حكاية عم محمود المزوغي متقاعد الناقلة الوطنية
"تونس الجوية" والقاطن بحي الخضراء ...مع مصحات آخر زمان وكيف تحول
الشيخ من سليم إلى مقعد ومن مريض بالقلب دخل المصحة للتداوي ولإجراء عملية على
القلب المفتوح إلى حزمة لحم متعفن يصعب تحريكها او تحويلها من مكان إلى آخر.....
قصة تختزل حقيقة المصحات الخاصة المنتشرة في كامل ربوع البلاد لنهب المال العام
والخاص على حد سواء ...
تحولت بالأمس إلى منزل احد ضحايا الطب الحديث وبمجرد
وصولي إلى حي الخضراء شمال العاصمة وبالضبط إلى العنوان المدون بمذكرتي عدد 8 نهج
8221 بالجهة الشعبية لحي الخضراء ... استقبلني احد أبناء المريض الضحية
المدعو"نجم الدين" والذي سارع إلى إدخالي إلى غرفة الاستقبال أين يعيش
والده المقعد ... فضاء فسيح مساحته لا تتجاوز ال20 متر مربع يحوي على أثاث قديم من
النوع التقليدي يتوسطه تلفاز من الحجم الكبير (ليس بجهاز البلازما طبعا بل هو إلى الأجهزة
الانتيكا اقرب) ... لتوي شدني مشهد مؤلم لحزمة لحم تتحرك ببطء وتتألم ... انه عم
محمود والد نجم الدين ....
بالعودة سنوات إلى الوراء وبالضبط إلى خريف سنة 2009 حين
تم نقل عم محمد إلى مستشفى شارل نيكول بالعاصمة تداوي من أوجاع مفاجئة على مستوى
القلب... بعد التحاليل الأولية التي اشرف عليها الدكتور بلهاني تم توجيه المريض إلى
مصحة ابن زهر للقلب والشرايين بحي الخضراء لإجراء عملية على القلب المفتوح ...ولا
يمكنكم تخيل حالة خالتي شاذلية زوجة عم محمود والتي تحول حزنها إلى فرح بمجرد تأكدها
من قرب المصحة التي سيتداوى فيها بعلها ... إذ أنها لن تحتاج إلى سيارات الأبناء
ولا إلى سيارات التاكسي فالمصحة بحيها ولا تفصلها عن منزلها إلا بعض مئات الأمتار.....
وبمجرد التحول إلى المصحة المختصة في أمراض القلب
والشرايين بحي الخضراء استقبلت عائلة عم محمود بالأحضان ... فالحريف مبجل ومحظوظ
في المصحة المذكورة إذ ينظر إليه كلفافات ورقية من فئة ال10 آلاف دينار فما فوق
.... وبعد إتمام إجراءات القبول والترسيم ألحت خالتي شاذلية في البقاء قرب زوجها
للسهر على رعايته ولكن الفريق الطبي والشبه طبي المباشر رفض إبقائها مؤكدا على انه
سيجد كل العناية وانه لن يحتاج إلى مرافق خصوصا وان صحته غير متعكرة وهو الذي
يتنقل بكل راحة ودون أي إسناد....
يومها تم حقن عم محمود بحقنة من خليط عجيب لإعداده إلى
العملية الجراحية على القلب المفتوح ... وبعدها وفي غفلة من الفريق الطبي المباشر الذي
لم يستمع إلى نداء المريض وليسقط عم محمود أرضا أثناء تنقله بين الغرفة وبيت الراحة
وليتهشم حوضه .... زمنها سارع المشرفون إلى تخديره وإلقائه على الفراش دون إعلام أي
كان من عائلته بل هم منعوهم من زيارته مباشرة متحججين بان كل احتكاك او إزعاج قد
تكون له تأثيرات جانبية على العملية الجراحية المبرمجة..... محاولة خسيسة للتستر
على الجريمة التي وقعت في حق المريض في غفلة من أبنائه نتيجة غياب العناية والإهمال
.....
وفي اليوم الموعود والساعة المحددة اكتشف الجراح المباشر
أن مريضه تعرض إلى حادث سقوط مما تسبب له في كسور خطرة على مستوى الحوض وليتحول
خلالها إلى مريض مشلول على حالة ميئوس منها وبالتالي يستحيل معها إجراء عملية
القلب المفتوح ...
وتم إلغاء العملية ودعوة أهله إلى إخراجه من المصحة طبعا
بعد استخلاص الفاتورة والتي اقتطعت من صندوق التقاعد أي من المال العام ....
واليوم وبعد مرور أكثر من 3 سنوات يقبع عم محمود في بيته
جثة هامدة دون حراك بل هو بعض أنين وتأوه ومرارة وألم .... في انتظار ساعة اجله
.....
هكذا ينهب المال العام من طرف بعض المستكرشين والمضاربين
ومصاصي الدماء ... وهكذا يدفع عم محمود المزوغي الفاتورة مرتين .... وهكذا
انقلبت حياة عائلة المزوغي إلى مأتم يومي .....
ابنه نجم الدين الموظف بإحدى الشركات الوطنية قرر اليوم
بعد الثورة رفع الأمر إلى القضاء للتشكي من المصحة التي قتلت والده في اليوم مئات
المرات.....
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire