شهدت البلاد في الفترة الأخيرةوحتى وقبل انتهاء 100 يوم عن تسلم حكومة
الحبيب الصيد مقاليد الحكم موجة كبيرة من الاحتجاجات والاضطرابات في كل القطاعات
تقريبا وتواصلت تلك الاحتجاجات والاضطرابات إلى يوم الناس هذا منتجة مزيدا من
التدهور ومنذرة بمزيد من الخراب على المستوى الاقتصادي والسياسي والاجتماعي ...كل
القطاعات تقريبا لم تسلم من الإضرابات على غرار قطاعات التعليم والصحة والنقل
والسياحة والفلاحة ... وجغرافيا انتشرت تلك التحركات انتشار النار في الهشيم من
الجنوب إلى الوسط إلى الشمال مخلفة معاناة اقتصادية وأمنية وحالة من الفوضى التي
لا تطاق يمكن لا قدر الله إن تواصلت على هذه الوتيرة ان تؤدي بالدولة الى ما لا
يحمد عقباه ...
إضرابات عشوائية وغير قانونية أضرت بمصالح الناس
لقد اتسمت الاحتجاجات وخاصة الإضرابات الأخيرة بالفوضوية والعشوائية فأغلبها
لم يراع التوقيت المناسب لطرح المطالب كما لم يراع الظروف المتردية التي تمر بها
البلاد وبعض الإضرابات قامت هكذا بطريقة فجئية و دون سابق إنذار على غرار إضراباتأعوانشركة
نقل تونس والشركة التونسية للسكك الحديدية واتصالات تونس والستاغ ...)ولم تراع في
ذلك مصلحة المواطن الذي يستعمل تلك المرافق العمومية مما ادى الى شلل تام على
مستوى الحركة الاقتصادية خاصة وان بعض الإضرابات كانت وليدة اللحظة ولم تحترم
الضوابط القانونية في مثل هذه الحالات على اعتبارأن القانون يوجب إرسال برقية قبل
10 أيام من تنفيذ الإضراب حتى تتمكن كافة الأطراف المتدخلة والمعنية من التفاوض
والحوار وإيجاد الحلول اللازمة لتفادي الإضراب.
وتجدر الإشارة هنا إلى ان الكثير من تلك الإضرابات لم تكن مؤطرة نقابيا ولم
تحترم أدنى الضوابط الواردة ضمن مجلة الشغل وأدت في كثير من الأحيانإلى تعطيل حرية
العمل على غرار ما حصل ويحصل في شركة فسفاط قفصة والمجمع الكيمياوي وغير ذلك من
المؤسسات العمومية الأخرى التي طالتها الاحتجاجات العشوائية والفوضوية مع ان الفصل
388 من المجلة المذكورة يجرم مثل هذه الأعمال وينص على أن كل من يحرض على مواصلة إضراب
غير قانوني يعاقب بالسجن لمدة تتراوح بين 3 و8 أشهر وبخطية مالية كما أنأحكام
الفصل 390 من نفس المجلة تعاقب كل من يرفض مقتضيات التسخير ...
خسائر فادحة على مستوى الاقتصاد الوطني
وفق مقولة "هي تشخر وزادها بف" لم يكتف الاقتصاد التونسي بالضربة
المؤلمة التي وجهت له على مستوى القطاع السياحي من الأياديالإرهابية الغادرة فيما
يعرف بحادثة باردو التي يتوقع بعض الخبراء بأنها ستكلف الدولة خسائر فادحة تقدر بأكثر
من 700 مليون دينار فزادته الضربات المتتالية بسبب الإضرابات في مختلف المؤسسات
العمومية والخاصة التي نتج عنها مغادرة أكثر من 2600 مؤسسة أجنبية بعد إفلاس 90%
منها هذا دون المؤسسات الأخرى التي همت بالمغادرة لولا تدخل بعض الأطراف لبقائها
بشروط معينة نتيجة الخسائر الفادحة التي تكبدتها مؤخرا بسبب إضراب عمالها وطلباتهم
المشطة التي خسرت الدولة فيه 12.5% من إنتاج الغاز الذي تنتجه الشركة المذكورة
والذي يصل إلى 600 ألف دينار يوميا ...
كما سجلت شركة فسفاط قفصة نتيجة الإضراباتخسائر ناهزت ال20 مليون دينار
خلال السنة المنقضية كما فوت المجمع الكيميائي التونسي مرابيح تناهز 350 مليون
دينار لنفس السبب هذا ويذكر أن قيمة الخسائر التي تكبدتها الشركة الأولى اثر توقف إنتاجها
منذ سنة 2011الى حدود ال4500 مليون دينار حيث لم تحقق منذ بداية العام الجاري سوى إنتاج
650 ألف طن مقابل مليوني طن كانت الشركة تنوي إنتاجها في نفس الفترة وهو ما يجعلها
في وضعية صعبة للغاية و لم يتجاوز حجم إنتاجها في السنوات الأربعالأخيرة ال11
مليون طن مقابل 8.2 مليون طن أنتجتها في سنة واحدة خلال سنة 2010 .
كما أن الشركة الوطنية للسكك الحديدية تتكبد يوميا خسائر لا تقل عن ال200 ألف
دينار جراء تعطل عمليات نقل الفسفاطوالأسمدة الكيميائية من مناطق الإنتاج نحو
معامل التحويل والموانئوخلاصة القول أن كل يوم إضرابخاصة على مستوى المؤسسات
العمومية الكبرى يكلف الدولة خسائر بملايين الدينارات وتراكمات تلك الخسائر تؤدي
دون شك إلى تخريب الاقتصاد الوطني وضربه في العمق ذلك ان المطلبية المشطة وتحميل
المؤسسة ما لا طاقة لها به يؤدي حتما إلىإفلاسها خصوصا إذا التقت الإضرابات مع
الصعوبات المالية والإداريةالأخرى لبعض الشركات التي تعاني في حد ذاتها شبح الإفلاسنتيجة
إثقال كاهلها بالانتدابات العشوائية والزائدة على طاقتها ...
كثير من المطالب غير معقولة ولا يمكن تطبيقها على أرض الواقع
إن المطالب التي يرفعها أهلنا في بعض الجهات من
الجنوب التونسي ابعد ما تكون على الواقع على الأقل في الفترة الراهنة وذلك حسب
الطبيعة الجغرافية والاجتماعية للمنطقة التي لا يستجيب موقعها وبنيتها التحتية
لإقامة الاستثمارات من ناحية ومن ناحية أخرى فان غالبية أهالي المناطق الحدودية
بصفة عامة قد تعودوا منذ الاستقلال على النشاط في ميدان التهريب والتجارة الموازية
التي تدر عليهم أضعافاأضعافا ما سيتقاضونه لو عملوا في احد المصانع أو المعامل
فكيف سيرضى من يتقاضى على سبيل المثال 500 دينار يوميا بفضل عملية تهريب واحدة
براتب شهري لا يتجاوز المبلغ المذكور في أقصى الحالات ...
وبالإضافة إلى ذلك فان التجربة أثبتت أن المشاريع
الاستثمارية لا يمكنها أن تنجح في المناطق الحدودية بما أن أسباب نجاحها غير
متوفرة من ذلك انعدام البنية التحتية وتضاريسها الوعرة وبعد تلك المناطق على
الموانئ وهو ما يفسر عزوف المستثمرين على الاستثمار بها رغم ما توفره مجلة التشجيع
على الاستثمار من امتيازات ذلك أن تكلفة المنتوج ستتضاعف بتكاليف النقل وغيرها من
التكاليف الأخرى المرتبطة باللوجستيك وعمليات التوريد والتصدير وبذلك سيكون ثمن
صنع منتوج ما في تلك المناطق غير قادر على المنافسة خاصة وان توريده سيكون اقل
كلفة بكثير من صنعه وقد أثبتت عديد
التجارب فشل الاستثمارات في تلك المناطق على الأقل بسبب عدم توفر اليد العاملة
المختصة وانتشار عقلية التواكل والعزوف عن العمل خاصة وان عديد الشركات سواء أجنبيةأو
محلية فتحت أبوابها في تلك المناطق ثم ما لبثت أن أغلقت وعادت إدراجها من حيث أتت
بسبب تلك العوامل ...
حان الوقت لاسترجاع الدولة هيبتها بوسائل
الهيبة ذاتها
هيبة الدولة مصطلح سمعناه كثيرا خلال الانتخابات
خصوصا من طرف رئيس الدولة الباجي قايد السبسي الذي أكد في كل خطاباته وتصريحاته
تقريبا وجوب استرجاع الدولة لهيبتها بالقضاء على كل مظاهر الفوضى وباحترام القانون
وتطبيقه على الكل دون أي استثناء ونتساءل في هذا الصدد إذا كانت الإضرابات
والاحتجاجات العشوائية سبب من أسباب القضاء على هيبة الدولة وضرب لاقتصادها وأمنها
واستقرارها فلماذا لا يقع اللجوء إلى تطبيق الفصول القانونية الزجرية في هذا
المجال واسترجاع الهيبة بوسائل الهيبة ذاتها ؟؟؟
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire