بتاريخ 25 جويلية 2013 انطوى زمن جميل. وضمت الأرض فلذة كبدها، ابنها الشهيد الحاج محمد البراهمي وقد تحولت أنهارها من ماء سلسبيل الى انهار من
الدموع...
و غدا يحيي الشعب
التونسي على مختلف اطيافه
الذكرى الثانية للاغتيال الشهيد الحاج البراهمي في القلب لوعة و حسرة
على فقدان تونس لأحد فرسانها الأشداء بعد أن ترجل عن صهوة جواده، مستسلما لمشيئة
ربه على اثر إصابته ب14 طلقة نارية أطلقتها يد الغدر و الجبن والإرهاب ...
محمد البراهمي لا يمكن باي حال من الأحوال أن نعود الى
تاريخه النضالي حتى لا نزيد في ذرف الدموع ...وتاريخه النضالي حتما لا ينسى على اعتبار أن الجسد
راح وظلت روحه و مبادؤه و أفكاره
بيننا تلازمنا دون أن تفارقنا ... حيث ظل
الشارع السياسي يردد على الملا : سيدا
كنت، سيدا سوف تبقى تحتفي باسمك "محمد" العصور ....تشهد الأرض و السماء و
ما بينهما أنّك الكبير الكبير...شامخ أنت في الحياة والموت مذّل بما صنعت، فخور.....فلترجم
بما تشاء السراديب وتنفث ما تستطيع الجحور....العقول الصّغار تحسب أنّ المجد هشّ تدميره
و ميسور...يا لسخف العقول هيهات أن يدرك سرّ الخلود عقل صغير...دعك من صرعة الدراويش
يرخيها بخور يشدّها بندير.
لعل السؤال الحارق الذي يبحث عن إجابة واضحة ولو حتى
نصف إجابة هو المتمثل في : لماذا
استهدفت يد الغدر المناضل محمد الإبراهيمي ليأتي تباعا للسلف
المغتال لشكري بلعيد ...فنص
التأويل الأقرب إلى المنطق والأرجح للواقع يقول إن شكري بلعيد كان ضحية صلابة موقفه ومشاكسته المستمرة دون هوادة فهو الصوت الثائر
بكل المقاييس لم ثنه التهديدات التي تلّقها على البلاتوات التلفزية من عزمه و لم
تخفت حنجرته خلال اجتماعاتها التي جوبهت بالضرب والاعتداء ليغتال في النهاية في
وضح النهار ...أما الإبراهيمي فلئن عدّه الناس من ضمن النخبة السياسة الصادقة ذو
الطباع الهادئة فانه مثّل في آخر رمقات أيامه صوت مزعج من خلال بيانات الشديدة
اللهجة أرساها و نطاقها وكان منبع الزعامة
لتيار في المجلس التأسيسي السابق فاضحا لألاعيب الغالبية و متاهاتهم و كاشفا
لنواياهم الخبيثة خاصة بعد الموقف الملجلج
الذي اصد ع به في التأسيسي من الحالة المصرية حيث بدا للبعض انه
غدا من الوجوه السياسية التي اصبحت
تثير القلق و الانزعاج فكانت يد الغدر تنتظره لتسكت صوته ...و ليغتال أيضا في وضح النهار
بطريقة مشهدية استعراضية
مات البراهمي
ضحية الارهاب الغادر وبموته
دفنت اهم الأصوات الجريئة التي عرفت بمناصرتها للحق وللضعفاء
كيف لا وهو المولود من رحم الأوساط الشعبية حيث ظل وفيا لها و نصيرا لها ... والشهيد الحاج كان صديقا صدوقا، وكانت هناك مودات بينه وبين
جميع الناس. وكان من اهل الرحابة والانفتاح، متصالحا مع نفسه ومع الآخرين. كان
جبّارا في حياته. لم يخف من الموت ولم يرهبه. وكان يتحدى حديث الزور والبهتان ،
ويقول إنه سوف يقهره، ولن ينال من عزيمته. فهو أبي، شجاع مقدام.. فلا يستسلم ولا
يخاف بل يواجهه بإيمان وعزيمة وعنفوان وصلابة.
ينحدر المناضل الشهيد القدير من عائلة متواضعة
عرف بدماثة أخلاقه و إسلامه المعتدل الوسطي...عائلا لأبنائه محبا لهم ...محافظا
..طيب القلب و حسن المعاشرة..ودود قريب الى القلوب ..بل تألفه و تعشقه ...تائبا عابدا...مناصرا
للقضايا العربية وهو الذي تلبى من ثدي
القومية العربية يؤمن بالوحدة لا بالتفرقة
و بالجمع لا بالمفرد بالكل لا بالأنا "الأعلى" ...
شهادات مؤثرة و
قوية ما تزال تحتفظ بها الذاكرة الجماعية العربية
و صورة ما يزال يتذكرها العديد و ننقلها
كما هي من قلب حي الغزالة الذي انتعشت فيه الحركات السلفية الجهادية، حيث كان صوت البراهمي
قويا ضد هذه الحركات، تماما كما كان صادحا ضد حركة النهضة وجماعة الإخوان المتأسلمين.
"ومن قلب المناطق الفقيرة التي فيها أسس حركة الوحدويين
الناصريين واعتقل بسببها في عهد الرئيس المخلوع، عاد محمد البراهمي يناهض السياسات
الاجتماعية والوطنية للحكومة التونسية ويقول إن المجلس الوطني التأسيسي مرتهن لحركة
النهضة ومن خلفها للتنظيم الاخواني العالمي.
ومن قلب هذه الأحياء ذهب البراهمي صوب الثورة التي أسقطت بن علي محفوفا
بأمل كبير فأسس حركة الشعب، ثم استقال منها لجمودها التنظيمي والسياسي على حد قوله،
وأسس التيار الشعبي المؤمن بالديمقراطية والمناهض لحركة النهضة والإخوان"
لم تكن مواقف محمد الابراهمي ذات طابع محلّي بحت بل كانت
ذات طابع انفتاحي يتوق نحو أفق أوسع الى بلدان العربية تدفعه القومية العربية
المتغلغلة في كيانه و التي ظل مدافعا عنها دون سواها ...تواق الى الديمقراطية والى
الوحدة العربية ...متألما لخصاصة العائلة الفقيرة اجتماعيا...شاجبا للتطبيع كارها
للكيان ...مرآة عاكسة لألم كل إنسان...
إن اغتيال الشهيد
الحاج محمد الابراهمي حتما كانت الظاهرة السوداء الثانية بعد عملية الاغتيال
الجبانة التي قبضت روح الفقيد شكري بلعيد .. كما أن اغتياله هو تعبير عن عجز القوى
التي تقوم به على مقارعة الفكر و الحجة و فقدان لقوة التأثير في الجماهير العريضة مما دفعها جهلها و تطرفها الى جعل الاغتيال طريقاً في تعاملها مع شخصيات
أحبت الشعب فأحبّها ...
المجد والخلود لقائد التيار
الشعبي و شمس الفقراء و صوت من لا صوت لهم
. والخزي والعار واللعنة الأبدية للمطايا الإرهابية و كل من ولاهم ...لقد عاش رجل
فذا ... و مات ممشوق القوام صامدا منتصب
القامة و الهامة ... مات البراهمي ...ولكن
روحه ظلت تلازمنا فلا شمس الفقراء غابت ..و لا صوت الضعفاء خرس ... رحمه الله .
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire