ليس من قبيل الصدفة أن تتركز بوصلتنا على السلك الديواني ما بعد الثورة سيما مقالاتنا الصحفية ذات البعد الإصلاحي التي نددت بكل التجاوزات الإدارية من طرف بعض مسؤوليها ولكن في الصدد ذاته بقدر كوننا ننتقد موظف الديوانة في آداءه بقدر كوننا ماضين قدما في مساندته لنيل حقوقه المهضومة منذ العهد البائد إلي اليوم لتحقيق كرامته المهنية , هذا ما يمليه علينا حسنا الوطني في الوقت الذي بقيت فيه الوطنية حبيسة الخطاب السياسي التعبوي.
و بتدرجنا في هذه السياسة الإصلاحية فقد نددنا عبر صفحاتنا بكل مدير عام يقع تعيينه بصورة فوقية على هذا السلك المنيع و لعلي سأستشهد بالخطاب الذي ظل كلمات متناثرة على مسامع الحضور دون تأكيد وواقع ملموس من طرف حمادي الجبالي رئيس الحكومة تزامنا مع ذكرى تونسة الديوانة يوم الخميس السادس من شهر ديسمبر للعام المنقضي مؤكدا كون الديوانة تضاهي سلك القضاء وهما صورة البلاد وهي في حاجة للإصلاحات و النهوض بالطاقات البشرية فيها.
ولكن ما كل ما يتمناه موظف الديوانة يدركه؟
لتتأكد المؤامرة الكبرى على السلك الديواني و تنفيذ مشروع عسكرته . فهذه السياسة قد ابتدعها المخلوع منذ التسعينات بتعيين الجنرال عبد القادر عمار على رأس الإدارة العامة و الكل يعرف الفترة الكارثية التي عرفها السلك و لعل من نتائجها المظلمة الكبرى التي عرفتها دورات مراقبي الديوانة المنتدبون في أولى التسعينات على ثلاث دفعات و إلى اليوم لم يتم إنصافهم سيما القانون الأساسي الذي تمت صياغته فكان لجاما و مقتا خاصة لهيئة الرقباء و ضباط الصف.
رغم هذه التجربة الفاشلة إلا أن حكومة الباجي قائد السبسي قد سقطت في نفس الخطأ بانتهاج سياسة المخلوع و قامت بتعيين الجنرال محمد عبد الناصر بالحاج في تجربة ثانية لفرض عسكرة السلك الديواني وطيلة العام يضيع من أحلام موظفي الديوانة و تتعمق جراحهم بضياع مطالبهم سيما النقابية التي اصطدمت مع الطابع العسكري الرافض قطعا لكل عمل نقابي ؟
ليقع خلع العميد محمد عبد الناصر بالحاج؟ وتجربة عسكرية ثانية فاشلة؟
في الوقت الذي انتظرنا فيه أن يقع النظر العميق و الإصلاحي للسلك الديواني و تعيين كفاءات ذات مرجعية اقتصادية على اعتبار كون السلك الديواني هو سلك خصوصي ذو طابع تقني , سيما المهمات الثلاث التي يضطلع بها موظف الديوانة (جبائية ’ أمنية ’ اقتصادية ) تخطأ حكومة النهضة و تخضع سياستها لتجربة عسكرية ثالثة بتعيين الجنرال المتقاعد و البعيد كل البعد عن النطاق الاقتصادي التقني محمد المدب في تعيين مستعجل و دون دراسة واضحة على رأس الإدارة العامة للديوانة
لتتأكد فيه كافة المقالات التي أنزلناها في شأنه كون الرجل قد جيء به من الأرشيف و هو ليس برجل المرحلة , تأكيدا لسياسة المخلوع تعيين الرجل الغير مناسب في المكان المناسب . و اليوم بصدور المشروع الذي أعده محمد المدب بصفة فردية مقصيا فيه كل الكفاءات الديوانية النقابية , و التنكر لمشروع المسار المهني الذي أعدته النقابة و الذي أنصف كافة الرتب الديوانية و جسد طلباتهم المشروعة . و لكن محمد المدب كان وفيا لغطرسته ذات الطابع العسكري الاقصائي فمرر في ظروف مسترابة هذا المشروع الذي أمضته وزارة المالية في غفلة من شرفاء و أحرار الديوانة , هذا ما زاد في حالة الاحتقان للقاعدة الديوانية التي طالبت بوقفة احتجاجية تتخللها إضرابات جوع وحشية لرفض هذا المشروع الكارثة و عدم تمريره قبل فوات الأوان لرئاسة الحكومة قصد إمضاءه.
ملاحظة: نظل نعترف بالكفاءات العسكرية ,سيما و كون المدارس العسكرية قد كانت سباقة في تكوين كفاءات ذات طابع عسكري ميداني ,و لكن تظل هذه الكفاءات ذات جدوى و مردودية في نطاق مجالات تخصصها.
وبذلك لا يمكن بتاتا عسكرة السلك الديواني ومن الأخطاء الفادحة التجربة العسكرية الثالثة في تعيينا على رأس الإدارة العامة للديوانة؟ سيما فشل التجربتين السابقتين؟
فمتى يقع خلع محمد المدب و إنهاء المهزلة وتصحيح المسار الديواني ؟
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire