لئن
علّق العديد و خاصة
من جمهور السياسة على
موجة الترشحات التي تقدمت من أجل الظفر
بكرسي رئيس الجمهورية و كثرة الراغبين
في الدخول القفص
الذهبي الرئاسي و بروز وجوه لا علاقة
لها بالمجال بأن الانتخابات
الرئاسية " تشلّكت " وأصبحت بلا هيبة
ولا قيمة و الرئاسة فبعد أن كانت مكانتها
في العلالي و مرتبتها محفوظة في أرقى
الدرجات و أعلاها تدحرجت
إلى الحضيض و
أصبحت في أسفل السافلين
حتى بات كل من هبّ و دبّ
من المفلس إلى
التافه إلى المختل فكريا و عقليا
يرغب في سدة الحكم
في قرطاج رغم كونهم لا يملكون أدنى الشروط لتمثيل
المواطن لا في الرئاسة
و لا في البرلمان
بل لا يستأمنون حتى في المجالس
البلدية، على اعتبار أن أغلبهم يعاني من عقدة اللسان والمواجهة المباشرة مع المواطنين،
وقد ظهر ذلك جليا خلال اللقاءات التلفزية
و في الساحات العمومية والمقاهي، وعجزهم حتى عن جمع بعض الأشخاص لطرح أفكارهم وبرامجهم
الانتخابية، لا لشيء سوى لأن أغلبية هؤلاء المترشحين لا يملكون من مستوى المعرفة العلمية
ولا الفكرية ما يمكنهم من إقناع الناخبين بأفكارهم ...
و أمام هذا الانتقاد اللاذع و الحملة
الرعناء على الانتخابات
الرئاسية بان لنا في خضم هذا
المشهد المختلط ما يستحق
التحليل خاصة إذا غيّرنا
موقع الرؤية واخترنا زاوية أخرى و
جمعنا المترشحين في
مجموعات لا وفق انتماءاتهم
السياسية و إنما بناء إلى
المدارس التي ينتمون إليها
حيث لاح في الأفق
وجود 3 مدارس على
الاقل وهي كالآتي :
·
مدرسة الحرس الجديد : و يمثلها كل من
المنصف المرزوقي و مصطفى بن
جعفر و الباجي قايد
السبسي وهي المدرسة
التي تمكنت من
قيادة سدة البلاد
بعد ثورة 14 جانفي 2011
·
مدرسة الحرس القديم :و نعني بها وزراء
العهد السابق وهم منذر الزنايدي و عبد الرحيم
الزواري و مصطفى كمال النابلي و كمال
مرجان .
·
مدرسة الحقوقيين :و نعني بهم
المنتمين إلى سلك الحقوق و
القضاء و نخص بالذكر كلثوم
كنّو و الحبيب الزمالي و محرز
بوصيان و عبد الرزاق الكيلاني .
و المتأمل في سباق
الانتخابات نحو قرطاج بتروّ يلحظ أن المعركة
الحقيقية هي ليست
معركة وجوه فحسب
بل هي معركة ملل و مدارس
وانتماءات وبالتالي فان وسط هذا طفرة المدارس ومن
يمثلها من المترشحين ما
يجعلنا نستبق نتائج الانتخابات و نبسط بعض مقومات
الفشل للبعض وأعمدة النجاح للبعض الآخر التي قد تجعلنا نستقرئ
ما ستفضي
إليه هذه الانتخابات
الرئاسية .
ميل التونسيين
ما هو مؤكد أن الشعب التونسي بل قل
الناخبون لهم رؤية قد تكون
موّحدة حول مواصفات
الرئيس الجديد و لا يتطلب أمر فهم إدراك
الناخب التونسي و توجهاته
بحثا سوسيولوجيا -نفسيا و إنما
تجد الإجابة من صدى
المقاهي و الشوارع، إذ يشترك أغلب
الناخبين تقريبا في رغبتهم أن يكون رئيس
الدولة شخصية كفأة و مستقلّة
وغير متورط في التعذيب
و لا في الترهيب سابقا و حاضرا و لم تتعلّق
به شبهة فساد و لا
يكون داعما للإرهاب ولا محتضنا للمنظمات التي تتبنى
العنف فضلا عن السنّ والعلاقات الخارجية والحنكة في
فهم المسائل الاقتصادية
المعقدة و القدرة على السير بتونس بثبات نحو المستقبل ... و بناء
عليه لابدّ من التساؤل أين تتوفر هذه
المواصفات أو حتى بعضها في المترشحين
للرئاسة من جميع المدارس
المذكورة سلفا ؟
1/ مدرسة الحرس الجديد: في الهمّ عندك ما تختار
من المترشحين للانتخابات
الرئاسية من مسكوا
بمقود الحكم بعد
ثورة جانفي وسقوط النظام
التجمعي و نعني بهم
الباجي قايد السبسي الذي جيء به
بعد سقوط حكومة محمد الغنوشي والمنصف
المرزوقي ومصطفى بن
جعفر اللذين افرزهما برلمان التأسيسي
بعد انتخابات 23 أكتوبر 2011 ... فبالنسبة إلى الأول
ونعني به قايد السبسي
مرشح نداء تونس فلئن اصطفت وراءه
عديد الأصوات و ناصرته زمن
حكومة الترويكا فإنه
بعد سقوطها تخلّى عنه العديد من
التونسيين خاصة بعد الفرقعة
التي حدثت في
حزبه الفتي و ما برز فيه
من تصدعات و انشقاقات بسبب
الاعتباطية والقرارات العشوائية و سياسة
التوريث التي توّخاها ... ورئيس الحكومة الانتقالية بعد محمد الغنوشي ارتكب حماقات
في الإدارات والتجأ إلى مبدأ
الترضيات حيث أثقل
كاهل الدولة بالانتدابات والزيادات
غير المدروسة و تستر على الفساد خاصة فيما
سمّي بملف مصادرة أملاك الدولة من خلال سياسة
الانتقاء المتمثلة في فتح عين على الوجوه الفاسدة و إغماض الأخرى عن
البقية ... و ما يمكن الاشارة
اليه في
ملف ترشح الباجي قايد السبسي
إلى الرئاسيات هو القناعة التي بدت مترسخة لدى قاعدة الحزب في التصويت للنداء في التشريعية و اختيار مرشح آخر للرئاسية على اعتبار ما يتردد في أوساط الحزب أن الباجي قايد السبسي
تقدم في السنّ وتسييره للرئاسة في ظرف دقيق
تسير فيه البلاد يعدّ ضربا من المستحيل ...
وأما
فيما يخص ترشح رئيس الجمهورية الحالي المنصف المرزوقي إلى الانتخابات وحول
حظوظ فوزه في الموعد الاستحقاقي
القادم فقد بدا الأمر شبه محسوم لدى القاصي والداني على اعتبار ما توقف
عليه الشعب عن
بكرة أبيه من اهتزاز وسقوط
مدو لرئاسة الجمهورية زمن
المنصف المرزوقي حتى أن العديد ردد
:" يا داوود شعفة و توبة كان مازلت
تعاود"... فالذاكرة الجماعية
التونسية ما تزال تذكر ما حدث لرئاسة الجمهورية والإضافة التي
قدمتها خلال 3 سنوات
العجاف و الكلّ ما زال يتذكر
شطحات الرئيس و أخطائه
و تصرفاته التي فاقت الحدود و لن
يسمح المجال بتعديدها و لكن ما يمكن
استخلاصه أن تجديد
الثقة في المرزوقي للمواصلة على سدة الحكم من بوابة قرطاج يعدّ ضربا
من المعجزات ...
وآخر
ممثلي هذه المدرسة
رئيس المجلس التأسيسي مصطفى بن جعفر
والذي لئن أفرغ
حزبه التكتل من الكوادر
والمناضلين الكبار و أحاط نفسه بحاشية
خفيفة الوزن قيل عنها أنها ذات أصول
انتهازية و ابتزازية فإنه
يعدّ الأقرب للفوز في الدورة الأولى للانتخابات ممثلا
لمدرسة الحرس الجديد على اعتبار أنه نجح
في إرساء دستور توافقي وكان كيسا
عندما علّق أعمال المجلس التأسيسي
حين انسحبت المعارضة ولم يتورط
في دعم الإرهاب و احتضان الجمعيات المشبوهة
على غرار رابطات حماية الثورة و
ظل محافظا على هيبته
رغم ما حدث داخل قبة التأسيسي
من مهازل وفضائح ... و بن
جعفر يحسب له أنه حقق شيئا من
المكاسب التي ظل يذكرها أهل السياسة رغم طول
المدة التي قضاها على رأس التأسيسي و التي طالت عن اللزوم .
2/ مدرسة الحرس القديم... الزنايدي
والنابلي دون منافسة
ما
يمكن الجزم به أن ابرز المنتسبين إلى هذه
المدرسة و نعني به
عبد الرحيم الزواري سيكون مآله الفشل وسيلفظه
الناخب لفظا و يأتي هذا الاستنتاج
من خلال تورط عبد الرحيم الزواري في عديد الملفات
الخطيرة على اعتبار أن الرجل يعد
من أعمدة التجمع المنحل و أحد ابرز
الوجوه التي شرعت للفساد و لهفت
أموال التونسيين و فتحت الباب على
مصراعيه أمام الطرابلسية للنهب حدّ الثمالة ... فالشعب ما يزال يذكر بناية التجمّع التي
شيدت من دم التونسيين
و على حساب
قوتهم اليومي تلك البناية المؤلفة
من 17 طابقا و أكثر من 300 مكتب والتي كانت أكثر شهاقة وارتفاعا في وسط العاصمة
في دلالة أن الحكام الديكتاتوريين
يفضلون البنايات الشاهقة ( IGH)
...
ثم إن الزواري
الذي مسك بتلابيب وزارة
النقل قد جعلها مرتعا
للطرابلسية ومنحهم المشاريع
الكبرى و طوّع الوزارة لهم و
لنا أن نذكر في هذا السياق مشروع النقل الحضري الخاص الذي فاز به صخر الماطري و الفضاءات
الحرة في المطارات التي استحوذت
عليها عائلة " الحجامة"
و شركات الطيران على
غرار شركة كارطاقو التي منحت لبلحسن
فضلا عن وكالات السيارات و غيرها من
المشاريع الأخرى التي تدرّ ذهبا
... والزواري ظل منعوتا
لدى أغلب التونسيين بكونه متسلقا من أصول
تجمعية حافظ عليه المخلوع طيلة 23 سنة
ثم جنده حامد القروي
بعد الثورة وجعله مرشح
الحركة الدستورية في حركة رأى فيها
العديد من التونسيين
إهانة للثورة و شهدائها ...
و أما الوجه الثاني في نفس المدرسة فهو رئيس حزب
المبادرة كمال مرجان والذي قاد وزارتين
سياديتين في عهد
النظام المخلوع ... ومرجان
الذي تدنت حظوظه
خاصة بعد الشرخ الذي
أحدثه في حزبه
وموجة الاستقالات التي ضربته
جرّاء السياسة البليدة
التي اتخذها من
خلال إعادة الوجوه "
المحروقة" والتي كرهها الشعب
كرها شديدا و جعلها
على رأس قائمات الحزب
على غرار أحمد السعيدي عن قائمة سوسة ...فالاعتقاد مازال راسخا
لدى معشر التونسيين في كون عودة مرجان
إلى الحكم من قصر قرطاج فيه خطر
على الثورة و متمثلا خاصة في إمكانية
عودة النظام القديم من الباب بعد أن أطرده
الشعب من الشبّاك ... ممّا يوحي أن
فوز مرجان في الانتخابات الرئاسية حلم صعب المنال .
في نفس المدرسة يبرز بريق الأمل في
كل من منذر الزنايدي و مصطفى كمال النابلي
فالأول ونعني به وزير الصحة و التجارة في حكومة بن علي
يشهد له الجميع بنظافة يده
وقربه من القاعدة
واستقباله في مطار قرطاج
و التزكيات التي حظي
بها يؤكدان التفاف قطاع واسع من
الجماهير حوله ثم إن الزنايدي الذي قاد
وزارتين تقنيتين لم يعرف
عنه التاريخ أنه تورط في
التعذيب أو الترهيب أو عرف عنه أنه
اقترب من العائلات الفاسدة بل ظل محافظا
على طبعه " القصريني" و باب وزارته مفتوح أمام
الجميع ... ولئن يحمل
الناخبون احترازا على الزنايدي ومشاركته في حكم نوفمبري
قهر الناس وشغل الدنيا
فإن ما حصل بعد الثورة من تغوّل
الترويكا وما أفرزته سياستها من
دمار جعل التونسيين يرون في
سياسة التجمع رحمة ...
أما
الثاني ونعني به
مصطفى كمال النابلي المحافظ السابق للبنك
المركزي والمستقيل من وزارة التخطيط و الاقتصاد في عهد
النظام السابق ينطلق بأوفر الحظوظ
لا لتجاوز المرحلة الأولى من الانتخابات الرئاسية فحسب
بل للتربّع على كرسي الرئاسة ... و مصطفى كمال النابلي يحظى بدعم
شعبي كبير من الشارع
السياسي كما من نوّاب البرلمان
التأسيسي نظرا لسيرته
الزاخرة و لاعتباره أحد قامات البلاد
وكوادر الاقتصاد في تونس فضلا
عن إشعاعه الدولي مما
يجعل المواصفات المطلوبة
للرئيس الناجح تتوفر فيه
... والنابلي الذي قدم
فضلا عن ملف ترشحه
شهادة طبية تثبت صحة مداركه
العقلية و البدنية جعلت الناس يمنحونه ثقة
لامتناهية زادته عقلانية
خطابه وهدوئه و تفكيره
المستفيض و إلمامه بمشاكل البلاد
و العباد ثقة على ثقة ... والجدير بالقول أن النابلي استطاع
رغم حالته الاجتماعية وهو المنحدر من
عائلة بلا سند إذ توفي والده
وهو طفل صغيرا أن
يصعد في سلّم
النجاح و يحصل
على أرقى المناصب من مدير بورصة
الأوراق المالية إلى
وزير التخطيط فمحافظ البنك المركزي
و ينهل من بحر العلوم منطلقا من
معهد الذكور في
سوسة وصولا إلى
جامعة كاليفورنا و غيرها من المحطات
الجامعية الكبرى ... مما زاد توهجا للرجل تلك الاستقالة التي قدمها في عهد
بن علي لمّا كانت الاستقالة غير مسموح بها من وزارة التخطيط
و الاقتصاد في حركة احتجاجية
على تغيرّ الخط السياسي للنظام
من خلال التشديد
على الحريات و أيضا على
السياسات الاقتصادية الغامضة
و الفاسدة التي
توّخاها ... و بناء على نزر مما ذكر و إضافة إلى عدة نقاط مضيئة تجعل الرجل
يحمل رقم 1 في الانتخابات الرئاسية المقبلة غير أن الحكم الفيصل يعود لجمهور
الناخبين
مدرسة الحقوقيين...قليل من الأمل كثير من
الفشل
هذه المدرسة
التي ينبثق منها جمع
من القضاة يبدو للوهلة الأولى أنها
زائلة دون عودة على اعتبار قلة خبرة
المتقدمين للانتخابات الرئاسية
.. ومع ذلك تبرز في الأفق
حظوظ القاضي و رئيس اللجنة
الاولمبية محرز بوصيان في اجتياز
الدورة الأولى كبيرة رغم ما
تفطن إليه الناخبون
من الحملة الباكرة التي مررها في
كتابه " هذه رؤيتي
لتونس " على الطريقة الأمريكية و جعل صورته تكتسح
الشوارع الكبرى من خلال اللافتات
العملاقة التي يرنو منها إلى تمرير برنامجه الانتخابي
لا تسويق كتابه
...فيما سيحكم الصندوق على ما يبدو
على كل من كلثوم كنّو و
العميد السابق و النهضوي
اللاحق عبد الرزاق
الكيلاني بمغادرة السباق خاليي الوفاض ... و لئن أكدنا في عدد سابق أن القناعة الشعبية التونسية لم
تقبل بعد بترؤس امرأة رئاسة الجمهورية فإننا نضيف اليوم أن سياسة كنّو
في جمعية القضاة تجعلها غير قادرة
على تجاوز الدورة الأولى من الانتخابات
فضلا عمّا يعرف عن
المرأة من عدم استقرار اجتماعي يجعلها
بعيدة عن كسب أصوات
الناخبين ...و أمّا الكيلاني
فحدّث و لا حرج فتاريخه حافل بالمهازل
ولا تسمح الورقة بتعدادها غير أنّ ما يمكن التأكيد عليه أن مشاركته في حكومة الفشل في عهد
حمّادي الجبالي كفيلة بإقصائه من سباق قرطاج .
رباعي في المراتب الأولى
يبدو منذ الوهلة الأولى أن الهرولة نحو قرطاج
ستقتصر على أربعة أسماء على رأسها مصطفى كمال النابلي يليه منذر
الزنايدي فمصطفى بن جعفر
وبدرجة أقل محرز بوصيان .. غير
أن خلاصة القراءات تندرج في باب
التكنهات فيما يبقى لب الحقيقة رهين ما سيفرزه صندوق
الانتخابات
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire