السلام محبة بشر بها محمد والمسيح من قبله... أمّا بعد فإنّ
حديثك عن الخلافة الرّاشدة الخامسة أو السّادسة، لا رأس له ولا ذنب كما يقول المثل
التّونسي، فإن كنت تستدر به عاطفة أتباعك الدّينية لتُحافِظ على تماسكهم، وكي لا
تتفرّق ريحُهم بين الأحزاب المُتنافسة، فذلك غير جائز لأنك أكدت بوجه سمْح في قناة
نسمة الغراء أنك لا تقود حزبا دينيا، وليست لك مرجعية دينية، وأنك مستعد لأن تضم مسيحيين تونسيين إلى
حزبك... فإذا كنت فعلا تخطب بصفتك أمينا على حزب مدني فلم الإغراق في الدّعوة،
ولها مقاماتها كما تعرف، وقد قلت الإغراق وليس الذكر العارض فذلك حق لك ولنا تمليه
علينا ثقافتنا وعقيدتنا. أمّا أن تظهر في زِيّ شيخ في مقام سياسي مدني فذاك
يُنفِّرني منك، وما يزيد نُفوري هو حديثك الرّومنسي الحالم عن تاريخ بشري كُتبت
حروفه في منعطفات كثيرة بالدم، فهل استحضرت سيدي حين تحدّثت عن الخِلافة الرّاشدة
قهرَ عمر لعلي وإجبار بني هاشم على بيعة أبي بَكر، حتى أنّ علي لم يُبايِع إلا بعد
وفاة فاطمة، وأنه كان يذهب إلى قبر النبي ويبكي من استضعاف القوم له بعد وفاة محمّد
صلى الله عليه وسلّم، وهذه الأخبار سيّدي تقرأها بحذافيرها في كتاب: تاريخ الخلفاء
لابن قتيبة، وهو عالم سني وليس شيعيا. أمّا عُمر فما مات حتّى ملّته قريش مثلما
ورد في الرّوايات الإسلامية، وتعرف أنّ موته كان قتلا. وأحسَبُ أنك قد ترتاعُ إذا
نظرت في روايات مقتل عثمان التّسع التي أوردها الطبري، وفيها تقطيع لأوصال الرّجل
بعينيه، حتّى أنّ زوجه نائلة بنت الفرافصة هالها ما رأت من تشفي قتلته فهبّت تذبّ
عنه... أو تعرف سيدي أنّ من قتلة عثمان عبد الله بن أبي بَكر، وأنّ القراء رفضوا
أن يُدفَن في مقابر المُسلِمين. وقد جاء في الطّبري أنّ عثمان دفنه نَفَرٌ قليل من
أهله، حملوه على باب وأسرعوا به ليلا حتى لا يُدركهم أهل الأمصار من مُحاصري عثمان
وقتلته، وقد دُفِن عثمان فعلا في "حش كوكب" وهي مقابر يهود ولمّا ولي
معاوية وسّع مقابر المُسلِمين فأدخل فيها "حش كوكب"... والقصّة دامية وطويلة
والطّبري عالم إمام متقدم في التّاريخ، وعُمدة مَن جاء من بعده من المُؤرِّخين.
ولا أحسبك سيدي غافلا حروب علي الضّروس مع معاوية والخوارج، وقد انتهت بمقتله في
المسجد فجرا، فهذه هي الخلافة التي سمّتها أجيال المُسلمين السُنّة رّاشدة تطفح
دما، وكانت سببا لنزاع طويل بين المُسلِمين كما أدرك الشيخ المُستنير علي عبد
الرازق في كتابه: الإسلام وأصول الحكم (1925)، "فهو صلى الله عليه وسلّم ما
كان إلا رسولا لدعوة دينية خالصة للدّين لا تشوبها نزعة ملك، ولا دعوة لدولة..."
بقلم الدكتور حسن
مزاينية


Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire