mardi 7 janvier 2014

حراسنا يدفعون الثمن : العدل المزعوم و الامن المظلوم




 في الذكرى الثالثة للثورة التونسية ما تزال  البلاد تعيش مخاضا عسيرا في ظل التجاذب السياسي والتطاحن الزعاماتي على أنقاض حكومات متعاقبة لما بعد الثورة ونظام تهاوى يوم 14 جانفي 2011  .
فتتالت النتائج الوخيمة على أفراد الشعب التونسي بما حملته الثورة من مآسي القتلى والجرحى والمساجين ولم تر البلاد النور رغم ظهور بعض المؤشرات الإيجابية الخيالية من قبل بعض الساسة قصد طمأنة رعاع الشعب. 


 وانكشفت اللعبة السياسية بعدما تم الزج بالأمنيين في السجون بتهمة القتل العمد رغم غياب أركان الإسناد القانوني للجريمة المذكورة ، إضافة لتهم اصطناعية ومضحكة كجريمة إرسال تعزيزات وجريمة تسليح أعوان أمن وجريمة التخاطب بالهواتف الجوالة وجريمة تكوين خلية أمنية لمتابعة الأزمات ، وهي لعمري جرائم مصطنعة خالية من التوصيف القانوني لغياب المستند وتأسيسها خارج الإطار القانوني للمجلة الجزائية ومجلة المرافعات والعقوبات العسكرية ، بل الأدهى والأمر أن الجرائم المنسوبة تواترت جراء ضغوطات حقوقية مورست على النيابة العسكرية في ظل غياب أفراد المؤسسة الأمنية ممن آثروا الدفاع عن مصالحهم المطلبية وتجاهلوا زملاءهم من ضحايا الثورة التونسية ، كيف لا وبعض من القيادات الأمنية لفترة ما قبل الثورة قد أودعوا السجون بتهم ما أنزل الله بها من سلطان بتعلة حماية النظام الحاكم السابق .


 فهل يجهل الساسة اليوم أن رجال الأمن بمختلف الرتب هم مجرد أداة تنفيذ لدى السلطة التنفيذية بمباركة السلطة التشريعية تحت رقابة السلطة القضائية ، فبالأمس عمل الأمنيون في مختلف مهام حفظ الأمن والنظام العام طيلة عقود بتصديهم للجريمة ومحافظتهم على السكينة العامة لحماية الممتلكات العامة والخاصة وحماية الأرواح وضمانهم لسلامة الدورة الاقتصادية للبلاد والتي تم تامين حدودها من كل الانتهاكات المهددة للأمن الداخلي والسلم الاجتماعي ، كما لا ننكر توظيف النظام السابق لبعض مصالح وزارة الداخلية قصد التضييق على معارضيه بضربهم في عمقهم الاستراتيجي مثلما وظف القطاع الإعلامي والتربوي والرياضي في خدمة ديمومته ،


 لكن المحاسبة طالت الأمنيين بتعلة حماية النظام بضمان استمراره مقابل التغافل عن محاسبة أسود الثورة    ممن سوقوا لسياسة بن علي في المنابر التلفزية والصحف المكتوبة والإذاعات الوطنية والخاصة وفي البرامج التعليمية والتظاهرات الرياضية ، وممن طوعوا المنظومة القضائية لفائدة الآلة السياسية، فهل من العدل اعتماد سياسة المكيالين وهل من الأخلاق انتهاج المحسوبية والانتقائية أم أن الاستراتيجية السياسية تفرض تطويع من دجن سابقا وتركيع من ظلم قبل وبعد الثورة .


فمن المخجل اليوم ملازمة الصمت إزاء ما يحصل من محاكمات شعبوية   في المحاكم العسكرية لإطارات أمنية بدعوى قتل بعض من أبناء البلاد التونسية باعتماد تغطية تلفزية لجلسات قضائية لا تكفل مبادئ المحاكمة العادلة .
 فالمحاكمة العادلة تفترض أبحاثا معمقة وأعمالا تحقيقية مدققة بتوفر أسانيد قانونية وبراهين واقعية ونتائج تحاليل باليستية وشهادات سليمة من الطعون والتجاريح ترد متظافرة ومقترنة يتولى تفحصها قضاة المجالس الحكمية بعد وزنها وتأملها بسلطة مطلقة لقضاة الأصل مع إعمال للوجدان الخالص بعيدا عن التأثيرات الخارجية للعبة السياسية ، فسامح الله من أعد قرارات الإحالة على أنظار التحقيق ومن أفرد المساجين الأمنيين بقضايا متعددة الغاية منها الزج بهم في غياهب السجون طوال السنين بتعليمات عمودية لحامي البلاد والثورة الذي يزعم أنه أصدع باللاءات لنظام الولاءات ومصطنعا عذرية جديدة في الثورة المجيدة .


 وسامح الله بعض الحقوقيين ممن انتصبوا يكيلون التهم جزافا للأمنيين لاعتبارات ظاهرها ممارسة حق الدفاع عن الشهداء والجرحى وباطنها شعبوي سياسي مما أربك المحاكم العسكرية منذ مراحل التحقيق الأولى مرورا بالطور الأول وصولا للطور الثاني للتقاضي مما حجب حقوق دفاع المتهمين وحرمهم من مبدأ المحاكمة العادلة ، ناهيك أن المحاكم العسكرية لم تكفل للأمنيين جزءا من الإجراءات الجزائية كالسماعات لدى باحث البداية والمكافحات مع الشهود والمتضررين من الجرحى ، مقابل الصمت إزاء ما يتعرضون له من انتهاكات لفظية بقاعات الجلسات .


 ووزارة حقوق الإنسان والعدالة الإنتقالية لم تحرك ساكنا وظلت تسوق إزاء هذه الخروقات لخطابات شعبوية جوفاء ديدنها التسويف والمماطلة والتحامل بالتجاهل لقضايا الأمنيين وكأنهم مرتزقة أو أعداء للوطن الجريح .
 ومن هذا المنطلق تتأكد لدينا تصريحات وتخمينات القيادات الأمنية المسجونة التي زرناها بسجن إيقافها والتي تمسكت ببراءتها من دماء الشهداء ممن سقطوا قبل تهاوي النظام بذخيرة غير معتمدة بخزائن أسلحة وزارة الداخلية ، الأمر الذي عقد التحقيقات العقيمة المجراة من قبل بعض قضاة التحقيق ممن وجهوا الإدانة رغم غياب الأركان القانونية للجرائم المنسوبة ، وهو لعمري وصمة عار في جبين تاريخ القضاء التونسي مما قد يحكم على تصنيف تونس قضائيا في مصاف البوليزاريو والبورندي وجنوب السودان بعد المكانة المحترمة التي كانت تتحوز عليها دوليا ، وهل يثبت التاريخ يوما تدخل القائد العسكري للبلاد إبان الثورة في مسار القضايا المسقطة بإيعاز من محمد الغنوشي ومن تلاه قصد ضرب المؤسسة الأمنية في عمقها بغية تقزيمها باستباحة قادتها ومقراتها وأفرادها بالحرق والتصفية والسجن والفوضى حتى يتسنى التحكم في مفاصل البلاد في الأشهر العصيبة زمن الثورة التي قام بها الجياع واستأثر بها  غيرهم بعد تأمين عملية الإيداع .


 وهنا نتساءل عن أسباب عدم إتيان الكتاب الأسود للرئيس المرزوقي على أحداث الثورة وعدم تصنيفه للقيادات الأمنية التي عملت في نظام بن علي من خلال ما يملكه     من وثائق في الغرض إن ثبتت خدمتهم لبن علي عوض خدمة البلاد وتأمينها وحمايتها      من كل الإعتداءات الداخلية والخارجية .
 فالمحاسبة هنا قد اقتصرت على الأمنيين دون غيرهم من المناشدين والمطبلين والمنتفعين من علاقاتهم الخاصة بالنظام وعائلات قادته من الأصول والفروع وفق ما تضمنته وثائق الكتاب الأسود ، لكن الآلة الحقوقية لم تحرك ساكنا واكتفى بعضها بشجب عملية نشر الكتاب دون رفع دعاوى ضد المستأثرين بخيرات الشعب في جميع مصالح الدولة ومكونات المجتمع المدني .



 فهل هذا مدلول العدالة الانتقالية لوزارة سمير ديلو وهل يقدر القضاء العسكري على ضمان محاكمة عادلة لأمنيين عائلاتهم مشردة وهل يعود الصواب لمن يوجه الإدانة جزافا وهل يتدخل حكماء البلاد قصد إطلاق سراح الأمنيين مقابل تكفل الدولة بمسؤوليتها المدنية تجاه عائلات الشهداء والجرحى وهل يعلم أساطين القانون ببلادنا مدلول الفصل 42 من المجلة الجزائية الذي سيكون موضوع مقالنا اللاحق إن شاء الله ، وهل يعلم دعاة التدين والتسامح مدلول الدين الإسلامي الحنيف "برحمة عزيز قوم ذل" خصوصا بعد أن عفوا عن مجموعات إرهابية روعت البلاد سنة 2007 وأعادت الكرة بعد الثورة وما تزال  تنعم بمحاكمة عادلة وضمان حقوق الدفاع دون تحامل أو تدخل سافر .

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire