mardi 20 janvier 2015

صندوق الدعم في تونس ...مغالطات كبرى تغطي خورا وفساد كبيرين






بعد الثورة وخاصة في الآونةالأخيرةكثر "العياط والزياط" على صندوق الدعم وهذا ليس بالغريب إذ كلما وقعت البلاد في أزمة اقتصادية ومالية خانقة تتجه كل الاتهامات إلى هذا الصندوق خاصة من قبل الحكومات التي تجد نفسها وجها لوجه مع المطالب الشعبية الكثيرة والملحة ومع ميزانية منخرمةأنهكها الفساد لا تفي بالحاجة ولا تتماشى وتلك المطالب ...
ففي كل مرة تتوجه فيها الدولة إلى طلب القروض من المؤسسات المالية العالمية إلا ويكثر الحديث من قبل المسؤولين فيها عن وجوب "إصلاح" منظومة الدعم  ومنها رفع ذلك الدعم بطريقة جزئيةأوكلية فتتالى التصريحات والإحصائيات والتقارير والدراسات التي يتخذونها أسبابا وحججاواهية يرتكزون عليها من أجل الوصول إلى الهدف المنشود والتي يبينون من خلالها أن الدعم في تونس هو المتسبب الأبرز في إثقال كاهل ميزانية الدولة وبالتالي عجزها .
وان كان الأمر في الظاهر يبدو كذلك حسب الملاحظ البسيط إلاأن المتعمق في المسألة والقارئ بين السطور يلاحظ جيدا أن كل ما يروج له من قبل الساسة ليس سوى هروب من المسؤولية وتضليل للرأي العام حول المشكلات الحقيقية لمنظومة الدعم في تونس والناتجة عن سوء التصرف الإداري والمالي وليس ناتجا عن  مسألة الدعم في حد ذاتها ...



تضاعف حجم صندوق الدعم ب6 مرات منذ سنة 2010 إلى اليوم
تضاعفت نفقات صندوق الدعم بين عامي 2010 و2015 ست مرات دفعة واحدة.فقد كانت ميزانية صندوق الدعم في حدود 950 مليون دينار تونسي (نحو 600 مليون دولار) سنة 2010، لتقدر خلال هذه السنة بنحو ستة آلاف مليون دينار (نحو 4 مليارات دولار أميركي)، وهو ما يمثل نحو 20 % من إجمالي ميزانية تونس...



الحكومة تتعمد الخلط بين الصندوق العام للتعويض ودعم الطاقة ودعم النقل

تعود سياسة دعم المواد الأساسيةإلىأربعينات القرن الماضي وقد أحدث صندوق الدعم بمقتضى الأمر العلي المؤرخ في 28 جوان 1945 الذي سن نتيجة ارتفاع أسعار المواد الأساسية في السوق الدولية خلال فترة الحرب العالمية الثانية وقد تطور دور الصندوق بعد الاستقلال عبر إرساء سياسة تخطيط للتغذية والتموين تهدف إلى دعم المواد الغذائية في درجة أولى ثم دعم القدرة الشرائية للمواطن التونسي وتم تنظيم ذلك عبر القانون الأساسي للميزانية عدد 53 لسنة 1967 المتعلق بتنظيم الصناديق الخاصة في الخزينة ثم عبر القانون عدد 26 بتاريخ 29 ماي 1970 المتعلق بإحداث الصندوق العام للتعويض ثم القانون عدد 65 بتاريخ 31 ديسمبر 1970 المتعلق بقانون المالية لسنة 1971.
 وفي الواقع كثيرا ما يقع الخلط بين مصطلحات "الصندوق العام للتعويض "و"دعم الطاقة" و"دعم النقل" والحديث عنها من قبل الحكومات كمنظومة واحدة وميزانية واحدة فيما أن الواقع خلاف ذلك إذأن الدعم يشمل 3 أنظمة مختلفة ومستقلة عن بعضها  البعض وهي الصندوق العام للتعويض(دعم المواد الغذائية الأساسية) ودعم الطاقة ودعم النقل العمومي ...هذا الخلط بين المصطلحات يبدو انه متعمد من قبل النظام السياسي كإستراتيجية فعالة للتواصل مع الرأي العام الذي غالبا ما يذهب في ظنه من خلال تلك الاستراتيجياأن كامل نظام دعم الصندوق العام للتعويض ودعم الطاقة ودعم النقل هو المتسبب في إثقال ميزانية الدولة ومن هنا يمكن تمرير أجندة الحد من الدعم على الاستهلاك مهما كانت طبيعة المواد المدعمة...



الكذبة الكبرى: تونس بلد الأرقام القياسية في استهلاك المواد المدعمة
عادة ما يقع نشر معلومات وتقارير ما انزل الله بها من سلطان حول نسب قياسية لمعدلات الاستهلاكية للمواطن التونسي الذي جعلوا منه المستهلك رقم 1 في العالم للمواد الأساسية كالعجين والطماطم والسكر والزيت النباتي وغير ذلك من المواد المشابهة إلا انه في واقع الأمر ليس لهذه الإحصائياتأدنىأساس من الصحة وإنما هي أساليب يراد بها إلباس الحق بالباطل ذلك أن نشر مثل هذه الإحصائيات وترويجها من شأنه أن يبعد الرأي العام عن المشكلات الحقيقية التي يعاني منها صندوق الدعم والتي لا تنم عن مدى استهلاك المواطن التونسي للمواد الأولية والطاقة بقدرما تنم عن ضعف في إدارة صندوق الدعم في حد ذاتها وسوء التصرف المالي والإداري الذي تكمن وراءه أياد فاسدة وتماسيح فساد تلتهم الأموال العمومية التهاما ...



المغالطة الأكبر حول نسبة الاستفادة من الدعم بين الأغنياءوالفقراء
تجدر الإشارةإلى أنه في سنة 2012 قام صندوق النقد الدولي بنشر تقرير موضوعه تقييم الاقتصاد التونسي مقترحا من خلاله على الحكومة التونسية حينها التقليل من دعم المواد الغذائية والطاقة و"هو إجراء مرغوب فيه من زاوية العدالة الاجتماعية " بتعلة أنأغنى الفئات هي المستفيدة من الإعانات الغذائية والطاقة ذلك أن العائلات التي تتمتع بأعلى مستويات الدخل تستفيد 4 مرات أكثر من دعم المواد الغذائية من العائلات محدودة الدخل وما يقارب 40 مرة أكثر على مستوى الدعم في مجال الطاقة وفي نفس هذا الاتجاه بادر المعهد الوطني للإحصاءبشراكة مع مركز البحوث والدراسات الاجتماعية والبنك الإفريقي للتنمية بنشر تقرير عن منظومة الدعم وقد تضمن ذلك التقرير المعدلات السنوية للدعم للفرد الواحد وحسب الفئة الاجتماعية للسكان بالديناروتبين من خلاله أن الفرق في استهلاك الدعم بين الأسر الميسورة والأسر محدودة الدخل لا يتجاوز 21.9 دينار سنويا ليكذب بذلك تقرير البنك الدولي الذي بين أن الفارق هو 4 مرات ...



الأغنياءأصبحوا يمولون الصندوق العام للتعويض منذ سنة2013 

لقد بات من يتجاوز مرتبه ال20 آلف دينار سنويا منذ سنة 2013 يساهم بنسبة 1% من دخله السنوي في تمويل الصندوق العام للتعويض وقد تم في نفسهذا السياق إقرار ضرائب أخرى عديدة على الفئات الميسورة ومن هنا نجد أن فئة كبيرة من الطبقة المتوسطة والغنية ستدفع اقل شيء 200 دينار سنويا إلى الصندوق المذكور آنفا فيما أنهم لا يستفيدون سوى بما يقارب 90 دينار سنويا منه وفقا لتقرير البنك الإفريقي للتنمية والمعهد الوطني للإحصاء و مركز البحوث والدراسات الاجتماعية. وهنا نتبينأن من لا يستحقون الدعم هم الذين يمولون هذا الدعم في الحقيقة وبذلك تخيب وجهة نظر السلطة في انعدام العدالة الاجتماعية ...



تهريب المواد الأساسية سرطان ينخرمنظومة الدعم 

يعتبر التهريب من أهمالأسبابإن لم نقل السبب الرئيسي في استنزاف صندوق الدعم حيث يستولي المهربون سنويا على نسبة 40% من ذلك الصندوق حسب آخرالإحصائيات..والغريب في الأمرأن ظاهرة تهريب المواد المدعمة إلى ليبيا تضاعفت بطريقة تفوق الخيال بعد سقوط نظام بن علي حيث أنه في ظل ذلك النظام كان يتم تهريب تلك المواد بطريقة عكسية أي من ليبيا إلى تونس وقد استفاد منها عديد التجار أمثال نجيب إسماعيل الذي كان يجلب المواد المدعمة من ليبيا وقد استفادت منها البلاد بدورها وأما الآن فقد بات التهريب يتم من تونس نحو ليبيا  حيث تم خلال السنوات الفارطة حجزمئات آلافالكيلوغرامات من العجين الغذائي المهرب نحو ليبيا ومشتقاته من كسكسي ومقرونة وشربة وغيرها بالإضافةإلى السكر والزيت النباتي ..وإذاافترضناأن نسبة تصدي الديوانة لمثل هذه العمليات من التهريب ضئيلة لا تفوق ال10% فنستنتج من ذلك أن 10 أضعاف تلك الكميات من المواد المدعمة يقع تهريبها إلى التراب الليبي لتذهب أرباحهاغير المشروعة في جيوب المهربين الذين اختصوا  في هذه الحرفة ..
ونفس الشيء بالنسبة للزيت المدعم الذي يهرّب بواسطة مهربين ايطاليين تحت غطاء مصانع تعليب الزيت حيث يدعون جمع الزيت المستعمل لتحويله قصد تصديره لكنهم في واقع الأمر يشترون الزيت النباتي المدعم من قبل الدولة والمورد أصلا لتقع إعادة تصديره واضعين قيمة ذلك الدعم في حساباتهم دون تعب أو شقاء لكن عبر التحيل مستغلين الامتيازات الممنوحة من قبل القانون التونسي الفاسد المجسد في مجلة الاستثمارات وضعف الجهاز الرقابي أو انعدامه وفساد الجهاز الديواني ...



بعض المؤسسات باتت تمتهن السمسرة في المواد المدعمة
حيث أثبتت عديد التقارير أن غالبية المخابز باتت بمثابة مستودعات للسمسرة في مادة "الفرينة "والدقيق حيث أن عديد أصحاب البطاقات المهنية  في مجال المخابز يحصلون عليها بأسعار منخفضة ولا يستعملونها لصناعة الخبز بل يقع ترويجها بين محلات "الفطاير" بسعر 25 دينارا للكيس الواحد كما أن غالبية المخابز باتت عصرية تجمع بين صفة المخبزة ومحلات صنع الحلويات فتستعمل الفرينة والزيت المدعم والسكر وغيرها من المواد الأساسية المدعمة لصناعة المرطبات وأنواع أخرى مختلفة من الخبز بطرق غير قانونية مثل الباقات و"الخبز المبسس" والخبز بالزيتون و"البريوش" بالإضافة إلى أنواع أخرى من المعجنات المالحة ونفس التجاوزات ترتكب من طرف محلات صنع الحلويات هو ما يسبب استنزافا لأموال الدعم ونهبا للمال العام وبمثابة السرقة لقوة الفقراء في وقت تتضاعف فيه أسعار تلك المواد على المستوى العالمي ...


صغر إدارة الدعم أمام الحجم الهائل من الأموال المرصودة له 

من المعروف أن الموظفين العاملين والمسؤولين عن إدارة الدعم عددهم لا يتجاوز ال10 موظفين فهل من المعقول أن تسند لهذه الإدارة الضعيفة بهذا العدد الصغير جدا من الموظفين ميزانية مهولة يقدر حجمها ب6 ألاف مليون دينار. وهل من المنطق ان يتحكم هؤلاءبقرابة 20% من ميزانية الدولة أي ما يعادل حجم ميزانيات اكثر من25 من وزارات الدولة مندمجة مع بعضها البعض... أليس من الاجدر أن يبعث هيكل كامل مختص في المالية والتموين يكون  إما تابعا الى وزارة المالية أوأن يكون مستقلا بذاته يشرف على هذا الكم الهائل من الاموال المرصودة للدعم لتذهب إلى  وجهتها الصحيحة ... ؟



بعض الحلول المقترحة لإنقاذ صندوق الدعم

ان التضخم الكبيرللأموال المرصودة لصندوق الدعم دفع الحكومات المتعاقبة بعد الثورة إلىإيجاد الحلول الملائمة لمقاومة هذا التضخم دون اللجوء إلى إلغاء صندوق الدعم خوفا من أن يتسبب ذلك في أزمات وكوارث وهزات اجتماعية وسياسية لا يمكن التنبؤ بنتائجها المستقبلية على امن واستقرار البلاد فقامت بالزيادة في سعر المحروقات واقتطاع 1% من الأجور المرتفعة وهي في واقع الأمر ليست بحلول ناجعة خاصة وان كل تلك الزيادات لم تغطحتى ال2%من عجز صندوق الدعم كما أن اللجوء إلى الزيادة في الأسعار لبعض المواد الأخرى لا يزيد الوضع إلا تعقيدا خاصة وأن ذلك لن يؤثر سوى على الطبقة الفقيرة وبالتالي فانه من الأجدر للقضاء على ذلك العجز أن تقوم الحكومة بواسطة جهاز إداري معين بدراسة للأسباب الحقيقية التي تكمن وراءه والقضاء على تلك الأسباب بكل حرفية ، حيث يجب عليها مجابهة التهريب والمهربين بتكثيف المراقبة الديوانية على المعابر الحدودية ولا يتم ذلك طبعا إلا بإصلاح الجهاز الديواني وتطهيره من المفسدين ثم تمكينه من الوسائل القانونية والمادية اللازمة للقيام بعمله على أحسن وجه .
كما يجب على السلطة تكثيف المراقبة الاقتصادية بواسطة فرق مختصة ومشتركة بين وزارة التجارة والأمن والديوانة لمراقبة الشركات والمصانع والمحلات التجارية ومسالك التزود والتزويد كما يجب تكثيف المراقبة خاصة على المخابز ومحلات صنع الحلويات والقيام بعملية جرد لكميات الفرينة التي تتزود بها لكشف التجاوزات والأشخاص المتاجرين بهذه المادة .كما يجب إلزام مؤسسات التعليب التي تقوم بتعليب جميع أنواع الزيوت النباتية التخلي عن تعليب زيت "الصوجا" بحيث يباع سائبا ويصبح عبارة عن  عامل تقني لكشف التلاعب من قبل التجار.
وفيما يخص قطاع الطاقة والنقل فمن الممكن فيما يتعلق بدعم المحروقات رفع الدعم عنها كليا مع جعل المستهلك يستهلكها مباشرة حسب السعر العالمي(à la pompe.أما فيما يتعلق بالنقل العمومي فيجب ترشيد استهلاك المحروقات في هذا المجال وتكثيف الرقابة ومقاومة كل أشكال الفساد وتبديد المال العام فيه وعلى المستوى القانوني فيجب تنقيح القوانين خاصة منها المتعلقة بمجلة الاستثمارات وكذلك القوانين الزجرية في هذا المجال بشكل يتناسب مع مدى خطورة الاتجار اللاشرعي في المواد المدعمة وتهريبها على أموال المجموعة الوطنية وبالتالي توقيع أقصى العقوبات على مرتكبي هذه الجريمة واهم وأنجع حل هو كما اشرنا إلى ذلك سابقا إفراد صندوق الدعم بوزارة نظرا للحجم الكبير للأموال المرصودة له ويمكن إطلاق على هذه الوزارة اسم "وزارة التموين" وتمكن من كل الوسائل المادية والبشرية اللازمة لتحقيق النجاعة في إيصال الدعم لمستحقيه الحقيقيين.
وأمافكرة إرساء نظام قائم على تحويل مبالغ ثابتة بصفة سنوية لكل فرد محدود الدخل عوض نظام الدعم الحالي لتحقيق العدالة الاجتماعية وتوفير الأموال فليست بالفكرة الجيدة ولا يمكن بأي حال من الأحوالأن تحقق الإنصاف المنشود على اعتبار أنالأغنياءيساهمون بنسبة إضافية لتمويل الصندوق من ناحية ومن ناحية أخرى فانه ليس هناك إحصائيات دقيقة في الوقت الحاضر تبين بكل وضوح من المستحقين وغير المستحقين للدعم والقواعد الرياضية البسيطة لا يمكن لها البتة تحقيق الإنصاف المرجو...



Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire