اليوم العالمي للغة العربية 18
ديسمبر (وهو التاريخ الذي أقرت فيه الجمعية العامة للأمم المتحدة إدخال اللغة
العربية ضمن اللغات الرسمية ولغة عمل في الأمم المتحدة ففي هذا التاريخ سنة 1973 م
أقر المجلس التنفيذي لليونسكو اعتماد العربية لتكون لغة رسمية سادسة تتحدث بها
الوفود العربية، وتصدر بها وثائق الأمم المتحدة، وأصبحت لغة رسمية في الجمعية
العامة للأمم المتحدة والهيئات الفرعية التابعة له)
اللغة
حامل الرموز الثقافية من فنون ودين وعلوم...ليست اللغة كيانا أجوف لا يضيرنا إن
نحن احتفظنا به أو استغنينا عنه...وليست هي كائنا نحنّطه ليُعرَض في المتاحف أو زيا
نحتفظ به في خزائن ملابسنا لنستبدل به زيا آخر متى شئنا...ولا هي الكائن الذي نضفي
عليه قداسة ونوهم بالحرص عليه فننشئ له "المحاريب" ونتباهى بممارسة طقوس
الإيمان به في قصور الرئاسة فإذا ولّينا وجوهنا شطر المستعمر الثقافي في
اجتماعات أو ملتقيات أو ندوات صحفية رسمية كفرنا بها وتلونا خطاباتنا بلغة
"فولتير"...
اللغة
ملامح وجهنا الحضاري, اللغة مميّز وجداننا وفكرنا المشترك الذي يشكل هويّتنا...
لكن
في بلدي تناسينا وأهملنا اللغة العربية أمَّنا , ولغتَنا الأمّ .وإن
ذكرناها فلنتّخذها حصان طروادة نخوض به حروبنا السياسية أو
الأيديولوجية فيزعم إشفاقا عليها مصطنعا واجهة دعائية يتوسل من خلالها
الأصوات الانتخابية لمن صدّق ما يزعمه من حبه للأمّ قولا لا يصدّقه فعل
ويذهب آخرون إلى تحميل خطايانا وإخفاقاتنا للغة فيدعونا إلى سلخ وجوهنا وإنكار
انتسابنا إلى هذه الأمّ داعيا إلى التبرّؤ من هويّتنا فإذا نحن في عرفه لقطاء نبحث
عن أمّ ضيعناها غير أمّنا العربيّة أو أيتام نرتجي أمّا تتبنّانا
ومن
هذا المنطلق كان إيمان أسرة جريدتنا أنّ اللغة العربية ليست محرابا نلتقط لنا صورا
ونحن نخلع نعالنا حين نحتفل بعيدها مظهرين تقديسا وخشوعا آنيّين سرعان ما يزولان
حالما نغادر المحراب وتنتهي طقوس الاحتفال ولا هي تمثال من شمع أو صوّان نحتفظ به
في متحف بل هي كائن تاريخي حيّ إن لم يتطوّر أصابه الجمود أو الزّوال وليس يطوّره
غير أبنائه , وكذا لا ينبغي أن يكون اليوم العالمي للغة العربية مناسبة للاحتفال
وكفى وإنما هو مناسبة لا بدّ من اتّخاذها خطوة أولى في مسيرة مضنية للتفكير في
أزمة اللغة العربية والنهوض بنا وبها حتى لا تموت فنفقد بموتها وجهنا...
ومن
هنا يمّمنا إلى المركز الوطني للتحديث البيداغوجي حين دعيت صحيفتنا "الثورة
نيوز" يوم 20 ديسمبر في شخصي المتواضع للإدلاء بشهادة حول "علاقة
الإعلام باللغة العربية"في ندوة حضرها ثلّة من الباحثين ومتفقّدي وأساتذة
العربية وعلم الاجتماع والإعلاميين وقد كان من بين الحضور عبر السكايب
الإعلامي التونسي المحتجز بقطر "محمود بوناب" فارتأينا أن نستهلّ شهادتنا
بأمانينا أن نحتفل قريبا بتحرّره, وتحرّرنا وتحرّر اللغة العربية
والإعلام...لنتطرّق بعد ذلك في بعض ماجاء في مداخلتنا إلى ما يلي
"على تجربتي القصيرة في المجال الإعلامي هذا الحقل الذي كنت
أتعامل معه من خارجه كمتلقّ وجدتني منذ سنتين ونيف تقريبا أتعامل معه من
الداخل وأنا جزء من المنظومة المنتجة له إذ انتميت إلى صحيفة أسبوعية هي الثورة
نيوز
ولأمكّن الحضور من الدارسين
الأجلّاء من وضع هذه الشهادة في سياقها أرى لزاما عليّ أن أشير إلى بعض النقاط
هذه الشهادة
1-هي شهادة أستاذِ عربية و شاعر ماتسنّى له ذلك
2-هي شهادة لممارس للعمل الإعلاميّ المكتوب تحديدا
3- هي ممارسة ذات محورين أساسيين
أ-محور التصحيح اللغوي(على اعتبار أني أضطلع بهذه الخطة
في جريدة الثورة نيوز)
ب-محور كتابة مقالات الرّأي ضمن الصفحة الأخيرة لهذه
الصحيفة في ركن موسوم ب "الخطّ الثالث" إلى جانب نشر بعض قصائدي في نفس
الصفحة
وسأستهلّ شهادتي بالخوض في
المحور الأول
-محور التصحيح اللغوي
ولعلّ السؤال المشروع في هذا
المستوى هو ما حاجة الصحافة المكتوبة إلى مصحح لغوي؟ وإلى أي مدى تحتاجه؟
خاصة إذا علمنا أن الصحيفة
التي أنتسب إليها تختص فيما يعرف بالصحافة الاستقصائية التي اعتدنا ألا تكون في
أحيان كثيرة مهتمة بسلامة اللغة أو جودتها
الحقيقة أني اكتشفت من خلال
تجربتي البسيطة أنّ الصحفي الاستقصائي معنيّ بالخبر أكثر مما هو معنيّ برسم الهمزة
بمعنى أن سلامة اللغة هي آخرُ همه لكن لبعض المؤسسات الإعلامية وعي
بالحاجة إلى مصحح لغوي للأسباب التالية
أولا الوظيفة الإبلاغية قد
تضعف أو تفقد حيث يمكن للمعنى ان يتجه إلى غير غايته بل قد يصير القول غير ذي معنى
ثانيا الوظيفة التأثيرية حيث
تلمس لدى بعض الصحفيين رغبة في أن يعرضوا الخبر في ثوب لغوي على قدر من
الجمالية لكن لا يسعهم ذلك لقصور في امتلاكهم لناصية اللغة فيقعون في
إساءتين(إساءة للغة وأخرى للخبر)
ثالثا ما يمكن أن أسميه
الوظيفة الاعتبارية للصحيفة(إن صحت العبارة)
بمعنى أن القائمين على الصحيفة
يدركون أنّ الجريدة قد تفقد نزرا غير قليل من قيمتها لدى المتلقي إن تواترت فيها
أخطاء اللغة بل إن بعض القراء في هذه الفترة قد يرون الخطأ اللغوي مدخلا للطعن في
قيمة المقال الصحفي بل في صدق الخبر وصحته حتى وإن كان الأمر غير ذلك في تعمد
للخلط بين صحة الخبر وصحة اللغة وسلامتها)
هذا عن الحاجة إلى المصحح
اللغوي في الصحافة المكتوبة أمّا عن مدى الحاجة إليه فإني قد خضت تجربتي القصيرة
وأنا على بينة من أنّ النص الصحفي غير النص الأدبي
فإن كانت سمة النص الصحفي
"الآنيةُ" بمعنى أنه يبحث عن الانتشار في لحظة زمنية محددة قصيرة
فالصحفي يطلب أساسا السبق الصحفي إن هو أدركه أدرك الانتشار الواسع الذي يريد في
تلك اللحظة القصيرة حتى إن لم تكن اللغة سليمة أو أنيقة ولنا في كثير من أخبار
الصحف الألكترونية أو الورقية والتي قد يتادولها حتى من اختص في الأدب واللغة دون
التفات إلى ما يعتورها من أخطاء لغوية دليل
كما أن الأصل في نقل الخبر هو
المباشراتية
في حين أنّ النص الأدبي يبحث
عن الاستمرار والخلود محتفيا بسلامة اللغة وتأنقها غير ملتزم بصحة الأخبار فالمجال
الأدبي يسمح بما يسمح من التخييل والتزويق والرمز والإيحاء مما قد لايسمح به النص
الصحفي إذ الأديب معني أكثر بالسبق والتميز الإبداعي والفني
وهذا الوعي الذي حملته وأنا
أستعد لخوض التجربة الإعلامية تأكد أثناءها فوجدتني أروض النفس على مراعاة ما
تفترضه لحظة التصحيح اللغوي لمقال صحفي من الالتزام بالعمل على الارتقاء بالمكتوب
الصحفي إلى الحد الأدنى من سلامة اللغة دون أن أتجاوز ذلك إلى طلب الارتقاء
بالخطاب إلى مراتب شعرية فنية
هو المصحح اللغوي في المجال
الإعلامي يفرض عليه أن يتخلص من من جلد الأديب أو الناقد الأدبي وإن كان كذلك
فهو وإن كان حارسا من حراس
اللغة إلا أنه ليس حارسا مطلق الصلاحيات في الذود عنها وحمايتها بل هو يحرسها إلى
المدى والحد اللذين يسمح بهما المجال الإعلامي
حراس اللغة من المصححين داخل
المجال الإعلامي يتخلصون من الهوس والحرص الشديدين اللذين قد يميزان حراسها من
الباحثين أو المختصين في اللغة العربية الراصدين للنص وهم خارج المجال أي الذين
يرصدونه حين يخرج من يدي الإعلامي إلى يدي القارئ
إن المصحح اللغوي في المجال
الإعلامي قد يتغاضى مكرها أو مختارا عن بعض الأخطاء اللغوية ماشاع منها خاصة حتى
صار في محل الصحيح لدى الجمهور
ب- محور كتابة مقالات الرّاي
في الصفحة الأخيرة من جريدة الثورة نيوز
مقالي في آخر صفحة بالجريدة هو
مقال حر في موضوعه (ثقافي-اجتماعي-فكري-سياسي...أو غير ذلك)هو يلتزم فقط بتناول
مسألة راهنه وتحليلها
وهي مقالات لا تلتزم بالخط
التحريري الاستقصائي للجريدة بل هي تدخل في باب اتفاق بيني وبين القائمين على
الجريدة بأن تكون هذه الصفحة لمسة ذات لون مختلف عن اللون الذي اختصت فيه
وقد مكنني ذلك من العمل على معالجة بعض المسائل معالجة تراوح بين الشعرية
والاحتفاء بالتأنق اللغوي من ناحية وبين ما يفترضه نقل الخبر في المجال الإعلامي
والتعليق عليه من مباشراتية في مواطن معينة فأنا أحاول أن أكون شاعرا صحفيا
وأستاذا مختصا في اللغة العربية يحرس هذه اللغة ويحرص على نقائها ما
أمكن فتجدني أبحث عن تحقيق معادلة الكتابة بثلاثة أقلام في الآن نفسه على مافي ذلك
من صعوبة قلم الإعلامي وقلم الشاعر وقلم مدرّس اللغة العربية
هذا فضلا عن اتفاق آخر قائم
بيني وبين الثورة نيوز يتمثل في تخصيص جزء من هذه الصفحة لجعل ملحة الختام في
الجريدة قصيدة من قصائدي المكتوبة بالفصحى ولست أحسب أن ذلك رغبة من القائمين على
الجريدة في توشية جريدتهم وإنما لإيمان منهم بأن للإبداع الأدبي قرّاء وبأنّ
الإعلام العربي لن يستغني عن الفصحى ولا عن الأدب كما ليس بوسع الفصحى
والأدب أن يستغنيا عن الإعلام..."
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire