مآدب الطعام و حفلات توزيع الهدايا و المصائف العائلية من دون قيد او شرط أو محاسبةو لم يبخل عليهم أيضا بالمكاسب المتنوعة التيلا يسمح المجال بالخوض في تفاصيلها لكننا نذكر انها كبدت المجموعة الوطنية أعباء مالية متزايدة  و لم يفعل رئيس الديوان كل هذا حبا في تلك القواعد و إنما حرصا على تواصل الخدمات المليشياوية المشبوهة
لو استرجعنا فترة الوزير المنصف بن سالم لوجدنا أن النقابتين الأبرز من حيث عدد المنخرطين في وزارة التعليم العالي كانتا طيلة تلك الفترة في شهر عسل طويل مع سلطة الاشراف و لم نسجل لهما أي مواجهة معها بل كانت الابواب مشرعة امام الكاتبين العامين و كان الانسجام يسود العلاقة المتينة و تحققت كل المطالب بقدرة قادر و نظمت حفلات التوقيع ووزعت خلالها الابتسامات العريضة على الجميع المهم ان يظل الجهاز الفعال في الخدمة وتحت الطلب
وما أن شارفت حكومة علي العريض على الرحيل حتى شعرنا بكلتا النقابتين اللتين تحدثنا عنهما تتحركان تحركات جديدة عليها مبشرة بمرحلة جديدة قادمة تتغير فيها علاقة الود و التصافي مع الوزارة إلى علاقة توتر و صدام و اختلقت المطالب و ابتدعت النقاط الخلافية الداعية للتحرك و الذود عن حقوق المنخرطين فنظم اجتماع عام حشد له المئات من القواعد الفالحة في التحركات الميدانية و القابلة للتعبئة و الشحن و وقفت في ساحة الوزارة الرئيسية و ألقيت الخطابات الرنانة التي تدعو الوزير( المنصف بن سالم حينها و هويستعد للرحيل) لكي يحقق المطالب القاعدية الملحة و أبرزها أن يتدخل في عمل مراقبي المصاريف العمومية لكي يتركوا الحبل على الغارب و يعمموا الحليب على الجميع ... أوليست الفوضى مطلبا ملحّافي ظل نظرية التدافع الاجتماعي؟
كانت المسرحية حينها في فصلها الاول و سرعان ما جاءتنا الفصول الموالية بمجرد تغيير رئيس ديوان الوزير في مطلع شهر مارس 2014 صرنا نرى قيادات نقابية تلعب ادوار البطولة فيهاعلنا و تتلقى الاوامر من منبليزير بدل تلقيها من دار الاتحاد و باتت تتحرك وفق إرادة من خسروا مواقعهم و ظلوا حريصين على رعاية مصالحهم و حماية أتباعهم و تحصين أقاربهم الذين زرعوهم في كل مكان في الوزارة
 و ليس خافيا عن احد اليوم ان تلك القيادات النقابية الوطنية تعقد لقاءات مع رئيس الديوان السابق و تأتمربأوامره  وهي تعدّ العدّة  للتصدي لرئيس الديوان الجديد محمد العادل بن عمر و دجنوهولاخوف على الملفات المشبوهة و القرارات الخاطئة و التعيينات العرجاء
هكذا هي الأوضاع اليوم في وزارة التعليم العالي و هكذا يساهم الراحلون عن السلطة في إنجاح خارطة الطريق و تيسير مهمة المهدي جمعة لما فيه مصلحة تونس حقيقة تركوا الحكومة لكنهم لم يتركوا الحكم و لا يزالون فاعلين متنفذين في بعض الوزارات أو هم يحاولون
و لئن تعاملت المركزية النقابية مع هذه التجاوزات في السابق بكثير من اللينو سعة الصدر فقد بات لزاما عليها اليوم أن تضع حدا لها و بمنتهى السرعة لاسيما و انها الراعي الأبرز للحوار الوطني الذي جاء بحكومة المهدي جمعة و الأكثر حرصاعلى ضمان نجاح المرحلة الانتقالية الثالثة و لا يقبل منها ان تكون الظهير و الضديد في آن واحد.

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire