عندما لا تحرك السلطات ساكنا في عهد النظام البائد أمام
مئات التشكيات من سكان جهة بأكملها في سبيل تحويل المضرة عنهم فنحن لا نلومها لان
الدولة بكاملها في عهد المخلوع كانت مبنية على الفساد وعلى خدمة المصالح المتشابكة
في إطار شبكة إجرامية محبوكة خيوطها جيدا من غزل المال والسياسة فمن يتجرا على
الوقوف في وجه تلك الشبكة تلفق له التهم ويكون مصيره الضياع ...أما الآن وبعد مرور
قرابة الثلاث سنوات عن سقوط دولة الفساد هاهي "الحكومة الشرعية " تنتهج
المماطلة والتهميش حيال المطالب المستعجلة لبعض الجهات خصوصا عندما تكون في
شكل جماعي ويمكن أن يتسبب عدم حلها في الوقت المناسب في كارثة على صحة الناس
وأمنهم ...تصوروا نادي صيد ينشط على بعد اقل من 200 متر على منطقة آهلة بالسكان
يصدر ضجيجا لا يطاق في خرق واضح للقانون وحتى لأبسط حقوق الإنسان وهذه هي صورة
منطقة "رادس الغابة "التي تعيش منذ أكثر من 15 سنة على وقع أصوات مدوية
للاعيرة النارية الصادرة من بنادق المشتركين في النادي المذكور و التي لم يسلم
منها احد من المتساكنين ...
صحة المتساكنين في مرمى الضجيج المدوي
لبنادق الصيد
نادي الصيد برادس الغابة هو ناد خاص بالرماية أنشئ في التسعينات من القرن
الماضي والغريب في الأمر انه في وسط حي سكني بجانبه مدرسة ابتدائية وروضة أطفال
ولم يكن حاضنا لهواة الرماية فحسب بل كانت تقام فيه الأعراس والحفلات بمختلف
أنواعها ...تصوروا ما مدى الضرر الذي ألحقه ولا يزال يلحقه الدوي الصادر عن
الطلقات النارية لبنادق الصيد خاصة وانه متواصل كافة أيام الأسبوع بدون اعتراف لا
بأيام العطل ولا بأوقات الراحة فالرماة ينشطون حتى في أوقات متأخرة من الليل
... مواطنو رادس الغابة ودون استثناء صغارا وكهولا ومسنين ...تلاميذ وطلبة
وأساتذة وموظفين ...كلهم يعيشون حالة من الفزع الدائم ومن انعدام الراحة مما اثر
ذلك بالسلب على حياتهم اليومية وعل صحتهم حيث يفيد مختصون
في العلوم البيئية أن للضوضاء تأثيرات سلبية من الناحية العضوية والنفسية تنعكس
على تصرفات الإنسان وسلوكه وتضعف أداءه وكفاءته وتصيبه بالتوتر والكآبة وأوضح
الخبراء أن الضجيج هو المسؤول عن تزايد ظاهرة العنف والعدوانية والتقلبات المزاجية
بين الناس وحذر الباحثون من أن الأصوات العالية تسبب مشكلات صحية في الجهاز السمعي
وقدرته على الإنتاج والإبداع وتصيب الإنسان بالأرق واضطرابات النوم وضعف التركيز
والتوتر والقلق وارتفاع ضغط الدم وتغيرات فيزيولوجية وهرمونية سلبية ومن
جانب آخر أظهرت نتائج دراسة للوكالة الاتحادية الألمانية للبيئة أن خطر الإصابة
بارتفاع ضغط الدم يزيد لدى الأشخاص الذين يعيشون في المناطق التي يكون فيها ضجة
عالية مقارنة بالأشخاص الذين يعيشون في المناطق الهادئة وبينت النتائج أن الأشخاص
الذين يتعرضون للضجة الصوتية خلال الليل وأثناء النوم يتضاعف لديهم أيضا خطر
الإصابة بارتفاع ضغط الدم وعديد المضاعفات المصاحبة له ...
ومن
جانب آخر فإن الصخب والضجيج يضعف النمو الإدراكي والمهارات اللغوية عند الأطفال..
هذا ما حذر منه الأخصائيون النفسيون حيث أن الأطفال الذين يعيشون في بيئة إزعاج أو
ما يعرف بـ "التلوث الضجيجي" يعانون من القلق ويصابون بمشكلات في
التنظيم والتكيف مع متغيرات الحياة وضغوطاتها.
مطالب و تشكيات منذ سنوات جزاءها المماطلة واللامبلاة
مطالب
وتشكيات سكان رادس الغابة من النادي الجحيم انطلقت منذ سنة 1997 بالتحديد في
10 ماي من نفس السنة حيث قاموا برفع شكاية إلى رئيس بلدية رادس لإيجاد الحلول
السريعة لإبعاد نادي الصيد المذكور عن الحي ورغم التبريرات التي برروا وعللوا بها
شكايتهم إلا أن رئيس البلدية حينها رمى بتلك الشكاية عرض الحائط ولم يعطيها أدنى
أهمية وبعدها بفترة عاود السكان نشر مطلبهم لدى والي بن عروس بتاريخ 25 سبتمبر من
نفس السنة الا انه لم يحرك ساكنا وترك الأمر على حاله وهو ما أجبرهم مرة أخرى إلى
القيام بمطلب لدى وزير الداخلية بتاريخ 21 جوان 1999 وكان هذا المطلب مذيلا
بإمضاءات جميع سكان الحي إلا انه قوبل كذلك هو الآخر باللامبالاة وربما رمي به في
سلة المهملات ورغم ذلك فان متساكني الحي لم يفقدوا الأمل وطلبوا مرة أخرى من والي
بن عروس في 24 جوان 2009 وضع حد للضجيج الصادر للأعراس التي كانت تقام إلى ساعات
متأخرة من الليل باستعمال مكبرات الصوت فكان مصير مطلبهم نفس مصير مطالبهم السابقة
عندها عرفوا بان هناك احتمالين إما أن صاحب النادي متنفذا لا يمكن الوقوف أمامه ا
وان السلطة تحابيه وتقبض حفنة من المال مقابل ذلك فخيروا بعد ذلك الصمت إلى أن
قامت الثورة وعادهم الأمل بان الموازين قد انقلبت وان النظام الجديد المتولد عن
الثورة سيحقق مطالبهم ويبعد عنهم الأذى الذي نغص عليهم حياتهم فبدأت مطالبهم فرادى
وجماعات خلال سنة 2011 ووجهت بالتوالي إلى كل من وزير الداخلية 03 جوان 2011ووزير
الفلاحة 13 جوان 2011 ووكيل الجمهورية ببن عروس 07 جوان 2011 ثم واصلوا خلال 2012
بإرسال الشكايات إلى كل من وزير الفلاحة 09 جانفي 2012 ثم إلى السيد معتمد رادس
بتاريخ 25 جوان 2012 لكن لا حياة لمن تنادي لكن لم يستسلموا لليأس وعاودوا مطالبهم
منذ بداية هذه السنة إلى والي بن عروس من طرف احد متساكني الحي مصباح لحسيني
بتاريخ 18 فيفري 2013 و25 فيفري 2013 ثم من مدير المدرسة الابتدائية برادس الغابة
بتاريخ 01 مارس 2013 وكذلك
مطلب من طرف كل متساكني الحي بتاريخ 17 مارس 2013 ...كما وقع توجيه عريضة ممضاة من
طرف215 متضرر من متساكني رادس الغابة الى المندوب الجهوي للتنمية الفلاحية ببن
عروس بتاريخ 24 افريل 2013 واخرها شكاية قبل عدة ايام الى والي بن عروس بتاريخ 21
سبتمبر 2013 ...
وكل هته المطالب والتشكيات التي كانت نابعة من مأساة حقيقية يومية
من جراء الضجيج القوي والمتواصل والمعللة على أسس واقعية وقانونية (الفصول 316 و
320 و 321 من المجلة الجزائية،الفصول من 73 إلى 78 من القانون الاساسي للبلديات
عدد 33 لسنة 1975 المؤرخ في 14 ماي 1975 المنقح بالقانون الأساسي عدد 68 لسنة 1995
المؤرخ في 24 جويلية 1995،قرار من وزير الداخلية المؤرخ في 10 أفريل 1999 المتعلق
بدفع الخطايا التي تسلط من أجل ارتكاب مخالفات لتراتيب حفظ الصحة والشرطة الصحية
بالمناطق التابعة للمجالس الجهوية والمناطق البلدية،قرار رئيس النيابة الخصوصية
لتونس لسنة 2013) لم تجد صدى لدى كل المسئولين المتعاقبين على السلطة منذ العهد
البائد إلى حدود هذه اللحظات مما يطرح التساؤل عن الفرق بين أصحاب القرار في نظام
المخلوع وأصحاب القرار الجدد الذين عجزوا على إصدار قرار يمكن أن يجنب أهالي حي
بأكمله أضرار صحية وخيمة ...خاصة وان اتخاذ الإجراءات العاجلة في تغيير مكان هذا
النادي او بنائه بطريقة تحول دون نفاذ الأصوات إلى خارجه أمر سهل لا يتطلب دراسات كبيرة
ولا تمويلات ضخمة ...إلا إذا كانت أمور أخرى تتم في الخفاء لا نزال نجهلها... وإذا
كان الأمر كذلك فعلا فسحقا لثورة ذهب من اجلها مئات الشهداء لكنها بقيت عقيمة...
عبد الستار بليش
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire