دخل القضاة منذ يوم
الاثنين الفارط وإلى حدود هذا اليوم في
إضراب وتعليق العمل بكافة المحاكم التونسية استجابةلدعوة الجمعية التونسية للقضاة
التي كانت قد دعت إلى هذا الإضراب في سياق سلسلة من الاحتجاجات رفضا لمشروع
القانون الأساسي المتعلق باستحداث المجلس الأعلى للقضاء لما رأوا فيه من خروقات
فظيعة تريد أن تعود بهذا السلك إلى قضاء
التعليمات .. ويعد هذا الإضراب سابقة في تاريخ القضاء التونسي لأنه امتد على كامل
أيام الاسبوع أي أن جميع القضاة قد شاركوا فيه مهما كان يوم عملهم كما أنه جاء
في وقت أنهت فيه لجنة
التشريع العام مناقشة هذا المشروع استعدادا لعرضه على مجلس نواب الشعب خلال
الأيام القليلة القادمة .
وبصرف النظر عن
التجاذبات بين السلطتين القضائية والتشريعية ودون الدخول في بعض الاتهامات
المتبادلة التي لا يسمح المقام بعرضها ومناقشتها نقول إن إضراب القضاة هو إضراب
شرعي يدق نواقيس الخطر ويفرض على حكومة الحبيب الصيد أن تأتي بما لم تأتي به
الحكومات المتعاقبة بعد الثورة ..وإذا رمنا مزيد التوضيح قلنا إن السادة القضاة
يعملون في ظروف لا تشير من قريب أو من بعيد إلى أن بلادنا تعير للقضاء شأنا كبيرا،
فأغلب بنايات المحاكم لا تسر الناظرين ولا تبعث على الهيبة ولا توفر للقضاة ابسط
ظروف العمل المريح ومن هنا نتساءل لمَ لمْ تضع
الحكومات المتعاقبة بناية التجمع
المنحل التي عششت فيها العناكب وفرخت فيها الجرذان البناية ذات 17 طابقا وما يزيد عن 300 مكتب تحت
تصرف محكمة التعقيب حتى توحي للجميع بأن عتو الحزب قد تحول إلى علوية القانون ولمَلا تلحق بناية محكمة التعقيب الحالية بمحكمة
الاستئناف بتونس في إطار التوسعة ؟
ولسنا ندري هل أن السلطة الحاكمة اليوم لا تعرف
أنه يكاد لا يمر أسبوع دون أن تتناهي إلى
أسماعنا أخبار تحدث بما يتعرض إليه القضاة من أمراض خطيرة كالجلطة والسكتة القلبية
بسبب الجهود المضنية التي يبذلونها أناء الليل وأطراف النهار للبت في مئات الملفات
أسبوعيا ( معدل 400 ملف لكل قاض أسبوعيا مقابل
30ملفا في البلدان المتقدمة ) ..لا
سيما بعد أن أرهقتهم النيابة العمومية ( تعمل تحت سلطة الوزير ) باستئنافها لكل
الأحكام وبرفضها للصلح الجزائي وهي كثيرا ما عملت بمنطق " رضي الخصمان ولم
يرض القاضي " وهو ما يجعل الملفات المودعة لدى القضاة تتضاعف مرات ومرات ..وهم
رغم التحسينات الطفيفة في أجورهم ما زال بينهم وبين القضاة في البلدان المتقدمة
أبحر وجبال فأغلب القضاة لا يملكون منازل ولا سيارات وأغلبهم ليس لهم مكاتب أو نجد
في المكتب الواحد أكثر من قاض بل أنهم لا
يجدون من يحمل ملفاتهم وما أثقلها لذلك كثيرا ما استنجدوا في هذه الخدمة بعملة
الحضائر ..
فهل لنا أن نطلب عدالة بمثل هذه الظروف ونحن نعلم
أن فاقد الشيء لا يعطيه..وهل من العسير أن تمكّن الدولة 2000 قاض من سيارات إدارية
وهي إن فعلت ذلك فلن تتجاوز نسبة ما أعطت من أسطول سياراتها الإدارية 2 بالمائة..
وعموما إن هيبة الدولة من هيبة القضاء ولا شك في أن تغول القضاء إن وجد هو أرحم من
تغول الديكتاتورية فهل ينتبه صناع القرار في تونس إلى ذلك أم أنهم سيمضون في تنفيذ
ما عقدوا العزم عليه ؟
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire