بعد أن ودّعت البلاد التونسية سنة
مثقلة بالتوجع والتفجع على حصاد مرير من الاغتيالات والنكسات والخيبات على جميع المستويات ، بدأت سنة جديدة على صفيح ساخن أشعل احتجاجات واسعة وسخطا
عارما في
شمال البلاد و جنوبها وفي شرقها وغربها
، فكل المؤشرات تدل على أن سنة 2014 ستكون
سنة كبيسة أيامها عوابس ولياليها كوالح .
ولعلنا لا نخطئ إذا قلنا إن الأجواء المشحونة التي عرفتها البلاد التونسية
خلال هذا الأسبوع تذكر بتلك الأجواء التي عاشتها تونس أسبوعا قبل رحيل بن علي بل لعل
ما تعيشه تونس اليوم هو أخطر مما عاشته بالأمس لأن الاحتجاجات التي سبقت هروب بن علي
اقتصرت على المهمشين والمحرومين وبعض المحامين أما الاحتجاجات التي نعيشها فقد شملت
قطاعات واسعة : قضاة غاضبون بعد أن دخلت وزارة العدل في صراع مجاني معهيئة القضاء العدلي
وأطباء يحتجون بعد أن أثار وزير الصحة عبد اللطيف المكي فتنة بينهم وبين أبناء المناطق
الداخلية . أما القطرة التي أفاضت الكأس ووسعت
من رقعة الغاضبين و الرافضين لحكومة النهضة فكانت الإتاوات المجحفة التي تضمنتها ميزانية
2014.
ففي الوقت الذي انتظر فيه التونسيون
" الفرج بعد الشدة " لأن مع اليسر عسرا زادتهم شدتهم وتعمق عسرهم مع ميزانية
2014 عموما ومع الفصل 66 من قانون المالية خصوصا ، وفي الوقت الذي حلم فيه أبناء المناطق
المهمشة والحواري الفقيرة أنه بالإمكان أحسن مما لكنهم وبعد ثلاث سنوات عجاف اصطدموا بواقع مرير واقع البلاد التونسية في حكومة الترويكا الذي جعل ما نسبته
35 بالمائة في استطلاع رأي اجرته إحدى
مؤسسات سبر الآراء تتحسر على النظام البائد الذي رحل غير مأسوف عليه .
قانون المالية : اتحاد الشغل ينبه ...اتحاد الصناعة يحذر ... الفلاحون
يرفضون... و الحكومة لا تبالي
لا يخفى على أحد أن
قانون المالية لسنة 2014 الذي بدأت آثاره الوخيمة تتجسد على أرض الواقع قد لقي استياء من قبل الاتحاد العام التونسي للشغل خاصة بعد تواتر الحديث
عن تجميد الأجور و رفع الدعم عن المحروقات
و الطاقة والزيادة في الجباية خاصّة في مجال النقل كما لقي استياء من قبل الاتحاد التونسي للصناعة و التجارة و الصناعات التقليدية
فيما يخصّ بعث توظيف جباية ب 10 بالمائة عن التصدير و فرض إتاوات على قطاع النقل و رفع الدعم عن المحروقات الذي سيثقل
تكلفة الانتاج في عديد القطاعات.
ولئن تبيّنا
موقفي الاتحادين من خلال التصريحات الصحفية فإن موقف الفلاحين قد ترجم على مستوى الواقع
إذ في كل نقطة من تراب الجمهورية اعتصامات واحتجاجات وقطع للطرق تعبيرا عن رفضهم الفصل 66 من قانون المالية لسنة 2014 و المتعلق بجعل واجب
إيداع التصريح في الوجود "الباتيندة" بالنسبة إلى الفلاحين و اصحاب المداخيل العقارية المنتفعين بامتيازات
جبائية.
ورغم التحذيرات السابقة ورغم اتساع رقعة الغاضبين و الرافضين لقانون ماليّة 2014 فإن الحكمة رفض الإصغاء إلى تلك الاصوات بل ذهب منظرها الكبير نور الدين البحيري إلى القول إن موجة الاحتجاجات الاخيرة التي شهدتها عدّة ولايات
ناتجة عن سوء فهم لأحكام قانون المالية الجديد الذي تمت المصادقة عليه مؤخرا في المجلس
الوطني التأسيسي ودعا نور الدين البحيري من أسماهم مستغلي الفرص الذين يقومون ببث الاشاعات
الكاذبة وإثارة النعرات والمشاكل إلى الكف عن صنيعهم هذا لانّهم سيفضحون في ظرف 24
ساعة ،على حدّ تعبيره.إن مثل هذه التصريحات الغريبة التي تعلق فشل الترويكا عموما وفشل
حركة النهضة خصوصا لن تزيد الأمور إلا تعقيدا
.
ومن الإنصاف القول إن انجاز قانون مالية 2014 الذي تم بارتجال غريبة وصودق عليه بسرعة عجيب تم خلالها تغييب الحوار و التشاور مع الاطراف الفاعلة
و المعنيّة بأمر الجباية قد أفضى إلى ما افضى من احتجاجات .
الأسبوع الأسود : ضحايا قانون المالية
ينتفضون ويهددون بالعصيان المدني
خبز وماء والنهضة لا " على وقع هذا الشعار الرئيسي وما تناسل منه من شعارات تحمّل الدولة مسؤلية تهديد السلم الاجتماعي تحولت تونس
خلال هذا الأسبوع إلى كرة نار تشتعل وتنداح
رقعتها وتتوسع من ساعة إلى أخرى (القيروان، باجة، سيدي بوزيد، ، المهديّة، صفاقس، القصرين، تونس
العاصمة ....) .
ففلاحو الجنوب وبعد الترفيع
في أسعار الأعلاف هددوا بالتفريط في قطيع مواشيهم وترحيله إلى ليبيا. أما أصحاب السيارات
ذات الصبغة التجارية فقد عبروا في كامل تراب الجمهورية عن رفضهم دفع معلوم الجولان
و منددين بارتفاع مقدار زيادة هذه الأتاوات وقد وصل الأمر بنائب رئيس
الجامعة الوطنية للنقل معز السلامي في تصريح لأحدى الإذاعات الخاصة إلى التنبيه من
خطورة "خروج الوضع عن السيطرة"
بسبب ما اعتبره الإتاوات المشطة الموظفة على معاليم جولان النقل العمومي غير المنتظم.
إن الوضع الذي تعيشه تونس على أيامنا هذه ينذر بالخطر وقد كثر الحديث عن أسماء ثورات جديدة
بعد أن هددت فئات واسعة من المجتمع التونسي وخاصة الطبقات المتوسطة ب العصيان المدني
" والشروع في حرق مقرات الحزب الحاكم
. فبعضهم أصبح يتحدث ب" ثورة الفلاحين " وأعاد بعضهم للذاكرة " ثورة علي بن غذاهم
" ...
وأمام الضغط الشعبي بدأت الحكومة ترقص الديك المذبوح وتصرح بأقوال جوفاء لاحتواء الهبة الشعبية : فهذا رئيس الاتحاد التونسي للفلاحة
والصيد البحري النهضوي عبد المجيد الزار الذي لم نراه قد حرك ساكنا خلال مناقشات الميزانية
يطالب اليوم بإلغاء قرار زيادة الضرائب ، وعلى منهج النفاق أيضا أصدرت حركة النهضة بيانا
دعت
فيه الحكومة – أي دعت نفسها - إلى إعادة
النظر في القانون المتعلق بالإتاوة على مختلف وسائل النقل والوارد في قانون
المالية معبرة عن تفهمها للاحتجاجات و التحركات التي شهدتها عدد من مناطق
الجمهورية الرافضة لهذه الضريبة.
وفي خطوة لامتصاص الوضع المتأزم أعلن الاتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري في بلاغ له انه تقرر -اثر اجتماع
مع ممثلي رئاسة الحكومة والوزارات المعنية- مواصلة العمل بالتراتيب نفسها والاجراءات
المعمول بها سابقا في استخلاص معاليم الجوالان على عربات النقل الفلاحي وتمديد فترة
الاستخلاص الى غاية يوم 20 جانفي الجاري . كما تم الاتفاق على تشكيل لجنة عليا مشتركة
تضم اتحاد الفلاحين والوزارات المعنية من اجل تعميق النظر والدرس في كل المسائل والتراتيب
الخاصة بالقطاع الفلاحي ، ودعا الاتحاد كافة الفلاحين الى الاتصال بالقباضات المالية
وخلاص معاليم الجولان في الأجل المحدد.إن هذه الخطوات التي تأتيها بعض الجهات المحسوبة
على حركة النهضة ظاهرها ندم على أفعال نكراء وباطنها تراجع وقتي في انتظار الوقت الحاسم
.
وضربت عليهم
الإتاوة
ليس لنا في نهاية هذا
المقال إلا أن نذكر أهل الحل والعقد في بلدي بضرورة الرجوع لمفهوم الإتاوة حتى يدكوا
لا أنهم قد أتوا أمرا فريا قولا وفعلا : فالإتاوة في لسان
العرب الخراج والضريبة... والإتاوة :الرشوة
. " شكم فاه بالإتاوة ويقال عليهم "
أَوْجَبَ الإتَاوَةَ عَلَيْهِمْ " : وهي الجِزْية تُعطى لحاكم أو أمَّة
كدليل على الخضوع أو كثمن للأمن فيقال
" ضُربت عليهم الإتاوة ".و خَرَاج الأرض ، ضريبة تُفرض على البلاد المفتوحة
صُلحًا " دفع الإتاوة المفروضة عليه والإتاوة ما يُؤْخَذ كَرْهًا - حقّ للسَّيّد الإقطاعيّ يفرضه على أتباعه وسكَّان
إقطاعه " فرض الإقطاعيّون على أتباعهم إتاوة باهظة" ... أليس في دلالات الإتاوة ما يدعو إلى الثورة من جديد ؟؟؟
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire