أسلوب
المافيا التونسية أو كامورا "الشاليمو" في إدارة أعمالها وتنمية
مشاريعها من خلال تصفية خصومها معنويا أو ماديا وجميع الطرق مباحة ، فالمهم
إزاحة كل الخصوم وتثبيت المتعاونين لتامين النشاط وضمان مردودية قصوى ....هذا هو
وضع تونس التي يسمونها ببلد الفرص الكبيرة قبل الثورة وبعدها حيث يدار العمل
الممنوع بتصفية الخصوم عبر التهديد والترغيب والابتزاز والاغتيالات... ورغم ما قيل
منذ أشهر عن نجاحات غير مسبوقة في الإطاحة بأبرز عناصر المافيا المذكورة وما تبعها
من كشف عن معاقل المافيا بكل من جندوبة والقصرين وغيرها ورغم قيمة المحجوز إلا أن
العمل يبقى منقوصا بما أن الزعيم رضا بلحسن شهر الشاليمو لا يزال بعيدا
عن دائرة الشبهات يتنقل بكل حرية وكذلك أعوانه المزروعين في مفاصل الإدارة ما ا
زالوا يصولون ويجولون وربما بحرية أكثر من ذي قبل ...
وعندما
تطرقنا في العددين الفارطين (46 و47) إلى أخطر مافيا تنخر اقتصاد البلاد وأمنها
منذ أكثر من 3 عقود اتصلت بنا عديد الأطراف وألحت في كشف المزيد وخصوصا بدايات
تشكل مافيا رضا بلحسن شهر "الشاليمو" واستجابة للطلب نخصص الحلقة
الثالثة لمافيا "كوسكوس
كوناكشن" وسر العلاقة التي جمعت الشاليمو بشقيق الرئيس المخلوع
منصف بن علي على أن نعود في الحلقة القادمة إلى مواصلة فضح بقية أفراد العصابة
التي نجحت بعد الثورة ورغم سقوط النظام البائد وشمول العزل والتقاعد الوجوبي لأبرز
عناصرها من كبار إطارات الدولة من أمنيين وضباط ديوانة وقضاة في إعادة التشكل من
جديد مستغلة تغلغلها في مفاصل الادارة وغياب جهاز الاستعلامات الفعال وحالة الفوضى
والاضطرابات ووهن حكومات ما بعد الثورة .....
خلال ربيع 1989 نجحت فرقة
مكافحة المخدرات بباريس في حجز كمية كبيرة من المخدرات بمطار
"اورلي" كانت في اتجاهها نحو تونس وبعد أشهر من الرصد والترصد
والتنصت والمتابعة توصلت الفرقة الأمنية الفرنسية المختصة إلى كشف شبكة تهريب
المخدرات والاتجار فيها تنشط بين هولاندا جميع عناصرها تونسيون وبمواصلة العمل
المضني والشاق للوصول إلى زعماء مافيا "كوسكوس كوناكشن" وخاصة على مستوى
نزل ادوارد 7 بحي "الاوبيرا" بباريس والتي انتهت بالوصول إلى
"الكابو" والذي لم يكن إلا منصف بن علي شقيق الرئيس التونسي زمنها...
وتم للغرض إعداد مخطط محكم من قبل الفرقة المتعهدة للإيقاع بكامل العصابة
وسقط فعلا كل من منصف بن علي والإخوة روما وحمدة بن الشيخ (نائب رئيس بلدية قليبية
السابق) ونور الدين بن علية صاحب مطعم ورضا حسن شهر "الشاليمو"وعدد آخر
لا نستذكر هوياتهم ... المهم انه ساعة القبض على منصف بن علي كان برفقته الشاليمو الذي
كان يحمل حقيبة كبيرة محشوة بأوراق مالية من العملة الفرنسية (500 فرنك فرنسي) ..
الأول قدم نفسه كشقيق الرئيس التونسي ورغم ذلك تواصلت التحقيقات والأبحاث من طرف
البوليس الفرنسي بعد إعلام السلط الفرنسية العليا.
طائرة الخطوط الجوية التونسية
في رحلتها بين مطاري "اورلي" بباريس وتونس قرطاج بقيت عالقة بأرضية
المطار في انتظار تعليمات الإذن بالمغادرة وبمجرد إعلام الرئيس التونسي بن علي
حول إلقاء القبض على شقيقه متلبسا تم تخصيص طائرة خاصة توجهت من تونس
إلى باريس وعلى متنها مبعوثين خاصين حاملين لجوازات سفر ديبلوماسية بأسماء مغايرة
الجواز الأول حبيب بن علي عوضا عن منصف بن علي والثاني رضا بلحسن عوضا عن رضا حسن
(أي تم تغيير اسم شقيق بن علي من منصف إلى حبيب وإدخال تغيير على لقب الشاليمو بحذف
عبارة "بل") وتم تكليف سفير تونس بفرنسا إبراهيم التركي بالتفاوض مع
السلط الفرنسية لتسريح الشخصين المتورطين فيما عرف ب"كوسكوس كوناكسيون"
وبعد حوالي 5 ساعات تم الإفراج عن شقيق المخلوع ومرافقه الشاليمو بحكم
تحوزهما على جوازات سفر ديبلوماسية ولتقلع الطائرة في اتجاه تونس دون أن يلحظ
الركاب سبب التعطيلات.
وبوصول الطائرة إلى مطار تونس
قرطاج كان في استقبال المهربين كل من وزير الداخلية الشاذلي النفاتي ومحمد علي
القنزوعي المدير العام للمصالح المختصة وحمدة بوستة مدير شرطة الحدود والأجانب
وكمال اللطيف وليتجه الموكب مباشرة إلى قصر قرطاج حيث استقبلهم المخلوع
وتوجه بالتهديد لمرافق شقيقه رضا بلحسن ملزما إياه بالتكتم على الموضوع وإلا فانه
يعرض حياته للخطر وأمره بضرورة مغادرة العاصمة تونس والانقطاع عن الاتصال بشقيقه
وللغرض تم منحه باقة من الرخص الممتازة (رخصة لبيع الخمر – رخصة بيع التبغ – ورخصة
لتوريد الملابس القديمة "فريب" ) للاستغلال حصريا بجزيرة جربة وبسرعة
انتقل رضا بلحسن للعمل بجربة واصطحب معه زوجته عون الديوانة سلوى بن الشيخ (والتي
تمت نقلتها بأوامر من المخلوع للعمل بمطار جربة جرجيس).
فضيحة تورط شقيق الرئيس
المخلوع في مافيا المخدرات وتبييض الأموال أصبحت على كل لسان وتسببت في برود
العلاقات بين باريس وتونس ورغم تدخل المخلوع لدى فرانسوا ميتيران للتدخل لدى
القضاء لإغلاق الملف ولكبح جماح الصحافة الفرنسية التي حولت القضية إلى موضوع
تتداوله جميع الوسائل الإعلامية المرئية والمسموعة والمكتوبة لكن الرئيس الفرنسي
لم يتدخل في الموضوع ولم يستجب لرغبات الرئيس التونسي ولتعويم الخبر الفضيحة حول
تورط شقيق الرئيس تم الاستنجاد بعدد من الإعلاميين للترويج للدور الفعال الذي يقوم
به بن علي لمقاومة الجريمة المنظمة ولمكافحة المخدرات وبسرعة تم الإعلان عن الكشف
عن شبكة تهريب واتجار في المخدرات تنشط في إقليم تونس وتوجيه الاتهام إلى كل من
الزين الصدفي وولد القبايلية وليتم سجنهما وبعدها ب10 أيام تم إطلاق سراحهما في
سرية تامة.....(قنبلة إعلامية لامتصاص فضيحة شقيق الرئيس المخلوع) وفي مواجهة
الحملة الإعلامية التي شنتها الصحف الفرنسية مثل "لوموند" و"ليبيراسيون"
و"كنار اونشيني" خلال الفترة الممتدة من 1989 -1992 تم الترويج داخليا
إلى تعرض النظام إلى حملة مسعورة ومأجورة من أطراف معارضة للأضرار بسمعة تونس.
محاكمة مافيا
المخدرات "كوسكوس كوناكشن" بالدائرة القضائية 14 بمحكمة باريس انطلقت خلال شهر
نوفمبر 1992 بحضور كل المتورطين ما عدا منصف بن علي ورضا بلحسن وليصدر في
شانهما غيابيا حكما بالسجن لمدة 10 سنوات مع المنع النهائي من التواجد على التراب
الفرنسي وتشير التسريبات أن المحامي عبادة الكافي كلفه بن علي للدفاع عن شقيقه
ومرافقه .
بعد منع التراب الفرنسي عن منصف
أو حبيب بن علي وخوفا من إلقاء القبض عليه حول نشاطه المافيوزي في عالم المخدرات
وتبييض الأموال وتهريب الآثار والممنوعات نحو تركيا ليتعاقد مع المافيا التركية
لكن الجرة لا تسلم مرتين حيث تعمد بعد أكثر من 4 سنوات من المعاملات الاستيلاء على
أموال بالمليارات تعود إلى إحدى أجنحة المافيا التركية والتي أصدرت قرارا باغتياله
بعد أن يئست من استرجاع أموالها وكلفت للغرض مجموعة من عناصرها أنجزت المهمة
بتاريخ 15 ماي 1996 ... وفاة منصف بن علي عريف الجيش السابق عن 55 سنة وسط العاصمة
بعد أن تم اصطياده بواسطة إحدى العاهرات كانت بمثابة الإنذار الموجه رأسا إلى
الرئيس المخلوع من أجل تسوية الوضعية وإعادة المال المنهوب إلى المافيا التركية
وهو ما تم بالفعل إذ سارع بن علي إلى ربط الصلة وإنهاء الموضوع ...
وفاة منصف بن
علي استغلها أحد مقربيه أيما استغلال وهو موظف البنك السابق بن محمود والذي كانت
في عهدته مبالغ كبيرة من المال الفاسد التابع لعصابة منصف بن علي استثمرها في ما
يعرف بمركب"باردو سنتر" والذي شيد في قلب مدينة باردو على بعد
أمتار من ثكنة عسكرية (القانون يمنع تشييد عمارات حول الثكنات
العسكرية)...أما عن حالة صديقنا الشاليمو فلا تسالوا إذ سرعان ما غير
أشرعته وتحالف مع عماد الطرابلسي الابن غير الشرعي لليلى بن علي والذي سجلته باسم
احد أشقائها ....
نجم عماد أو العمدة كان في صعود ورضا بلحسن يملك خيوط اللعبة
ويرتبط مع كبار إطارات الدولة من موظفي وزارة الداخلية (فرج قدورة – محمد علي
القنزوعي – عبد الحفيظ التونسي – عز الدين جنيح – علي السرياطي – حامد زيد – سامي
جاء وحدو - هشام كريم – والقائمة طويلة نحتفظ بها كاملة ونتعهد بنشرها في
حلقات قادمة) ومن موظفي وزارة المالية وخاصة بالديوانة (محرز الغديري
- طارق الشريف – محمد الخراط – نور الدين النصري – حافظ العزيزي – عبد العزيز
بن منصور – مختار العجيلي – لسعد البلطي – جمال الشخاري – جمال الهمامي – العجمي
محجوب – عبد النور جاب الله – محمد السالمي – فؤاد بقني – محمد الحبيب نوار المحضي
– بدر الدين بن زينب – المنجي بحر – فوزي البرجي ....) وبسرعة أعيد تشكيل
شبكة الفساد داخل مفاصل الدولة وبداية من سنة 1998 تحولت مافيا الشاليمو إلى
اكبر مافيا بالبلاد مستنسخة نشاطها الممنوع عن المافيا الصقلية لتتوزع
الأدوار بطريقة جد محكمة عسرت تفكيكها أو القضاء عليها وهي التي تختزل خبرات نصف
قرن في عالم الجريمة المنظمة.










.jpg)
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire