هل ينفرط عقد الإخوان كتنظيم عالمي
يمثّل حزب العدالة والتنمية التركي نموذجه العتيد,ويمثّل رجب طيب أردوغان رأسه
السياسي وتمثّل الحكومات الإخوانية الناشئة أو المتهاوية في مصر وتونس
وسوريا...أطرافه ؟
ماهي تداعيات سقوط حجر الدومينو
الإخواني التركي على سائر الأحجار الإخوانية؟
إنّ شبهة الفساد المالي التي فاحت
من بيت حزب العدالة والتنمية التركي الحاكم بعد أن أثار النائب العام التركي
"معمر أكاش" بحثا طال بعض وزراء أردوغان وأبناءهم ’ بل بلغ ابنه
"بلال أردوغان" قد تنتهي إلى سقوط الحكومة وقد تمتدّ إلى سقوط النّموذج
والمثال الإخواني فتفقد الحركات والتنظيمات الإخوانية خارج تركيا الراعي السياسي
وداعما اقتصاديا هاما بالنسبة إليها بل قد تفقد المرجعية وحجة المشروع السياسي
النموذجي الواقعي الذي طالما استندت إليه وزعمت أنّ تجسيده إحدى غاياتها
ولعلّ الخسارة الأخيرة هي الأخطر
على المشروع الإخواني العالمي فرجب طيب أردوغان الذي بدا طوال فترة حكمه ناجحا
أيّما نجاح في لعب دور البهلوان الذي يلهو بنيران محلية تجسدها المؤسسة العسكرية
الحامية للعلمانية والتي تعارض في جوهر ثقافتها وأيديولوجيتها الموروثة عن
"كمال أتاتورك" الحكم الديني لكن رغم قوّة هذه المؤسسة وسطوتها
السياسية يتمكن "أردوغان" من تحييدها وربما تطويعها بمقدار...
وهو الذي بدا ناجحا أيّما نجاح أيضا
في اللعب بنيران خارجية ضمن مجال إقليمي متأجّج أصلا و تجسّد ذلك من خلال سياساته
الخارجية في تونس ومصر وسوريا...
لكن يبدو أنّ النيران اليوم قد
أصابت ملابس البهلوان (الساعي إلى استرجاع الأمجاد العثمانية عبر الترقي على ظهر
درج السلم الإخواني الموالي للجماعة ورمزها السياسي الأردوغاني قبل الولاء إلى
أوطانهم)
والحقيقة أن النار التي أصابته
تجلّيها خطاباته الأخيرة التي أظهرته وقد أضعفته الحروق البليغة الناجمة عن هذه
الأزمة
فهو في غياب الحجة القانونية-إلى حد
الآن على الأقل-
الدافعة لشبهة الفساد
التي تلاحقه وتلاحق حكومته يلوذ بنظرية المؤامرة (غير الكافية للإقناع) فيعتبر ما
يقع "مؤامرة شريرة" وكأنه لا يعلم أو يتجاهل أنّ هذه النظرية بقطع النظر
عن وجاهتها وصوابها هي نفسها التي لاذ بها سياسيون من أعدائه كما من حلفائه
وأصدقائه ولم تنجّهم والأمثلة القريبة لذلك -مع مراعاة الفوارق الموضوعية-
مثالا بشار الأسد في سوريا ومرسي في مصر...
والحروق التي أصابت
أردوغان وحزب العدالة والتنمية ستتداعى له سائر الأطراف الإخوانية حتما في دول ما
اصطلح عليه "بالربيع العربي" صداعا وحمى سياسية وأيديولوجية وحروقا تعصف
بهم إن عصفت به لاعتبارات أهمها أنّ
هذا السقوط هو سقوط أخلاقي لحزب
سياسي ذي مرجعية دينية يخوض معاركه الانتخابية محتميا بالدرع القيمي شاهرا سيوف
القداسة والطهر العقائدي في وجه من خالفه فإن كانت القيادة الإخوانية في تركيا لا
تتبرّأ صراحة من "علمانية الدوله" فإن الأطراف في مصر أو تونس أو غيرها
لطالما ادعت أنّ وجها من وجوه الصراع هو صراع بين العلمانية والإسلام في خلط
متعمّد بين الإسلام كعقيدة والإسلام السياسي كتصورات ومشاريع تقدمها أحزاب
كغيرها من الأحزاب لإدارة شؤون الدولة...
هذا فضلا عن أنّ الاتهام الذي يوجهه
"أردوغان" ضمنيا وتصريحا إلى "فتح الله غولن" بحَبك هذه
المؤامرة التي تستهدفه وتستهدف حزبه تجعل معارضي الفكر الإخواني في تركيا كما في
غيرها يوجهون أصابع الاتهام إليه على أنه فكر إقصائي لكلّ من يخالفه سياسيا لا من
يعارضه خارج خطه الأيديولوجي فحسب بل حتى أولئك الذين يعارضونه وهم من نفس خطه
ف"فتح الله غولن" الذي يتهمه "أردوغان" بالوقوف وراء
المؤامرة هو داعية إسلامي تركي يقيم بأمريكا يتبنى ما يعرف بالإسلام الاجتماعي
الذي يتأسس على التغلغل في النسيج المجتمعي عبر المؤسسات والجمعيات التي ترفع شعار
المساعدات والدعم الإنساني وقد نجح بفضل ذلك في كسب موالين لها داخل مؤسسات الدولة
وإداراتها في سلك القضاء كما في سلك الأمن وغيرهما و "فتح الله غولن" هو
حليف الأمس الذي ساعد"أردوغان" بفضل نفوذه هذا على تحييد المؤسسة
العسكرية , لكن هاهو اليوم قد صار العدوّ الذي يُقصَى ويُبعَد ويُتَّهَم لداوع
سياسية بحتة
هو صراع أحزاب وحركات إسلامية
إسلامية لأجل المصالح الحزبية إذن وليس معركة كفر وإيمان وليس صراع مرجعيات
أيديولوجية متنافرة ولنا أن نسأل كيف يمكن لمن يزعم الانخراط ضمن اللعبة
الديمقراطية أن يدّعي الرّضا يشروط اللعبة القائمة أساسا على القبول بالآخر
المختلف وهو يقصي حتى الآخر الشّبيه له؟
هكذا إذن ينذر سقوط حجر الدومينو
الإخواني التركي بتهافت سائر الأحجار الإخوانية في أقطار أخرى لأن سقوط النّموذج
السياسي والأخلاقي وانكشاف جوهره الإقصائي سينجرّ عنه اهتزازَ أو –ربما- سقوطَ كلّ
من دار في فلكه من الأحزاب والحكومات الإخوانية.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire