ما كادت وزارة الداخلية تنتهي من نزع الأشواك التي ضربتها حول أسوارها نهار
الثلاثاء 27 ماي 2014 جانفي منذ ثلاث سنوات حتى استمعت ليلا إلى دوي الرصاص يلعلع
في القصرين في محيط منزل وزير الداخلية لطفي بن جدو قاصفا أعمار أربعة من رجال
الأمن ولم يتجاوز أكبرهم 21 ربيعا مخلفا
عددا من الجرحى ... وما كادت الروايات
المحدثة بأن الشعابني قد طهر حتى عادت برك الدم تفسد ليل مدينة القصرين
وصباحها ..فصل آخر بل قل فصل متجدد من فصول الموت المروع وحادثة فظيعة أخرى من
الأحداث التي هزت الرأي العام في تونس معلنة أن الوضع في بلدنا مقلق جدا..ولا شك
في أن التريث في قراءة ما وراء الحدث يجعلنا نطرح أسئلة قديمة جديدة، أسئلة حارقة
كنا قد طرحنا أغلبها على أعمدة صحيفتنا وتعلق أكثرها بعلاقة الإرهاب والتهريب
وبالاختراقات الكبيرة في المؤسستين العسكرية والأمنية. ولا شك أيضا أن مقالاتنا في
الصحيفة الورقية وعلى المحامل الإلكترونية حول الأمن الموزاي ورابطات الثورة
والدور الآثم الذي لعبه أنصار حركة النهضة ولا سيما كبيرهم راشد الغنوشي وحول والي القصرين السابق محمد سيدهم والمدير العام
السابق للديوانة محمد المدب تقف شاهدة على ما بذلته الثورة نيوز من بحوث استقصائية
استشرافية من أجل التوقي من الإرهاب ..ولكن ..؟
أسمعت لو ناديت حيا:
كثيرة هي الدعوات التي أطلقتها الثورة نيوز منذ الإرهاصات الاولى التي بدأ
فيها الإرهاب يعشش في الجبال قبل أن يفرخ ليرتحل ويحط عصا ترحاله في المدن وكادت
صحيفتا لا تترك أسبوعا يمر دون أن تشير إلى أن الورم الذي ابتليت به تونس سينمو
ويكبر ما لم يتم استئصاله وتجفيف منابعه
ويذكر قراءنا الكرام كم كتبنا حول الإرهاب والترهيب في تونس عموما وفي مدينة
القصرين خصوصا في الفترة التي كان فيها علي لعريض وزيرا للداخلية ثم رئسا للحكومة
... ولكن التعاطي السلبي المقصود من الترويكا ومن دار في فلكها من بعض إطارات المؤسستين
العسكرية والأمنية من جهة والتستر على الإرهابيين والمهربين يؤدي من جديد إلى ضربة موجعة لرجال الأمن
الشرفاء .. ضربة تطور فيها استراتيجية الإرهاب فمن الجبال إلى المدن ومن الاغتيال
السياسي إلى استهداف رموز الدولة .. وقد لا ترانا في هذا المقام في حاجة إلى
التذكير بما نطق به السياسيين كالقول بأن الجبال لم تكن مأوى للإرهابيين بقدر ما
نحن في حاجة إلى الدعوة مباشرة إلى ضرورة رحيل وزير الداخلية لطفي بن جدو الذي ما
فتئ يؤكد من حادثة إلى أخرى أنه من أفشل وزراء الداخلية الذين عرفتهم تونس ...
مسرحية غريبة : تعددت الروايات و الموت واحد
قد لا يخفى ما في الحادثة التي أودت بحياة أربعة شبان من المؤسسة الامنية
من رسائل عديدة بعث بها أصحابها إلى الشعب التونسي عموما وإلى رموز الدولة خصوصا
والتي يمكن أن نجملها في أربعة محاور رئيسية :
أولا : أكد مقترفو هذه الجريمة النكراء أنهم
هم الفاعلون وأنهم هم المبادرون وأنهم هم من يعلن بداية الحرب و أنهم هم من يعلن
نهايتها ...وما كان لهم أن يذهب يعتقدوا هذا الاعتقاد لو لم يجدوا مساندة ومباركة
من لدن حركة النهضة التي تسترت على جرائمهم بل وأعانتهم عليها وذهبت في إبعاد تهمة
الإرهاب عنهم مذاهب عديدة .ولا شك أن ذاكرة التونسي ليست قصيرة حتى تنسى قول راشد
الغنوشي " إن الاوضاع مرشحة لتطورات يعسر التنبؤ بها أمنيا واقتصاديا وقد
تبلغ حد قلب الأوضاع جملة وتهديد مسار الثورة لصالح الثورة المضادة أو في اتجاه
الصوملة " ولا يحفي ما في هذا القول من وعيد وتهديد ..
ثانيا : أكد الإرهابيون أنهم أكبر من الدولة وأن يدهم الطولى يمكن أن تصل إلى ما لا يخطر على
بال وأن لا شيء يقف أمامهم فهو قادرون على الوصول إلى رموز الدولة إذا ما أحسوا
بأن الدولة تقف حائلا دون الإرهاب والتهريب . ولا شك وليست حيثيات مسرح العملية
الاخيرة سوى دليل قاطع على ذلك .فمنزل وزير الداخلية بن جدو يبعد أربعة أمتار على منطقة
الحرس الوطني و500 متر على منطقة الأمن
الوطني والسيارات التي استعملت في تنفيذ
الجريمة ليست سوى سيارات الديماكس السيارات المفضلة للإرهابيين ، والشماريخ التي سبقت الرصاص الحي ليس إلا بضاعة من بضاعة
المهربين مع العلم وأن تونس شهدت في المدة الأخيرة حملة غير مسبوقة على التهريب جاءت هذه العملية بعد ساعات قليلة من احباط مخطط ارهابي كان يستهدف اغتيال قيادات
سياسية و أمنية ويروم نسف الاقتصاد
التونسي . كما جاءت هذه العملية بعد أيام قليلة من زيارة رئيس الجمهورية المؤقت
منصف المرزوقي إلى ولاية القصرين بعد حادثة الألغام الاخيرة .
ثالثا : تؤكد هذه الحادثة اختراقا كبيرا
للأجهزة الأمنية والعسكرية ، وإذا كانت القصرين التي تعرف تحصينا أمنيا وعسكريا
مشهودا بسبب جبل الشعانبي قد حصل فيها ما حصل فمن حقنا أن نتساءل عن حال الولايات
الأخرى . ولعل أكثر ما يدعو إلى الغرابة أن المجموعة الإرهابية فعلت ما فعلت في
أريحة مطلقة. فالمجموعة التي تتكون من أكثر من 10 أشخاص تسللت من جبل السلوم من
ولاية القصرين ودخلت المدينة مطمئنة فقد
مهدت بالفوشيك ثم رمت بالرصاص لمدة ساعة
إلا ربع كما روى أحد الأمنيين المصابين من
رجال الأمن وأرادت الذبح ولا من منقذ ثم اختفت وتوارت في أدغال الجبال بعيدا ذلك
أن قوات الأمن لم تحل بعين المكان إلا بعد نصف ساعة وفي رواية أخرى بعد ساعة ؟؟ وما دمنا قد وصلنا مجال الرواية فلا بد من
التأكيد على أن الشهادات التي رافقت هذه الحادثة متضاربة غير متماسكة لا تعرف
الاتفاق إلا للاختلاف ولا التقارب إلا للتباعد .فحول المجموعة الإرهابية قالوا
إنهم ستة سابعهم سيارة ديماكس وقالو إنهم خمسة عشرا نفرا تقلهم سيارة فورد بل قالوا إنهم عشرون شداد غلاظ ..
بعض الروايات
تشير إلى أن بعض القيادات الأمنية بالجهة لم تكن على علم أصلا بالحادثة وذهب في
ظنهم أنها حملة للكلاب السائبة .يقال كل هذا والقصرين تعج بالمراكز والمناطق
والأقاليم فضلا عن عدد كبير من قوات الجيش الوطني . مشهد غريب نامت فيه عين الرقباء وروايات أغرب
أكثرها لا يصدقها البلهاء ..ولكن تعددت الروايات والموت واحد ..موت يذكر بتلك المرارة التي عبر عنها الشاعر نزار
قباني في قصيدته " جريمة شرف أمام المحاكم العربية "
مازال يكتب شعره العذرى قيس
واليهود تسللوا لفراش ليلى العامرية
حتى كلاب الحى لم تنبح
ولم تطلق على الزانى رصاصة بندقية
رابعا : تؤكد هذه الحادثة ومثلما قلنا مرارا
وتكرارا على أعمدة هذه الصحيفة أن الأرهاب والتهريب صنوان لا يفترقان وأنهما مع
الاعتذار عن هذا التمثيل كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد
بالسهر والحمى .
تبقى الاسود أسودا :
حصيلة عملية القصرين ثقيلة موجعة أربعة من
رجال الأمن الشبان قضوا نحبهم وهم رضا عجيلي: أصيل القيروان ونيفر عيادي:حافظ
أمن الطريق العمومي وأصيل القيروان أيضا وعلي غضباني:حافظ أمن في سلك النظام العام أصيل القصرين ورضا الشابي
:ملازم طريق عمومي وأصيل القصرين أيضا رحمهم الله رحمة واسعة وتقبلهم من الشهداء
..ومن جديد يكون المستهدف بالموت هو رجل الأمن ولكن على غير العادة نقف هذه المرة
متسائلين هل المقصود الأمن في مفهومه العامة يجسده في هذه الحادثة رجال الأمن
الذين قضوا نحبهم أو يمثله وزير الداخلية الذي دارت العملية حول منزله وخرج جميع
أفراد أسرته والحمد لله سالمين ناجين ؟؟
لسنا ممن يعلم
السرائر أو يرجم بالغيب ولكن نستبعد أن يكون وزير الداخلية أو أفراد عائلته هم المقصدون
بهذه العملية رغم أن بن جدو اعتبر هذه الجريمة الإرهابية رسالة شخصية من الإرهابيين،
متحدثا عن توقعه لاستهدافه لأنه كان محل تهديدات متككرة وخوفنا بل إن الرسالة فيما نرى واضحة استهداف معنويات رجال الامن جزاء لهم على ما
فعلوا في الأيام الفارطة وخاصة في حربهم التي شنوها على الإرهاب والإرهابيين
..ولكننا على يقين أن في وزارة الداخلية وفي المؤسسة العسكرية شرفاء أمناء سيذودون
عن الوطن وسيحمون حدوده وسيواصلون ما بدأه أسلافهم منذ ثورة 14 جانفي فلأيهم جميعا
تحية تقدير وامتنان .
إن جريمة القصرين
تؤكد مرة أخرى أننا دخلنا منعرجا خطيرا لا يمكن فيه أن نبقى في منزلة بين
المنزلتين فإما حياة وإما فناء ولا ريب أن شرفاء الداخلية وما أكثرهم سينتصرون على
الخونة منهم وما أقلهم أولائك الخونة الذين يريدون تحقيق رسالة كبيرهم الذي دعا
إلى الصوملة ولكن هيهات فتونس أكبر من المهربين والإرهابيين وأكبر من الأخوان .
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire