"أنا أسرق بصراحة...أنا أسرق جهرا"
كذا كان
يردّد الدّيكتاتور الرّوماني "كاليغولا"
هو
نموذج من نماذج الانحدار الأخلاقي لصاحب السلطة والنفوذ...
لقد كان
لروما زمن "كاليغولا" مجلس شعب..غير أن مجلس الشعب مطيع , لا يعصي
للملك أمرا...
وكاليغولا
" يسرق بصراحة... يسرق جهرا والمجلس يزكّيه...."كاليغولا" الذي لم
تعرف روما في عهده مجاعة ولا وباء , قرّر أن يثبت أنّ أمور الحياة طوع يديه
وسلطانه فأغلق مخازن الغلال في روما ليُحدِثَ بنفسه مجاعة معلنا أنّه "سيحلّ
محلّ الطاعون..." ومازال المجلس يزكّيه...
"كاليغولا" يعيّن حِصَانه عضوا في مجلس
الشعب , ويدعو سائر النواب إلى وليمة للاحتفال بهذا التعيين...وفي يوم الوليمة
يُلزِم كل نوّاب الشعب أن يأكلوا مما يأكل زميلهم الجديد , فيقدّم لهم التّبن في
صحاف من الذهب...وهم يزكّون "كاليغولا" ويأكلون مما أكل حصانه...
و"اللاّمبالاة
أكثر ما يثير إعجاب كاليغولا"
تثيره
لا مبالاته هو حين يدعو سيّافه لقطع رقاب ضحاياه...وتثيره لا مبالاة الشعب ونوّابه
الساجدين له خوفا واستسلاما...
***
في زمن غير زمن كاليغولا...
في أرض
غير أرض روما...
التاريخ: الرابع عشر من جانفي من سنة 2011
المكان: أرض
تسمّى "تونس"
لم يعد
بوسع "حاكم هذه الأرض" أن يتلذّذ باللاّمبالاة , خرج الشعب ليسقطه ويسقط
كلّ تماثيله الباقية...
"ابن علي هرب...ابن علي هرب..." حيّ على
الانتخاب...حيّ على التأسيس...
سلّم
الناس وديعة البناء "للمجلس التأسيسي" في الثالث والعشرين من أكتوبر
2011
لم تكن
الوديعة تأسيس دستور فحسب...كانت الوديعة تأسيس قيم جديدة وثقافة مختلفة أيضا...
احتاج الناس مِثالا يقطع مع ثقافة الانتهازية
واستغلال النفوذ...
احتاج
الناس رمزا سياسيا وثوريا وأخلاقيا...
لعلّهم
رغبوا في انتخاب رمز يحتذون به...أرادوا رمزا يعلّمهم ألاّ يسرِقوا وألاّ
يُسرَقوا...
رمزا
يعلّمهم أن يرفضوا تزكية "حصان كاليغولا" نائبا للشعب أو رئيسا له...
غير أنّ
الرمز بدأ الانحدار , تتالت سقطاته...خبا ألق الرّمز وفَقَد سرّه الثوري بين تمديد
في السيادة وبين الاستزادة من المال والمنح والامتيازات...كان سيّد نفسه فعلا في
رعاية مصالحه والإمضاء عليها "آناء الليل" إن تعذّر تمريرها "أثناء
النهار"...
***
خبا ألق
الرّمز وفَقَد سرّه الثوريّ وأبيح لنوّاب التّأسيسي مالم يُبَح
"للّوردات"...
يزعم بعضهم أن "اللوردات" في أيام
غابرة من زمن الانحطاط الأروبي في العصور الوسطى كانوا يشترون ألقابهم
الارستقراطية (من الدوق إلى الماركيز إلى البارون...) وإن لم يكن مباحا أن
يورّثوها أو أن ينقلوها إلى غيرهم...غير أنّ بعض "لوردات" مجلسنا
التأسيسي مَنَحوا لقب نيابتهم إلى مَن شاؤوا من الأحزاب غير تلك التي ترشحوا
باسمها وتداعت إلى أسماعنا شهادات على أنّ بعض" لوردات " التأسيسي
اتّجروا في ألقابهم أيما اتّجار فورّثوها إلى من دفع مقابلها ثمنا مجزيا من بين
الأحزاب أو الشخصيات...
خبا ألق
الرمز وفقد سرّه الثوري فرأينا من النوّاب من يقف في وجه تطبيق القانون على ابنه
أو أخيه وإن اُتّهِم بالإرهاب أو التّهريب...
***
وحان
موسم قِطاف الترشحات للانتخابات الرئاسية ,فرأينا آخر سقطات الرّمز وانحدار المثال
من عليائه تداعت إلى مسامعنا شهادات ممن خاضوا غمار تجربة الترشّح يخبروننا أنّ
بعض النواب لم يستنكفوا عن بيع تزكياتهم إلى "حصان كاليغولا" يوفّرون له
فرصة أو أملا في أن يحكمنا...
"حصان كاليغولا" المتهم بشراء التزكية من
"لوردات التأسيسي" قد يكون مصابا
باللاّسواء
النفسي الذي يبلغ حدّ كونه "بيدوفيل" يبشّر بمشروع "نكاح
القاصرات"
وقد يكون
ممّن سَاسَه سيّده المخلوع فأنشأه على الظلم والإفساد في الأرض...
***
سقط
الرّمز السياسي الأخلاقي الثوري...تهافت المثال المُقتَدَى...وانبعثت ثقافة
الانتهازية واستغلال النفوذ من رماد الحلم بتأسيس قيم جديدة وثقافة مختلفة ذاك
الرماد الذي عصفت به رياح "مجلس اللّوردات" الذين سمحت لهم ألقابهم
بتجاوزات قانونية تقصُر دونها المساءلات القانونية , والمساءلات السياسية
والأخلاقية...
***
ألا
أيّها المزكّون "لحصان كاليغولا" كيف تزايِدون-بعد ذلك- على العاطلين
والجائعين إن هم باعوا إمضاءاتهم لنفس "الحصان"؟
سقط
الرمز...تهافت المثال...فبأيّ ألق سيهتدي الناس الذين رأوا كثرا في "مجلس
اللوردات التأسيسي" يفقؤون أعين النور , نور القيم الجديدة والثقافة
المختلفة...
يفقؤون
أعين النور ويختارون مواصلة السير في شعاب الانتهازية واستغلال النفوذ...
على خطى "كاليغولا المخلوع
"وبطانته
كُثر هم
أولئك الماكثون في "مجلس اللوردات التأسيسي" مردّدين ما ردّد الامبراطور
الروماني: "أنا أسرق بصراحة...أنا أسرق جهرا" ...
فعن أيّ ألق
تراهم بعد ذلك يُخبِرون ؟ وبأيّ قطيعة مع زمن "كاليغولا" يحدّثون؟
-نص بقلم فتحي
البوزيدي-
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire