يكتسي الأرشيف أهمية بالغة باعتباره أداة عمل
وتصرف يحفظ حقوق الأشخاص والهيئات، وييسّر عمل الرقابة والتقييم، كما أنه مصدر للبحث
العلمي والتاريخي وركيزة من ركائز الهوية الوطنية. وقد عرّف الفصل الأول من القانون
عدد 95 لسنة 1988 المؤرخ في 2 أوت 1988 والمتعلق بالأرشيف، بأنه مجموع الوثائق التي أنشأها أو تحصل عليها أثناء
ممارسة نشاطه كل شخص طبيعي أو معنوي وكل مرفق عمومي أو هيئة عامة أو خاصة مهما كان
تاريخها وشكلها ووعاؤها، تحفظ هذه الوثائق وتجمع أرصدة الأرشيف لفائدة الصالح العام
تلبية لحاجيات التصرف والبحث العلمي وإثبات حقوق الأشخاص.
والأرشيف هو في
الحقيقة ليس مجموعة من الوثائق الأرشيفية المنظمة من خلال العمليات الفنية
المتمثلة في الاقتناء والتصنيف أو الفهرسة بغية الحفاظ عليها وتيسير سبل الاستفادة
منها عن طريق إعداد وسائل الإيجاد المناسبة وتقديم الخدمات للمستفيدين من الأرشيف
و إنما هو عنوان الحقيقة ولبّها و شاهد حي على الفصول و المجريات التي شهدتها الإدارة و معاملاتها ... بل هو خير دليل على طهر بعض المسؤولين وفساد البعض الآخر ...
والحقيقة الكاملة اليوم أن
جزءا من الأرشيف المتضمن لعديد الوثائق تعرض لعملية عبث مقيتة اختلفت كل عملية في
الغاية والوسيلة التي
بها و من اجلها وقع إتلاف الأرشيف ... حتى أن العديد من الذين تعلقت
بذمتهم ملفات مشبوهة لم يجدوا ضالتهم في الأرشيف
بعد البتر الذي حفّ به...و الحقيقة الأخرى أن عديد الوثائق الإدارية وقع نهبها تحت
ظلمة الليل و في وضح النهار و كانت وراء عمليات النهب غاية الابتزاز خاصة للذين تورطوا زمن الجمهورية الأولى البائدة ...
عينات من أرشيف
كثيرة
هي الإدارات التي عرف أرشيفها الإتلاف و
النهب و تم سحب عديد الوثائق من تحت أبوابها سرّا و
خفية ولتبقى أشهر عمليات النهب التي وقعت
للأرشيف تلك المتعلقة بأرشيف التجمع و أيضا أرشيف البوليس السياسي ...كما عرفت عديد المصالح الإدارية إتلاف أرشيفها
و نهبه وأهمها التفقدية
العامة لقوات الأمن الداخلي و الديوانة .
أرشيف التجمع
23 سنة من خفايا و أسرار شملتها بناية التجمع المقبور و 23 سنة من مخططات و دواليب ظلت بعيدة عن أعين الناس لا يعرف كنهها احد…هو أرشيف حزبي غزير المحتوى و متعدد المحاور ..وهو أرشيف حزبي يؤرخ لمسيرة نظام لم يخلّف إلا الخراب …وهو أرشيف حزبي يعد وزنه بالأطنان …و حوله يكون السؤال الذي طالما غاب عن الرأي العام و الهت مشاكل الثورة و مخلفاتها الناس عن الحديث عنه و فتحه و تداوله لذلك غاب السؤال عن مصيره و أين هو الآن ؟ و من يحتفظ به ؟ و جواب السؤال هو بمثابة الصدمة الكبرى فعلا على اعتبار أن دار التجمع التي تحرسها ترسانة من العسكر و الجيوش التونسية ليست سوى ” سقف و قاعة” و لم يعد بداخلها شيء يذكر على اعتبار أن أرشيف التجمع و تجهيزاته و الخواتم و الطوابع و حتى الأوراق العادية كلها نهبت و سرقت تحت “حس مس” نعم لقد سرق أرشيف التجمع و ما يحتويه من معلومات و مخابرات و قوائم إدارية و مالية و أسماء مورطة ...
و عملية سرقة أرشيف التجمع حتما هي من اكبر السرقات
التي شهدتها الدولة التونسية ليس اعتبارا لقيمتها
المالية فحسب وإنما اعتبارا لقيمتها العدلية أو لم يقل ابن خلدون ” إن العدل أساس العمران”
… و تعود أطوار عملية السرقة بعيد أيام قليلة من حكم الترويكا و أيام كان علي العريض
وزير الداخلية و نور الدين البحيري وزير العدل و الجنرال عمّار رئيس الأركان الثلاثة
…
و تؤكد وقائع عملية السرقة التي استقصتها الثورة نيوز أن العميد الشاذلي الواعر ( أبوه ضابط عسكري متقاعد يقطن بحي الضباط بجهة خزندار القريبة من دار المخلوع القديمة ) آمر
فوج المشرف على القطاع العسكري بشارعي الحبيب بورقيبة و محمد الخامس على اعتبار حيوية
الشارعين لما فيهما من مقرات لمؤسسات المال و الأعمال و الأمن قد توصل عن طريق شخص
قدم على متن سيارة استرا ترقيمها المنجمي (03) أي تابع لوزارة العدل بوثيقة تثبت انه موكل لحمل أرشيف دار التجمع …
العميد
من جانبه اتصل بالقيادة و تحديدا رئيس الأركان الثلاثة الذي أعطى موافقته على العملية و فعلا اقتحم الشخص المجهول مع وفد من العّمال دار التجمع و انهمك في العمل .. و أولى خطوات نهب أرشيف التجمع بدأت من الطابق الثاني طابق الاستخبارات
و الوثائق الأمنية ثم تم الاستحواذ على الوثائق السياسية قبل الوصول إلى الوثائق المالية … و المتأكد في عملية السرقة هذه
المعطيات التالية :
- أن العمال الذين جيء بهم لنهب الأرشيف لم تطأ أقدامهم مطبعة الساجاب حيث لم تمنح لهم التعليمات
بزيارتها .
- عملية حمل الأرشيف الورقي كانت في طرود مرقمة على
اغلب الظن أنها كانت تحمل عدد المكتب و رقم
الطابق.
- عملية النهب دامت أكثر من
أسبوع من النهب المتواصل.
و الجدير بالملاحظة أن أرشيف التجمع المنهوب تحصلت المجموعة الشهيرة
المعروفة بالفلاقة على جزء منه وقع تنزيل
نزر قليل جدا منه على صفحتها على شبكة
التواصل الاجتماعي فيما استغل البقية
لإغراض سياسية و أغراض مالية قد يكون
الابتزاز عنوانها الأول.
* التفقدية
العليا لقوات الأمن الداخلي و الديوانة
أعطى وزير الداخلية لطفي بن
جدو تعليماته بإحداث لجنة للقيام
بجرد و فرز أرشيف التفقدية
العليا للأمن الداخلي و الديوانة
التي تمّ حلّها بمقتضى الأمر عدد 43 لسنة 2011 المؤرخ في 2 فيفري 2011 .. و
اللجنة باشرت أشغالها من غرة افريل 2013 حيث قامت بجرد
و فرز داخل محلّ بالطابق الأرضي لإدارة
الأمن السياحي بنهج علي بن غذاهم
تونس و الذي سبق أن تمّ إيداع أرشيف
التفقدية العليا لقوات الأمن الداخلي و الديوانة المتكون
من عرائض و محاضر بحث و دفاتر تسجيل البريد الصادر و الوارد و دفتر المحجوز ... و قد تولت هذه اللجنة فرز هذه
الوثائق داخل المحلّ و حفظها بحافظات بلغ عددها الجملي 206 حافظة و أحالتها للكتابة العامة بوزارة الداخلية و شمل الأرشيف 6937
عريضة في السلك الأمن الوطني و 2387 سلك
الحرس الوطني و 522 عريضة في سلك الديوانة
و 140 عريضة في سلك الحماية المدنية ... و لئن شمل
الأرشيف عدد 824 عريضة بحث في سلك الأمن الوطني فان اللجنة لم تعثر على أي محضر بحث خاص بسلك الحرس
الوطني أو سلك الديوانة أو سلك الحماية المدنية ... الأمر الذي يطرح
أكثر من سؤال حول مآل أرشيف الأسلاك
الثلاثة ؟؟ و يجرّ وراءه أكثر إلزامية
القيام بتحقيق لمزيد التحري و الوقوف عند كل عمليات إتلاف لمحاضر البحث و أسبابها
؟؟
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire