محمد زين العابدين
في الحقيقة لا يتحمل
"تركة" الشأن الثقافي المترهل الوزير الحالي لوزارة الشؤون الثقافية...
بل إن من مرّوا على رأس هذه الوزارة بدءا بعزالدين باشا شاوش فمهدي المبروك ولطيفة
لخضر مرورا بمراد الصقلي وسنية مبارك وصولا إلى محمد زين العابدين يتقاسمون مسؤولية
الفشل... ويبدو أن النصيب الأكبر لهذا الفشل يعود إلى هذا الأخير الذي خيّب
آمال الفاعلين في المشهد الثقافي باعتبار وأنه الوحيد الذي توفرت له شرعية الإصلاح
والتطوير على أساس أنه عُيّن في نطاق ما يُعرف بحكومة الوحدة الوطنية... ربما من
أسباب فشل الوزير أنه حافظ على نفس عقلية إدارته لمهرجان قرطاج في دورته الـ (52)
لسنة (2016)، أين حرص على إبراز صورته الشخصية بعيدا عن منطق حبه للثقافة وتشدقه
بشعارات الوطنية واحترامه للمثقفين.... فقد أدرك، وهو المهوس بالسلطة منذ أقسام
الجامعة وقاعات التدريس، أن مهرجان قرطاج هو جسر العبور إلى وزارة
الثقافة... خلال إدارته للدورة الفارطة أنفق وزيرنا المعتد بنفسه أيّما اعتداد
وبنرجسية منقطعة النظير ما لم ينفقه مهرجان قرطاج في مستوى الدعاية والإشهار طيلة
4 دورات... (112) ألف دينار تقريبا صُرفت (من مال المجموعة الوطنية) لا لتلميع
صورة المهرجان بل لصورة شخص فقط ليتم توزيره. نعم كان همّه الوحيد أن يصبح وزيرا
أو ربما تمكينه، هكذا، من خطة وزير ولو دون حقيبة ودون امتيازات بما في ذلك امتياز
السيارة لأن سائقه الحالي هو صديقه الحميم منذ سنوات... أنذاك كان الإعلامي محمد
بوغلاب وكيل حملة إشهار صورته. وفعلا نجح في البروز وبات قريبا من قصر الحكومة
بالقصبة تزامنا مع سقوط حكومة وتشكيل أخرى...
مؤخرا أثارت الشاعرة أمال موسى التي استبقت
فشلها في إنجاح الدورة المرتقبة لمهرجان قرطاج ورمت بأسباب استقالتها لسبب
سوء التصرف المالي الذي ميّز الدورة الفارطة. على أهمية ما أنارت به الرأي العام،
لم تأت الغير مأسوف على استقالتها، على جلّ الأوجه وربما جانبت الأرقام الصحيحة.
جاء على لسانها أن بطاقات الدخول المجانية التي وهبها محمد زين العابدين كانت
قيمتها المالية في حدود الـ (90) ألف دينار، بينما يفوق الرقم الصحيح
المليار والربع المليار اعتبارا إلى أن مدير المهرجان أغدق، بنفسه، على
أرباب الأحزاب ورجال الأعمال والإطارات العليا للدولة بما قدره (28) ألف
بطاقة دخول مجانية على امتداد (30) ليلة من المهرجان. بعملية حسابية إحصائية
وبمعدل 45 دينارا للتذكرة يكون محمد زين العابدين قد أنفق
مليارا و(260) ألف دينار.
كل ذلك من أجل كسب رضا السلطة هذا
بالإضافة إلى تمكين وكيل إشهاره (بوغلاب) من التصرف في (533) تذكرة وبطاقة دخول
للصحفيين فضلا على التعاقد مع عديد الإعلاميين (25) لكسب ودّهم.
نجح محمد بوغلاب (الذي استقدم على حساب
المهرجان زوجته الصحفية وحاشيته) في المهمة التي أوكلت إليه.
ونجح من ثمة مدير المهرجان أنذاك في تحقيق أمنيته المتجددة. وزير، نعم أصبح
وزيرا.... أخلاقيا كان لزاما على مدير المهرجان أن يُكافئ من أوصله
إلى مكتبه الحالي فمكّن بوغلاب من مبلغ فاق الــ (12) ألف دينار. ولم يكتف
بذلك، وهو صاحب المبادئ والمنتصر دوما لمن يقف معه ولو بالكلمة اللطيفة
والمساندة، بل التمس من الرئيس المدير العام للإذاعة الوطنية أن يوافق على طلب
إلحاق محمد بوغلاب إلى المؤسسة الوطنية لتنمية المهرجانات والتظاهرات
الثقافية والفنية لمدة 3 سنوات.
لم يتردد السيد عبد الرزاق الطبيب في
الاستجابة لطلب الوزير ووافق على التخلص من عبء بوغلاب على ميزانية الإذاعة ليلتحق
هذا الأخير بتاريخ 1 أكتوبر (2016) بمؤسسة التظاهرات الثقافية التي تشرف عليها
وزارة الشؤون الثقافية. وقد أُعدّ له مكتبا مؤثثا بجميع المستلزمات التي
تساعده على إعداد برامجه التلفزية دون غيرها رغم أنه يتقاضى أجرا شهريا
يناهز (1800) دينار من وزارة الثقافة دون مقابل ملموس...
امال موسى
فقط أن السيد الوزير حريص على
الاستنجاد ببوغلاب للتدخل (لفائدته) بين الحين والآخر كلما تعالت أصوات
المثقفين من هنا أو هناك. والهدف الأوحد هو الإبقاء على تلك الصورة
"اللامعة" وغالبا ما يكون ذلك على قناة الحوار التونسي أو على
"أثير" حمزة البلومي المدافع الشرس على وزير الثقافة بعد أن قبّضه مئات
الدنانير حين كان مديرا للمهرجان مقابل تشريفه فقط. وحقيقة لا نتصور أن
مختار الرصاع المعين على مهرجان قرطاج، سيتخلى عن خدمات بوغلاب في الدورة
المرتقبة ولو نزولا عند توصيات السيد الوزير لتجنب الشبهات، لأن الشبهة باتت ثابتة
على الوزير الذي تولى إلحاقه بوزارة الثقافة/ بالمهرجان دون تبرير
الحاجة إليه...
بعد عديد التجاوزات التي قام بها مدير المهرجان
من حيث العروض الفنية والخدماتية وهي مشاكل كادت أن تعصف بحلمه في التوزير لولا
استشارة صديقه المحامي أحمد بن حسانة الذي قنّن له كل الإخلالات ... ولمجابهة
الهرج الذي تعاظم واللغط الذي تكاثر أحاط السيد الوزير نفسه بأسماء
نكرة ثقافيا وصدّرهم بالوزارة كمستشارين له مهمتهم الأولى هي الاستخبار
وإرباك الإدارة والموظفين ممن لا يروق لهم. وكانت البداية وبأمر عليّ من محمد زين
العابدين تغيير رئيس الديوان يوسف بن ابراهيم الذي يعرف القاصي والداني أنه
جدير بمكانه إداريا وقانونيا وثقافة وبالنهاية الملم بدواليب الوزارة.
لكأن الرجل كان عثرة في تفردهم بأخذ
القرارات العشوائية والاستحواذ على الوزارة كتصرف المالك في ملكه. المستشارون ونخص
بالذكر منهم زياد الخليفي وهيفاء العياري وأسماء المزوغي (على أمل أن يستقيل
المحترم محمد مسعود إدريس قريبا قبل التحاقه بالمركز الدولي بالحمامات)
اهتموا بترهيب ما تبقى من الإطارات ونقلوا، بُهتانا، عددا منهم من ذلك أحمد
شعبان وعزالدين العبيدي ومنير الماجري وخير الدين بن سلامة.. ولم يسلم منهم حتى
البسطاء (السكرتيرة والحاجب).. وأقالوا سمية صمود من إدارة الموسيقى مع الإبقاء
على مرتبها دون عمل يذكر... إلى جانب التحريض على ابراهيم اللطيف وعديد
المثقفين ودفعوا أمال موسى الى الاستقالة وآخرها هرسلة فتحي البحري مدير
المعهد الوطني للتراث الذي استقال حفاظا على نظافة يده بعد أن ضغط عليه الوزير
بنيّة التفويت في عدد من المتاحف والمواقع الأثرية بقرطاج وغيرها لفائدة الخواص
وهو ما سيحدث قريبا بتعيين فوزي محفوظ إن لم يتدخل شرفاء الدولة والمجتمع المدني.
المستشارون فهموا في ظرف وجيز من أين تؤكل
الكتف وكيف يمكن لهم، إلى جانب ما يتحصلون عليه من أموال جانبية، أن ينهبوا المال
العام فقاموا في إطار تقنين تمعشهم بتأسيس جمعية أتوا لها من الأسماء الحُسنى
"تونس الثقافة 20/20" (بي آر). جمعية مشبوهة (ذكّرت الساحة الثقافية
بجمعية "فرحة شباب تونس") ترأسها زياد الخليفي ونابَتهُ هالة
الوردي وتكفّلت بأمانة مالها كل من سيماء المزوغي وهيفاء العياري التي عوّلت، في
الغرض، على خدمات شركة زوجها للاتصالات لإشهار مستقبل هذه الجمعية وما تقتضيه
صورة الوزير من تلميع خاصة في ما يتعلق بتوجهاته للتفويت في القطاع الثقافي.
محمد بوغلاب
إذ جاء في النقطة الأولى لأهداف الجمعية
المذكورة، حسب الرائد الرسمي الصادر في (28 جانفي 2017)، "المساهمة في تطوير
البنية التحتية للمؤسسات الثقافية العمومية والخاصة والمساهمة في إنشائها وفي
برامج صيانتها وتهيئتها وتجهيزها وتوفير الوسائل اللوجستية اللازمة لإنجاز نشاطها
وذلك بالتنسيق مع وزارة الشؤون الثقافية". جمعية مدنية، هكذا، تسحب البساط
الثقافي من الدولة وبأموال الدولة. فسامحك الله يا سيدنا الوزير.
نسي الوزير أن يُلمّع الثقافة التونسية ولو
بمفهومها الرسمي... نسي أن الساحة الثقافية متعطشة إلى نفس جديد وإلى سياسة تقطع
مع الماضي.... نسي أن يبادر وهو "الفنان" بالتأسيس لثقافة جديدة تؤمّن
المسار الانتقالي وما يتهدده من مخاطر... راح يُبذّر المال العام في تظاهرة
سمّاها "مدن الفنون".... تظاهرة لم تكن ناجحة إلاّ في مخيلة السيد
الوزير.... فهي فاشلة بكل المقاييس، ناهزت مصاريف جولاتها إلى حد الآن مليار دينار
ولم يبق من آثارها سوى قطع رخامية باهتة كُتب عليها "مدينة فنون" وطبعا
أرشيف الزيارات لتلك المدن الذي يستمتع الوزير في نشره بصفحته الفايسبوكية....
صفحة يتقبّل عليها شعارات التطبيل والتضليل.
تصوروا لو قام الوزير بضخّ هذه الأموال في
نوادي دور الثقافة والمكتبات المهجورة... فكيف ستكون حالنا الثقافية؟... تصوروا لو
رصدت هذه المبالغ لبعض الجمعيات الثقافية المفقرة والملتقيات الأدبية؟... لو تفطّن
الوزير إلى ملف التشريعات والقوانين التي أكل عليها الدهر وشرب وخاصة النص السيء
الذكر (438) لكان الوضع أفضل وسيتذكره الجميع ولو بعد عقود.
لو حرص الوزير على العناية بالبنية التحتية
للمؤسسات مرجع النظر وصيانة أسطول السيارات الإدارية المهترئة واسترجاع حقوق
الموظفين بالدار العربية للكتاب والمعهد الوطني للتراث وغيرها من
المؤسسات حتما كان وضع الوزارة سيكون أحسن بكثير.
لو صرف السيد الوزير فقط مبلغ الــ(63) ألف
دينار لتزويق قاعة اجتماعاته، رغم أنها على حالة حسنة، في إنتاج عمل فني لَنَفَعَ
العباد والبلاد. فسامحك الله ثانية يا سيدنا الوزير.
لو حرص السيد الوزير على التصدي
لظواهر الفساد المعلن وغير المعلن لكان أفضل.
غالبا ما يطلع علينا للتشدق
بأنه حريص على إحالة الملفات المشبوهة على جهات هي في الحقيقة مستودعات
لدفن الفساد. فكُفّ يا السيد الوزير عن الاستهانة والضحك على الذقون.
كيف يمكن تفسير صمتك على بيروقراطية
بعض مسؤوليك كمديرة إدارة السينما ومدير عام الوكالة وتجاوزات منظوريك على غرار
مندوبة جندوبة ومندوبة نابل والفاضل الجعايبي..
هذا الأخير الذي يتصرف في المسرح
الوطني وكأنه مشروعه الخاص وآخرها استقدام ابنته آسية الجعايبي لإنجاز وعرض
مسرحيتها "ليلة النجوم"، مسرحية ستعرض نهاية هذا الشهر بتجهيزات ووسائل
المسرح الوطني التي لا تتاح لغيرها من المسرحيين الذين توسلوا مرارا للجعايبي دون
فائدة ؟.
كيف يُفسر السيد الوزير إبرامه لعدة عقود
"إسداء خدمات" دون ترخيص من رئاسة الحكومة أو حتى استشارتها أو دراسة
تكلفتها وجدواها، حتى أن بعض هذه العقود شملت من ليس له شهادة علمية وبمبالغ
مشطّة... أ تصرف أموال المجموعة الوطنية فقط للجم الأفواه؟ سامحك الله ثالثة ها
السيد الوزير.
السيد الوزير، يُفترض أن اعتمادك على
قاعدة "اطعم الفم تستحي العين" بات مكشوفا... وأن ترويجك لنجاحات
دنكشوتية جلب لك القليل من التعاطف الوهمي مع بعض المحسوبين على الساحة الثقافية
والإعلامية، لكن تأكد أنهم في حقيقتهم يسخرون منك بمجرد انتهاء اللقاء أو
المكالمة...
ها السيد الوزير، لكل مرحلة أخطاؤها
لكن مرحلتك أنت على رأس وزارة الثقافة تُعتبر الخطأ بعينه... السيد الوزير، إنك
دفعتنا "بصفتك" دفعا إلى هذه المنازلة.... فقط أردنا إنارة معاليكم
بأنكم في الطريق الخطأ.... وأن توجهاتكم وتوجيهاتكم بعيدة كل البعد عن
الثقافة الحقيقية.... إن هيكلة التظاهرات الثقافية الكبرى من ناحية، وترسيخ
النوادي (فن تشكيلي،مسرح، موسيقى، سينما، أدب،...) من ناحية ثانية تعتبر صمام
الأمان لحماية أبنائنا من التطرف والغلو والجهل.
ها السيد الوزير، لا نريد مساءلتك عن
مسؤوليتك في فشل تظاهرة صفاقس عاصمة للثقافة العربية التي حضرت، اختتام تهريجها،
شبه مبتسم كما عهدناك أمام عدسات التصوير حريصا على التعويم تماما كحرصك
على ضبط ربطة عنقك؟ .. لا نريد مساءلتك عن القرار الثوري الذي أمضيت فيه مع
وزير المالية حول قيمة اشتراك الطلبة بدار الكتب الوطنية وأثرت بعدها سخرية الجميع
بالقول بأنك لم تكن على بيّنة من الموضوع. فسامحك الله يا السيد الوزير رابعة.
لا نريد مساءلتك حول تهميش المنشطين
الثقافيين (108 دينار شهريا) وقيامك مؤخرا في إطار سياستك "فرق تسد"
بانتداب منشطين بمئات الدنانير؟...
ها السيد الوزير، اخترنا أعمدة
"الثورة نيوز" باعتبارها لسان المقهورين والأكيد ستكون لنا عودة بوثائق
وملفات أخرى.... في انتظار ذلك، وأمام إصرارك على احتقار وإهانة موظفي الوزارة
وتسويفك اليومي للمثقفين وعدم تأكدنا من جدية رئيس الحكومة في محاسبتك ولو من باب
سوء التصرف. وأمام كل هذا التصحّر الثقافي، نناشد السيد رئيس الجمهورية باعتباره
الضامن الأول لأمن البلاد، التدخل الفوري لصدّ الغزو المنتظر للإرهاب على ناشئة
وشباب تونس.
✔ الغيورة شريفة بن عزة الله
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire