في تلك البناية الشاهقة
الزرقاء المترامية الأطراف على شارع محمد الخامس …حيث كانت تدبر بليل أكبر
عمليات الاستيلاء و جمع المعلومات المخابرتية و ضرب المعارضين بقبضة من حديد …هناك
في تلك البناية التي شيدت من أجل لهف أموال الشعب و مؤسساته لصالح حزب كرّس
العبودية و قضى على كل أمل يتوق بالبلاد الى عالم الديمقراطية و يخرجها من كابوس
الحزب الواحد الأحد …
و لما رحل رأس الحزب و قائده المتعجرف عن غير إرادة مدفوعا
بقوة غضب جماهيري أتت من كل الأطياف و الأجيال كرست مفهوم إذا الشعب
يوما أراد الحياة فلابد أن يستجيب القدر ترك ما ترك من أرشيف يدين من يدين و يورط
من يورط و يفضح من يفضح و يبرئ من يبرئ … أرشيف يقدر حجمه بأطنان من
الملفات و الوثائق فضلا عن الأسرار الأخرى التي تحتفظ بها الأجهزة الإعلامية ضمن
أرشيفها الالكتروني…
قبل الخوض في غمار الحديث و الكشف عن مآل الأرشيف الحزبي لدار
التجمّع الدستوري الديمقراطي كان لزاما أن نفشي بعض أسرار الدار و ما كلفته من
تشييد و تجهيز و عن هوية البطون التي انتفخت منها و عن الوجوه التي استرزقت منها
بطرق غير شرعية ..
أسرار
بناية التجمع
تشمل دار التجمع المحدثة في شارع المال و الأعمال محمد الخامس
على 17 طابقا و بها 305 مكتب يحذو البناية في جانبها مطبعة الحزب ساجاب و
فوقه مطعم و فوقه قاعات الاجتماعات .
علو البناية أقل بقليل من علو بناية نزل أفريكا حيث يبلغ
ارتفاعها 87.11 م و اختيار 87 مترا لم يكن اعتباطيا بل كان مدروسا و يشير الى رمزية
7 نوفمبر 1987 …
أشرف عليها المهندس المعماري المعروف توفيق بن حديدة و
شيدتها مقاولات محمد بن شعبان و تكلفت على الدولة ما يقارب عن 150 مليارا من المال
المنهوب …
و تشير الوقائع الى أن الطبقة الأرضية التي شيدت عليها
البناية كانت طينية مما جعل عملية التشييد مكلفة و باهظة ووضع الأسس الأولى
ينزل الى مستوى 120 متر أو ما يفوق في عمق و جوف الأرض حيث كلف وضع الأسس فقط ما
يقارب 35 مليار حتى يتم تجنب انزلاق الطبقة …
نسبة 90 بالمائة من أشغال دار التجمع
بالمنحل انتهت سنة 2004 بإشراف مباشر من عبد الله القلال وعبد الرحيم الزواري وعبد
العزيز بن ضياء علما وأن البناية وقع تشييدها على قطعة
ارض وقع الاستيلاء عليها عن طريق الخزعبلات من بلدية تونس
و عن طريق عملية مقايضة مشبوهة لدار الحزب الاشتراكي الدستوري بشارع 2 مارس
بالقصبة وهي الآيلة للسقوط ….
و على اعتبار أن بناية من أولها بنيت على الفساد فقد تم الاستنجاد بكبار الفاسدين
للإشراف عليها وهم على التوالي :عبد الله القلال بصفته أمين مال التجمع المقبور
و عبد الرحيم الزواري بصفته أمين عام سابق للتجمع المقبور اشرف على تشييد البناية
النوفمبرية
و عبد العزيز بن ضياء بصفته وزير دولة مستشار المخلوع المكلف بمتابعة ملف تشييد
بناية التجمع
و صالح بسباس( أصيل المنستير) بصفته المشرف الفني على انجاز المشروع شهر (البُطي)
و مهدي الشباح ( أصيل المهدية )بصفته مدير إدارة الشؤون الإدارية
بالتجمع حينها( شهر الطويل ) و فوزي بوصاع ( أصيل نابل )بصفته المشرف
الميداني على انجاز الأشغال والمسؤول عن الصيانة بذات الدار و شهر (فوفو) و
الذي استقدمه مهدي شباح من نابل لما كان كاتب عام ولاية
نابل و يشغل فوفو مهنة حفر و بناء الآبار.
و الجدير بالذكر عن أشغال الدار أنها أسندت للمقاول
المعروف شريك عبد الله القلال محمد شعبان الذي منح إكراما لكل عملية اختلاس
يقوم بها في “مواد البناء ” إلى كل من صالح بسباس و المهدي شبّاح سيارتين رباعية
الدفع قام كل من الشباح و بسباس ببيعهما لطمس معالم الرشوة الموصوفة
.. و المقاول شعبان هذا سارع الى جلب آلة رافعة استثنائية خاصة بالدار
على اعتبار أن العلو يعد استثنائيا .
و منحت إليه الصفقة أولا “لقرابته المهنية من عبد الله قلال و ثانيا لكونه قام بتشييد بناية مشابهة لها في ساحل العاج و تحديدا ابيدجان …
و من الفضائح التي حفت بالبناية الوشاية
التي رفعها كل من مهدي الشباح و صالح بسباس الى سيدهما وولي نعمتهما عبد
العزيز بن ضياء الذي جعل منهما عيون له لمراقبة تحركات و سكنات عبد الرحيم
الزواري و نقل كل المستجدات الطارئة في دار الحزب على جناح السرعة …وقد
خلّفت تلك الوشاية مناوشة بين بن ضياء و الزواري جعلت بن ضياء
ينتقم منه بحرمانه من تدشين المقر الجديد للحزب و يوم افتتاح بعد أن أقاله
من منصب أمين عام التجمع و عوضه بعلي الشاوش …
أما
في يخص طوابق البناية أو أسرارها الداخلية ..فقد كان لكل طابق ت مهمة …و نذكر على
سبيل التمثيل لا الحصر أن الطابق الثاني خصص للمخابرات و الاستعلامات و الملفات
الأمنية و الذي خصص للعضد الأيمن لعبد القلال واحد أهم مساعديه لما
كان وزيرا للداخلية سيء الذكر الفاسد منصف بن قبيلة للقيام بأنشطة التجسس
والاستخبارات على معارضي الرئيس المخلوع ولتكون نواة لجهاز مخابرات مواز مزروع
داخل بناية التجمع المنحل و الطابق الخامس خصص للشؤون الاجتماعية و
المناضلين و السادس للشأن الجمعياتي أما الطابق 12 فقد كان خاص
بالوثائق الإدارية و الطابق 13 للأمور المالية و الصكوك و القوائم المالية و
الطابق 15 للأمور السياسية على اعتباره طابق الأمين العام و مدير ديوانه فيما خصص
الطابق 16 لنائب رئيس التجمع سيئ الذكر حامد القروي …
علما أن الشركات التي جنت ارباحا هائلة من صفقة تشييد وتجهيز بناية التجمع عديدة
نذكر منها على سبيل الذكر لا الحصر شركة مقاولات محمد شعبان ومؤسسة سام
للالمينيوم فيما سجلت بعض المشركات الاخرى خسارة مدوية وخرجت بخفي حنين بل
أفلست تماما على غرار شركه أثاث صقانس للتجهيز باللوح والأثاث التي ” قلبها ” رموز
التجمع المنحل في أموالها المعهود بها وحكموا على 400 عائلة بالبطالة والخصاصة
والتشرد .
أرشيف التجمع
23 سنة من
خفايا و أسرار شملتها البناية و 23 سنة من مخططات و دواليب ظلت بعيدة عن اعيين
الناس و لا يعرف كنها احد…هو أرشيف حزبي غزير المحتوى و متعدد المحاور ..وهو ارشفي
حزبي يؤرخ لمسيرة نظام لم يخلف إلا الخراب …وهو أرشيف حزبي يعد وزنه بالأطنان …
و حوله يكون
السؤال الذي طالما غاب عن الرأي العام و الهت مشاكل الثورة و مخلفاتها الناس عن
الحديث عنه و فتحه و تداوله لذلك غاب السؤال عن مصيره و أين هو الآن ؟
و من يحتفظ به ؟
و
جواب السؤال هو بمثابة الصدمة الكبرى فعلا على اعتبار أن دار التجمع التي تحرسها
ترسانة من العسكر و الجيوش التونسية ليست سوى ” سقف و قاعة” و لم يعد بداخلها شيء
يذكر على اعتبار أن أرشيف التجمع و تجهيزاته و الخواتم و الطوابع و حتى الأوراق
العادية كلها نهب و سرقت تحت “حس مس” نعم لقد سرق أرشيف التجمع و ما
يحتويه من معلومات و مخابرات و قوائم إدارية و مالية و أسماء مورطة …
عملية
السرقة
سرقة أرشيف التجمع حتما هو من اكبر السرقات التي شهدتها
الدولة التونسية على اعتبار لا قيمته المالية إنما على اعتبار قيمته العدلية
أو لم يقل ابن خلدون ” إن العدل أساس العمران” …
و تعود أطوار عملية السرقة بعيد أيام قليلة من حكم الترويكا و أيام كان علي العريض وزير الداخلية و نور الدين البحيري وزير العدل و الجنرال عمّار رئيس الأركان الثلاثة …
و تؤكد
وقائع عملية السرقة التي استقتها الثورة نيوز أن العميد الشاذلي الواعر (
ابوه ضابط عسكري متقاعد يقطن بحي الضباط بجهة خزندار القريبة من دار
المخلوع القديمة ) آمر فوج المشرف على القطاع العسكري بشارعي الحبيب بورقيبة و
محمد الخامس على اعتبار حيوية الشارعين لما فيهما من مقرات لمؤسسات المال و
الإعمال و الأمن قد توصل عن طريق شخص قدم على متن سيارة استرا ترقيمها المنجمي
(03) أي تابع لوزارة العدل بوثيقة تثبت انه موكل لحمل أرشيف دار التجمع …
العميد من جانبه اتصل بالقيادة و تحديدا رئيس الأركان الثلاثة رشيد عمّار الذي
أعطى موافقته على العملية و فعلا اقتحم الشخص المجهول مع وفد من
العّمال دار التجمع و انهمك في العمل ..
أولى خطوات نهب أرشيف التجمع بدأت من الطابق الثاني طابق الاستخبارات و الوثائق
الأمنية ثم تم الاستحواذ على الوثائق السياسية قبل الوصول الوثائق المالية …
و المتأكد في عملية السرقة هذه المعطيات التالية :
- أن العمال الذين جيء بهم لنهب
الارشيف لم تطاطا اقدامهم مطبعة الساجاب حيث لم تمنح لهم التعليمات بزيارتها
.
- عملية حمل الارشيف الورقي كانت في طرود مرقمة على
اغلب الظن أنها كانت تحمل عدد المكتب و رقم الطابق
- عملية التعبئة
كانت في شاحنات خفيفة الوزن
- عملية النهب
دامت أكثر من أسبوع من النهب المتواصل …
من كان
وراء عملية السرقة ؟؟
المعلومات التي تحوزت عليها الثورة نيوز تؤكد أن العملية خطط
لها من قبل الثالوث علي العريض وزير الداخلية السابق و نور الدين البحيري
وزير العدل السابق و الجنرال المستقيل رشيد عمّار بعلم من حمّادي رئيس الحكومة
المستقيل و بمساعدة كبرى و إيعاز من عامر العريض رئيس المكتب السياسي لحركة النهضة
…
و المعلومات المتوفرة تؤكد أن الشاحنات اتجهت بالأرشيف الى
احد المخابئ السرية بالضاحية الشمالية للعاصمة و اغلب الظن ان يكون في منطقة
الزهراء أو أحوازها …
كما تؤكد المعطيات أن أرشيف وقع تحويل وجهته بعد أن تم ايداعه بأحد المخابئ
السرّية بالضاحية الشمالية بالعاصمة الى احد المخابئ السرية بالجنوب التونسي و
تشير بعض المعلومات القليلة التي بحوزتنا الى إن المكان ولاية تطاوين أو جهة بن
قردان حيث تسيطر قبيلة العريض ( عائلة العريض العريضة و الموسعة)…
ماذا بعد
عملية السرقة
المتأكد أن أرشيف المحاكم استحوذ
عليه البحيري و الارشيف الأمني بيع جزء منه الى السفارة القطرية عن طريق
الأمني المشبوه سامي جاء وحدو و أخيرا و ليس أخرا أرشيف التجمع قبع تحت يد عائلة
العريض النائب و رئيس الحكومة …
والمتأكد
أن عملية تصفية الارشيف قد بدأت منذ مدة على اعتبار أن عملية سرقته كانت في
غضون شهر مارس 2012 و المتأكد أيضا أن بعض الوثائق قد وقع إتلافها و أخر
ووقع تزويرها و انه حررت بعض الوثائق الأخرى لتوريط الوجوه المنبوذة من قبل
حكومة الترويكا و تطهير الوجوه التي انقلبت رأس على عقب و استبدلت اللون
البنفسجي باللون الأزرق القاني على اعتبار أن الخواتم و الطوابع قد نهبت أيضا مع
الارشيف …
لذلك
يريدون تحصين الثورة ؟
بعد ان تمكنوا من أرشيف التجمع و حملوه عن بكرة أبيه
الى حيث المخابئ السرية الآمنة تحت حراسة مشددة من قبل المهربين أو ”
الكانطرية ” توجهت جماعة الترويكا و راحت تدعو الى تمرير قانون تحصين الثورة
…الذي أصبح المستهدفين منه على المقاس و؟ بعد عمليات التحريف الذي طالته ؟ و بعد
عملية التزوير الذي طالت الارشيف فورطت من كان خارج التجمع …و برأت من كان ضالعا
في معمعة الحزب المنحل ؟
تبقى
الخلاصة الأخيرة أن لا قانون يستقيم إذا ما تعلق الأمر بنهب الارشيف ؟ و لا حديث
عن عدالة انتقالية طالما شابت الارشيف شوائب التزوير و التحريف ..و ما قانون
التحصين إلا باطل يراد به باطل ؟؟؟.
تقي الدين حنين
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire