jeudi 16 avril 2015

المفروزون أمنيا من قدماء الاتحاد العام لطلبة تونس: قصة بالونات لعيد الخيبة , وصغيرة في انتظار قطعة "الشكولاطة"...




في أمسية  السبت الرابع من مارس أعبر شارع الحبيب بورقيبة قريبا من بناية الكوليزي...
ماذا ينتظر الناس من السماء ؟
كلّ العيون إلى الأعلى حيث يقف أحدهم في الطابق الرابع على حافة النافذة مهددا بإلقاء نفسه...
***
في أمسية الأحد الخامس من مارس عبر شارع الحبيب بورقيبة قريبا من بناية الكوليزي...
ماذا يتلقف الناس من السماء؟
كل الأيادي مرفوعة تلتقط بالونات تُلقَى من الطابق الرابع...
ألتقط بالونا ولا أمضي . لي ما أقرأ على ظهره فلماذا أتعجّل؟
لا أنا لست ألتقط  بالونا لأعياد الأطفال وأحلامهم –كما كنت أتصوّر-
أنا ألتقط بالونا لوجع الكبار ويأسهم...
كان الوجع رسائل خطّها أصحابها على بالوناتهم , ومن بين الرسائل كان حظّي أن أقرأ الآتي:
" وينو الفسفاط ؟ وينو زيت الزيتون ؟ لكم المناصب والوظائف ولنا السجون..."
    ***
أسأل عن أصحاب هذه الرسائل فيَبلُغني أنّهم من الذين آمنوا يوما بدعوة محمود درويش إذ قال : "قف على ناصية الحلم وقاتل" , لكن هاهم اليوم يقفون على ناصية الموت ومازالو يقاتلون ...
تهديد بالانتحار و إضراب جوع يخوضه مائة وستة وثمانون من قدماء طلبة الاتحاد العام لطلبة تونس المفروزون أمنيا
(عفوا فليسو جميعا يشاركون في إضراب الجوع , واحد وعشرون فقط يشاركون في هذا الإضراب والبقية جياع أضرب الطعام عنهم حتّى إن لم يضربوا)
ولمن لا يعرف الاتحاد العام لطلبة تونس هو اتحاد نقابي طلابي ذو توجهات يسارية تعرّض قدماؤه إلى المطاردات والتعطيل عن العمل بناء على تقارير أمنية زمن المخلوع , ولم يتمتعوا زمن حكم الترويكا ذات الرّأس الإسلامي بامتيازات قانون العفو التشريعي , هذا القانون الذي مكّن أبناء "الإخوان"وبعض من والاهم من احتكار النضال ليقبضوا أجرته تشغيلا وتعويضات...
وها إنّ المفروزين من قدماء اتحاد طلبة تونس يشكّلون لجنة مطالبين بأن يمنحهم القانون ما منح محتكري النضال...
***     
تحطّ بالوناتهم , تحطّ رسائلهم بين أيدي المتجمهرين , تحطّ عيدا للخيبة, لا عيدا للثّورة...
يحدّث خطيبهم أنّ عيد الثورة سُرق بعد أن كان منهم ومنّا قريبا...
يحدّثنا أنّهم كانوا للثورة حطبا , وأنّهم ظلّوا لها حطبا...وأنّ الثورة بريئة من دمهم , الثورة لم تأكلهم , لكنّها أُكِلت كما أُكِلوا...
يحدّث أنّ الثورة أَكلتها الأجندات الخارجية والأحزاب الانتهازية وأكلها المتسلّقون الوصوليون في الدّاخل...
يخبرنا أنهم طالما "وقفوا على ناصية الحلم وقاتلوا" ويدعونا أن نسأل الحجر قبل الإنسان عن قتالهم في سبيل أحلامهم الثورية
يدعونا أن نسأل تمثال المشكاة بكلية منوبة , وأن نسأل الساحة الحمراء بكلية الآداب والعلوم الإنسانية ( 9 أفريل) , وأن نسأل حجرة سقراط بكلية الحقوق بتونس...عن اجتماعاتهم العامة , وتحركاتهم الطلابية سيشهد الحجر أنهم قالوا "لا" زمن الصمت وقول "آمين" في حضرة السلطان الغاشم , وأنهم طوردوا واعتقلوا وعطّلوا عن العمل...لقد فرزوا أمنيا بناء على تقارير الإرشاد التي تتهمهم بقول "لا" وتتهمهم بأنهم حلموا بالحرية...
وهاهم اليوم ضحايا فرز سياسي أيديولوجي لمن احتكر الثورة والنضال واشترى بهما بيعة الشعب , واحتكر الإله واشترى باسمه أصواتا انتخابية , وشاد قانون العفو التشريعي خيمة لا يدخلها إلاّ من آمن بحزبه الذي حكم ومازال ...
***     
الفرز الأمني لقدماء الاتحاد العام لطلبة تونس ومن بعده الفرز الحزبي والأيديولوجي لم يأكلا أحلام الكبار فحسب , بل أكلا أحلام الصغار أيضا...
ولعل بالونات عيد الخيبة التي أرسلوها لم تكن شكلا احتجاجيا خاليا من أيّ رمزية , ولي أن أقرأ الرمز وأن أتأوّله...
لي أن أتأوّل البالونات رمزا لهدية تنتظرها ابنة أحد المعتصمين الذي بلغ من العمر عقده الرابع ... هو يقف مع رفاقه على ناصية حلم بأن يعود يوما إلى ابنته ببالونات لم يخطّوا عليها رسائلهم كلمات للوجع والإحساس بالضيم وخيبة الحلم الثوري الهارب...
***
أبلغني بعضهم أنّ هذا الأب يقبّل ابنته كلّ صباح , يخبرها أنّه ماض إلى عمله, يعِدُها أن يُحضِر لها "قطع الشكولاطة" التي تشتهيها حين يعود آخر النهار, ثم يغادر المنزل...
هو لا يمضي إلى عمل , هو يمضي إلى الاعتصام مطالبا بحقّه في العمل وفي الكرامة وفي العدالة...
هو يمضي ليواصل الوقوف على "ناصية الحلم" "بحياة كالحياة" على حد عبارة الشاعر "محمود درويش"
لكنه وإن كان يعود آخر النهار بخيبة الحلم الذي اتّجر به الساسة السابقون واللاحقون بعد أن سرقوه , إلاّ أنه يرفض أن يعود إلاّ وفي جيبه حلم ابنته بقطعة الشوكولاطة...
***         
أما آن لأصحاب السلطان من عبر منهم ومن حضر أن يشفوا من "الزهايمر" الذي أصابهم لانتشائهم بالحكم حتّى يذكروا درس عبد الرحمان ابن خلدون مؤسس علم العمران البشري الذي درس نشأة الدول وازدهارها وانحدارها فخلُص -فيما خلص إليه- إلى أنّ " الظلم مؤذن بخراب العمران"
أما آن لهم أن يشرعوا في بناء وطن يتّسع لهذا الأب المهمّش المفروز أمنيا كما اتّسع لأبناء من حَكم وإخوانه ؟

أما آن لهم أن يشرعوا في بناء وطن لا تصادر فيه أحلام ابنته الصغيرة بقطعة "شكولاطة" يحضرها لها والدها دون أن يهرق ماء وجهه , وببالون عيد يهديه إليها دون أن يسجّل عليه ورفاقه وجع الخيبة ؟

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire