samedi 9 mai 2015

(الجزء 25):رحلة الألف ميل بدائرة المحاسبات : الأيادي المرتعشة لا تقوى على البناء، والجبناء لا يصنعون التاريخ




كلّ من تابع وتفاعل مع الوقائع والأحداث التي جاءت في أجزاء رحلة الألف ميل بدائرة المحاسبات من السهل عليه أن يقتنع بأنها حكاية جبل الفساد الذي لن تقدر عليه "قادومة" الإصلاح في دولة الفساد التي احتلت المرتبة 5 عربيا والمرتبة 59 عالميا طبقا لتقرير المنظمة الدولية للشفافية إن لم تتوفر الرغبة الصادقة والإرادة القوية والعزيمة الفولاذية لدى أصحاب الحلّ والربط والقرار من الشرفاء الأحرار وكلّ من له سلطة في هذه البلاد فلا يمكن بناء دولة القانون والتصرف والمؤسسات على أرضية هشة وأسس آيلة للسقوط بعدما نخرها الفساد من بعض الفاسدين المارقين على القانون من أصحاب السلطة والجاه والنفوذ في الإدارة والأمن والقضاء وهياكل الرقابة على المال العام والإعلام ورجال الأعمال وغيرهم... 


لم تذهب جهود جريدة الثورة نيوز هباء ولمسنا مؤخّرا، ولحسن الحظّ لا غير، بعض بوادر الاستفاقة لدى القائمين على شؤون الحكومة الجديدة حيث تولّى محمد الطيب اليوسفي مدير ديوان رئيس الحكومة تخليص القصبة من توفيق بوفايد صاحب العديد من القضايا (اختلاس أموال بالصيدلية المركزية وقضايا استغلال نفوذ...) ومحتلّ منصب مدير عام المصالح المشتركة وعوّضه الأسبوع الفارط بمنصف العوادي الذي كان يشغل نفس المنصب سنة 2011 إبان الثورة. وينطوي هذا التحوير الهامّ على إرادة حقيقية ولكن نسبية لدى الطيب اليوسفي في التغيير وفي النأي بنفسه عن الشبهات التي تركها سلفه محمد الطاهر بالأسود بعد أن شغل منصب مدير ديوان مهدي جمعة لثمانية أشهر كانت كافية لتنخر أوصال القصبة ويعشش فيها البوم. قلنا إذن بادرة عزل لص الصيدلية بوفايد وإرجاع الأمور إلى نصابها كانت قد سبقتها قرارات هامّة صدرت عن رئاسة الحكومة وتنمّ عن تخوّف كبير من اليوسفي من الفساد الذي استشرى في أجهزة الدولة حيث اضطرّ فور مباشرته لمهامه على رأس ديوان رئيس الحكومة إلى التخلّي عن الفريق الذي كان يعمل مع سلفه وتولّى التدقيق بنفسه في جميع المسائل التي كانت موكولةلسلفه وخادمه بوفايد بل وكلّف فريقا رقابيا من هيئة الرقابة العامة للماليةCGF إنجاز مهمة رقابية معمّقة على التصرّف في مصالح رئاسة الحكومة وخاصة الإدارة العامة للمصالح المشتركة التي كانت تخضع لإمرة بالاسود مباشرة موكّلا عليها صديقه لص الصيدلية، والمهمة الرقابية جارية إلى اليوم حسب مصادر لصيقة ولم تكتف رئاسة الحكومة بهذا بل لاحقت بالأسود إلى معقله الذي احتمى به، بدعم من المهدي جمعة وبمساندة من الثنائي محمد عفيف شلبي ورضا بن مصباح، حيث بلغنا من مصادر مطلعة أن الحبيب الصيد قد أذن بإنجاز مهمة رقابية معمقة لتفقد التصرف بمصالح وزارة الصناعة والطاقة والمناجم انطلاقا من سنة 2005 وهذا ما يعني بالضرورة أن لعنة الرقابة تطارد ثلاثيترويكا الفساد بوزارة الصناعة شلبي وبالأسود وجمعة وقد يتمكّن كل فريق الرقابة التابع لهيئة الرقابة العامة للمصالح العمومية CGSP(التابعة لرئاسة الحكومة مباشرة) من إماطة اللثام عن الملفات التي جمعت هذا الثلاثي المذكور...


هذه الملفات التي لأجلها تمسك المهدي جمعة بالعودة مهما كلفه الثمن ونفس الملفات المورثة عاد من اجلها عفيف شلبي إلى ممارسة السياسة بعد أن أوشك على مغادرة الحياة والدنيا بسببها بعد محاولة انتحار فاشلة سنة 2012 ولأجلها أيضا ناضل وما زال يناضل بالأسود للبقاء في معقل وزارة الصناعة متمكنا منها نافذا فيها والله وحده يعلم ما خفي من أسرار لعلها تخص ملفات الخوصصة التي جرجرها وراءه عند التحاقه بوزارة الصناعة سنة 2005 أو ربما أيضا ملفات التأهيل الصناعي أو ملفات فساد ضلع فيها آل الطرابلسية والمخلوع ولكن بتسهيلات من الثنائي الوزير وصانعه وبتواطؤ أو لنقل بعلم من المستشار الاقتصادي الحالي لرئيس الحكومة رضا مصباح المعروف بقربه وولائه لعفيف شلبي صديقه ورئيسه في العمل زمن المخلوع ....وحدها الأيام ستكشف الحقيقة...


أشرنا أعلاه إلى أنّ الرغبة بل قل القدرة على الإصلاح وتدارك التجاوزات التي ما انفكّت جريدتنا تشهر بها وتلقي عليها الأضواء دون جدوى ودون رادع يردع....هي قدرة محدودة والأسباب معروفة فرئاسة الحكومة لم تقدر إلى اليوم على الضرب بكل قوة ومراجعة التعيينات المشبوهة التي قام بها بالأسود باعتماد معيار القرابة (على غرار اسماء السحيري العبيدي مستشار القانون والتشريع الفاشلة ومحدودة الإمكانيات وعين حركة النهضة بالقصبة وقريبة بالأسود التي تعمل جاهدة على إعادته لمنصبه القديم بديوان القصبة كي ترتع في مفاصلها دون حسيب أو رقيب كما كانت سنة 2014 وبلغنا أنها تتذمّر باستمرار من قرارات الطيب اليوسفي التي حجبتها عن التواصل المباشر مع رئيس الحكومة وأرجعتها إلى حجمها الحقيقي ) والصداقة (مثل الأسعد مرابط رئيس مدير عام ديوان الطيران المدني والصديق الحميم لعم الطاهر) كما أنه وهذا هو الأهم، وبتدخّل حاسم من عفيف شلبي وأصدقائه من قياديي حركة نداء تونس تمّ مؤخّرا ممارسة ضغط كبير على رئاسة الحكومة من أجل استصدار أمر تسمية الطاهر بالأسود مديرالديوان وزير الصناعة والطاقة والمناجم وبالتالي تثبيته في المنصب الذي احتله خلسة منذ فجر انطلاقة الحكومة الجديدة وقبل حتى إجراء طقوس التسلم والتسليم بين وزير الصناعة السابق والوزير الحالي. وقد تم الأمر فعلا وثبت بالأسود في منصبه بمقتضى أمر صدم الجميع ولم يكن في الحسبان ممضى من قبل رئيس الحكومة صدر في الرائد الرسمي عدد 32 المؤرخ في 24 أفريل 2015 وهي مسألة كنا نبهنا إليها منذ شهر نوفمبر 2014 وكنا على علم بكواليس اقتسام الكعك والمرطبات حيث أشرنا في أعداد سابقة إلى أن طموح بالأسود الحتمي هو إما وزارة الصناعة وإما الحفاظ على منصبه بديوان القصبة وفي أسوأ الحالات مدير ديوان الصناعة وليس غيره من الدواوين لأننا نعرف خبايا ملف صندوق إعادة توجيه وتنمية المراكز المنجمية وفضائح مكتب التأهيل الذي كانت تسيره العائلة المالكة ولكن لا أحد يريد النبش فيها بل وبسبب الوصولية والتزلف لم نجد سوى الانتقاد اللاذع لمقالنا والتودّد للضحية البريئة والتقرب منه تحّسبا لمستقبل قد يرفع مرتبته...


وهكذا يكون القول في النهاية "راقبوا...دقّقوا يا معشر الرقابة والمساءلة والمحاسبة. أعدّوا التقارير...اضحكوا على ذقونناأغفلواعن ضحك الحكام على ذقون الجميع...وستدفن تقاريركم كما دفن تقرير دائرة المحاسبات الثامن والعشرين بخصوص صندوق إعادة توجيه وتنمية المراكز المنجمية..وإن لم يعجبكم الأمر فاشربوا من البحر والباب يعدّي جمل"...بل ربما بعد أن تسبّب تقرير الدائرة في تسمية محمد الطاهر بالأسود مديرا لديوان مهدي جمعة قد تتسبب تقارير هيئة الرقابة العامة للمالية وهيئة الرقابة العامة للمصالح العمومية في تسميته وزيرا أو مستشارا أو قل رئيسا للحكومة ومن يدري فزماننا هو زمن المفاجآت واستنزاف مال الأبرياء دافعي الأداء والضحك على ذقون البسطاء من قبل أهل الداء...
وجه آخر من أوجه الضعف والضربات المترددة وهو عدم فتح رئاسة الحكومة إلى اليوم التحقيق في مآل تقرير دائرة المحاسبات والتثبت من ملابسات الصفقة التي عقدت بين عبد اللطيف الخراط وبالأسود والتي أسالت الكثير من الحبر والحيرة كما لم نسمع إلى اليوم عن أي جديد بخصوص التحقيق في ملابسات قضية التحرش التي تخص شقيق بالأسود والتي أدت إلى عزل الشقيق من خطة مدير مدرسة ابتدائية سنة 2008 ليسطع نجمه بعد الثورة ويرتقي من منصب إلى آخر في انتظار ترؤس المندوبية الجهوية للتربية بسليانة وهو أمر لا تستبعده في ظلّ هذا الصمت المريب والرهيب سواء من مصالح وزارة التربية والتفقدية العامة أو من طرف رئاسة الحكومة التي لم تهدد ولو فاسدا واحدا ولم تتوعد ولو ملفا وحيدا....


وهكذا اتضحت الرؤية وتجلت الحقيقة فالمهمات الرقابية التي تنجز حاليا من القصبة إلى مونبليزير سيتم استعمالها في تمييع تقرير دائرة المحاسبات وتبييض الفساد بل وتنصيع صفحات بالأسود كي لا تلاحقه لعنة التقارير إعدادا لمراحل قادمة....ولا يؤسف سوى أهل الرقابة الذين يظنون أنهم سيأتون بالأسد صاغرا والحال أنهم داهمون على جبل الفساد "بقادومةالإصلاح المرتعشة"...حتى أنه قد بلغنا من مصادر مقربة من بالأسود ونسوقها بحذر أنه قد يلتحق بحزب الاتحاد الوطني الحرّ لأنه غير راض على قطعة الكعكة التي نالها من ولائه لحركة النداء حيث اعتقد انه سينضم لفريق حكومة ما بعد انتخابات أكتوبر 2014 ولكن لم تتم ترضيته وهو أمر قد يتمكّن منه بالانخراط في الصفوف الأولى لأحد أحزاب التحالف الحكومي وفي انتظار التحقق من هذه المعلومة نسوق معطى آخر أكيدا مفاده أن بالأسود يعمل بكل قواه ليتقرب من رئيس الحكومة الحالي ولينال إعجابه ورضاه (كما سبق وان قام بذلك في عهد مهدي جمعة) وذلك لينال الحظوة وربما ليجهز على وزير الصناعة الحالي ويحتل منصبه اعتقادا منه في حقه الشرعي والتاريخي في هذا المنصب الموعود منذ ما قبل الثورة وقد علمنا أنّه حاليا يمارس تقريبا جميع صلاحيات وزير الصناعة بما فيها الاتصال بالمستثمرين والاجتماع بهم واتخاذ القرارات العاجلة والهامة وعزل وتعيين رؤساء المنشأت والاهم من كل ذلك هو حضور المجالس والاجتماعات الوزارية عوضا عن الوزير النائم الغاط في سبات الضعف العميق تاركا المجال خاليا لمدير ديوانه إلى حد أصبح فيه الكثير من الإطارات بوزارة الصناعة يتندّرون بالأمر ويسمون وزيرهم "زكرياء الطاهر بالأسود" عوضا عن زكرياء حمد....ولا نعرف إلى اليوم إن كان هذا الوضع خاف عن أعين رئيس الحكومة ومدير ديوانه المعروف بذكائه وحزمه أم أنّ الأمر فيه "إنّ" جديدة ربما تكشفها الأيام القادمة؟ ولا نعلم أيضا إن كان ما بلغنا صحيحا أم لا حول كون تثبيت بالأسود في خطّته الحالية هو فقط من باب تسوية وضعيته للشهور الماضية حيث لا يمكن عزله من خطة لم يشغلها قانونيا وبالتالي ينتظر في الأيام القادمة، حسب معطيات مسرّبة، وبعد مرور المائة يوم ومساءلة الحكومة أمام مجلس نواب الشعب، تعديلا وزاريا سيشمل وزير الصناعة الحالي ليترك القطاع لمن هم أكثر كفاءة وقدرة على اختيار مساعديهم وهكذا يزاح بالأسود آليّا من الوزارة وبكل ذكاء وهدوء...


وربما الخبر الوحيد السار في جميع فصول هده المسرحية سيئة الإخراج هو اعتزام ثلة من المحامين الشرفاء إعداد جبهة للردّ على تناقضات الحكومة واهتزاز مواقفها المتضاربة المتنافرة قصدا وعمدا وتتضمن الجبهة رفع قضية ضدّ كلّ من عبد اللطيف الخراط رئيس دائرة المحاسبات ومحمد الطاهر بالأسود لدى مصالح القطب القضائي المالي للكشف عن ملابسات صفقة التسميات التي أشرنا إليها في أعدادنا السابقة وتحديد مال شبهات الفساد التي تمّ التستر عليها بخصوص صندوق إعادة توجيه وتنمية المراكز المنجمية وهي مسائل كانت موضوع رسالة وجهها مؤخرا بعض أعضاء وإطارات وأعوان الدائرة للسّلط العمومية والإعلام ورئاسة الحكومة طالبين فيها إقالة الخراط من منصبه دون جدوى تذكر، وعلمنا أيضا اعتزام هؤلاء المحامين (أسوة بما تمّ مؤخرا في خصوص الإضرابات العشوائية) توجيه عدل منفذ لرئاسة الحكومة بخصوص الطعن في شرعية الأمر الصادر مؤخرا بخصوص تسمية بالأسود مدير ديوان وزير الصناعة والحال أنه تتعلق بذمته شبهات فساد لم يحسم بعد أيّ طرف في أمرها كما تعتزم الجبهة اللّجوء إلى المحكمة الإدارية للطعن في هذا الأمر باعتباره ينطوي على تعسف في استعمال السلطة وخرق للقوانين فضلا عن توجيه عدل منفذ لدائرة المحاسبات التي رفضت نشر التقارير الأولية بما فيها تقرير صندوق بالأسود بتعلّة أنه عمل رقابي أولي سرّي وهو ما يعتبره المحامون مخالفة للمرسوم الصادر سنة 2011 حول النفاذ للوثائق الإدارية بل وخرقا لأحكام دستور 2014 الذي يضمن حق النفاذ للمعلومة كما سيطالبون مصالح التفقدية العامة لوزارة التربية بتمكينهم من الاطلاع على الملف التأديبي لشقيق بالأسود المعلّم المحظوظ للتحري في الشبهات التي تكتنف الترقيات التي تحصّل عليها الشقيق دون وجه حق وبفضل الوساطات والتدخّلات والمحاباة وإتلاف وثائق من قبل محمد صالح الشارني المتفقد العام السابق لوزارة التربية...ولئن دلّ هذا الأمر على شيء فإنه ليس سوى الحال المتردية التي أصبحت عليها الإدارة التونسية خلال السنوات الأخيرة بسبب الخوف ونقص الجرأة والتردّد والمحاصصات الحزبية ومنطق الولاءات للأشخاص وسيطرة الحسابات الضيقة واستشراء الفساد وضعف السلطة وهي كلها أبشع مما كنا عليه من قمع واستبداد زمن النظام السابق. وفي انتظار أن تحكم رئاسة الحكومة قبضتها على هذه الانفلاتات وتتحرى في حقائق الأمور وتعيد الأمور إلى نصابها بنفسها ودون انتظار التنابيهوالجبهات وتدخل المواطنين اليائسين نشير إلى أنّه مهما صغرت الأمور وقل شأنها قد تكون شجرة تحجب وراءها غابات مثل ذلك مثل بالأسود الذي يخفي وراءه عشرات الملفات والأسماء وشقيقه الذي يحجب وراءه مئات التجاوزات في الترقيات وفي مادة التأديب بوزارة التربية وما عدا ذلك من مسائل بخصوص التسميات التي تمت في عهد مهدي جمعة ولم تتغير إلى اليوم والسبب نصفه معلوم فضلا عن تمسك الحكومة بالخراط على رأس الدائرة رغم وجود مئات الشكاوي والعرائض ضده ولم يفتح في شأنها أي تحقيق بل اكتفى  الجميع بقولة "كل شيء بخير والعصافير تزقزق والتقرير الرقابي السنوي قادم وسيقام احتفال بحضور الجميع وأعضاء الدائرة فوق الرقابة والقانون ولكنهم....تحت وطأة أقدام الخراط"...ومن يدري ؟ لعلّجبهة المحامين ستقدر على ما عجز عليه المراقبون وستنجز ما تجنبته الحكومة لتفادي إحراج بعض قياديي حركة نداء تونس للأسباب المذكورة أعلاه ولعدم الشوشرة قبل مساءلة المائة يوم...وخير ما نختم به مقولة شهيرة للزعيم العربي جمال عبد الناصر " الأيادي المرتعشة لا تقوى على البناء والخائفون لا يصنعون التاريخ " .


Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire