نعود اليوم لمواصلة النبش في ممارسة الفساد
العلمي عند لجنة التأهيل الجامعي في الجغرافيا دورة 2015 بعد أن كنّا قد أتينا على
الممارسات التي وصفها أحد "الضحايا " بالقذرة التي كان يأتيها عدنان
حيدر. وبعد أن كنّا قد أتينا على مهزلة تأهيل وانتداب كنسته ثورة 17 ديسمبر 2010
والي سيدي بوزيد مراد بن جلّون والممارسات التي تحيط بها شبهات فساد بالجامعة
التونسية والتي تؤصّل للمحسوبية والانتهازية والوصولية لكل من المقررين عمر
بالهادي وفضيلة العلوي وأعضاء لجنة الانتداب لنفس الدورة عامر الوسلاتي والهادي بن
وزدو وعلي بن نصر وعبد الكريم سالم . وبعد أن نشرنا مختلف التفاعلات سواء تلك التي
وصلت الثورة نيوز أو التي ملأت شبكة التواصل الاجتماعي، قلنا نعود اليوم لنكشف عن
وجه آخر من الفساد العلمي يكشف بدوره تأصّل الفساد عند البعض والإقصاء والانتهازية
المقيتة والحسابات ضيّقة، التي كاد أن يذهب ضحيتها أحد أبرز الأساتذة الشبّان بسبب
– ويا للغرابة – "صغر سنّه". نعم، في جامعتنا أن تكون صغير السنّ ليس من
حقّك أن ترتقي في مدارج العلم والمعرفة
حتّى يأذن لك شيوخ العلم. فهل مازلنا نأمل بعد هذه الغرابة في مرتبة مشرّفة
لجامعتنا في الترتيب الإفريقي بعد أن صارت المكانة العالمية ضربا من الخيال. يبدو
أنّ الأمر كمن يطارد سرابا ما دام هؤلاء جاثمين على مفاصل الجامعة التونسية.
واليكم القصّة من بدايتها:
الشاب الباحث الجامعي سالم الداهش ينشد موقعه
الطبيعي
تقول استقصاءاتنا بأنّ الأستاذ الباحث بجامعة
صفاقس كلية الآداب سالم الداهش قدّم ترشحه للتأهيل الجامعي دورة 2015 وهي الدورة
التي ترأس لجنتها أستاذ تلاحقه شبهات الفساد العلمي بالجامعة التونسية عدنان حيدر.
وقد كنّا قد آتينا على مختلف ممارساته في
الأعداد 179 ، 180 ، 181 و 182. وقد استوفى الأستاذ الداهش كل الشروط الإدارية
والعلمية التي تخوّل له احتلال مكانه الطبيعي في سلّم المعرفة والوظيفة. والذين
استقصيناهم في مختلف الكليات تحدّثوا عن شاب مثالي في عمله وفي مكانته العلمية.
وهو من ابرز ما أنجبت الجامعة التونسية.
وكان قد أتمّ دراسته الجامعية في فرنسا بعيدا عن محضنة الفساد العلمي التي
كانت ترعاها زمرة من الجغرافيين الفاسدين. وقد كلّف عدنان حيدر المقرّرين توفيق
المالكي والحبيب بن بوبكر الأستاذين المحاضرين بكلية الآداب بمنوبة لدراسة ملف
المترشّح. وهنا مربط الفرس...
بذرة الفساد لا يمكن أن تنتج الاّ فسادا
من المهم وضع
الأمور في إطارها القانوني: هناك ضوابط زمنية لدراسة الملفات المقدّمة وإسناد
التأهيل لمن يستحقّه حتّى يستطيع المترشّح الترشّح لرتبة أستاذ محاضر.وقد رأينا في
الأعداد المُشار إليها أعلاه ما فعله عدنان حيدر لنجدة من أطاحت به ثورة 17 ديسمبر 2010 ليؤهّله أسبوع واحد قبل
نهاية آجال تقديم الترشحات لرتبة أستاذ مُحاضر وهو 31 جويلية 2015. وكان يمكن أن
يصير نفس الأمر وحتّى قبل ذلك بالنسبة للأستاذ الداهش خاصّة وهو المعروف جدّا لدى
المقرّرين. غير أنّ الصادم في المسألة أن إعداد تقريرين في الغرض "استوجب"
أكثر من سنة بشكل مقصود ضيّع على الأستاذ سالم الشاهد سنتين من مسيرته الوظيفية.
وهنا مكمن الفضيحة الكبرى.
تقول استقصاءاتنا
بأنّ خلافا حادّ اندلع بين المقرّرين : الأستاذ المالكي أعدّ تقريرا ايجابيا
والأستاذ بن بوبكّر أعدّ تقريرا سلبيا. وقد كشف عن هذا الخلاف الأستاذ المالكي
لبعض المقرّبين منه وأوضح بأنّ مآخذ زميله على المترشّح انّه صغير السنّ "
مازال صغير ويحب يولّي أستاذ محاضر". نعم هكذا بكلّ بساطة، بل بكلّ وبكل ظلم.
تُقيّم الملفات العلمية عند هؤلاء بالسنّ. هذا هو منطق شيوخ العلم. ولا غرابة في
ذلك. فقد ترعرع في حاضنة فاسدة منذ أن كان طالبا بدار المعلمين العليا بسوسة في
أواخر ثمانينات القرن الماضي. فقد تتلمذ على يد عمر قمّار واحتضنته لطيفة هنية
وأحاط به عبد الله الشريف وعدنان حيدر وهي أسماء تحيط بها شبهات فساد لدى
الجغرافيين ، وسنفتح ملفاتهم تباعا في القريب
العاجل. يصفه أحد الذين درسوا معه في دار المعلمين العليا بسوسة بالطفيلي
والانتهازي والوصولي. ويضيف بأنّك إذا أردت أن تعرف مكان بن بوبكر أيام إضراب
الطلبة فاذهب إلى شاطئ بوجعفر. كما يُعرف عند بعض الجغرافيين بكلية 9 أفريل
"بشوشو لطيفة" في إشارة إلى تملّقه ووصوليته.. وللحقيقة فإنّ كلّ الذين
استقصيناهم أجمعوا على كلّ ما ذكرناه.
ويبقى السؤال
المحيّر لماذا كشف الأستاذ توفيق المالكي عن هذا الخلاف؟ هل دفاعا عن نفسه أم
تشهيرا بزميله وابن بلدته؟ أم هو صراع خفي؟ المعروف في أصل الأمور أنّ كلّ مقرّر
يعدّ تقريره ويسلّمه إلى رئيس اللجنة. فإذا كان هناك اختلاف بين التقريرين يتمّ
تعيين مقرّر ثالث للحسم. وفي هذا الجانب تبقى المسألة غامضة وتبقى كلّ التساؤلات
معلّقة.
الذين استقصيناهم
في كلّيتي منوبة و9 أفريل أجمعوا على نزاهة الأستاذ المالكي ولو أنّ البعض تحدّث
عن نرجسية وحتّى عن انتهازية ووصولية مبطّنة في ممارسته. ويبرّرها البعض بالمحافظة
على مصالحه الضيّقة بعيدا عن المبادئ والأخلاق. ولهذا يطرح علامة استفهام من موقفه
من قضية سالم الداهش وكشفه لمل كان يدور بينه وبين بن بوبكّر. ولو أنّ البعض فسّر
دفاعه عن المترشّح سالم الداهش بمعرفته الجيّدة له وبأخلاقه الدينية خاصّة وهو إمام
جمعة ببلدته. غير أنّ المفاجأة التي قلبت كلّ هاته الآراء جاءت من جامعة صفاقس. فقد
كانت للاستقصاءات التي قام بها مراسلنا هناك منحى آخر يؤكّد على أنّ ما خفي كان
أعظم. اذ يكشف أحد المقربين جدّا من الأستاذ سالم الداهش أنّ موقف الأستاذ المالكي
لا يعدو أن يكون تبرئة ذمّة من تعدّ صارخ كان قد أتاه في حقّ الأستاذ المترشّح
سالم الداهش علما بأنّه كان أحد طلبته. فقد قام بمعية أستاذ آخر
"بالسطو" على معطيات وقياسات ميدانية على ملك المترشّح ومنها قاما
بتأليف كتاب بعنوان:
Eléments de
climatologie urbaine : cas de la ville de Sfax
وهو الكتاب الذي
استغلّه في الحصول على التأهيل الجامعي سنة 2011. وفي أعراف الباحثين الجامعيين تُعتبر
المعطيات الخام والقياسات الميدانية من الأسرار الخاصّة التي يحرص كلّ باحث على
حمايتها. فكيف إذا - يضيف مُستقصينا - يتجرّأ على رفض ملف تأهيل الأستاذ سالم
الداهش. فالمسألة ليست مسألة نزاهة وأخلاق ومبادئ دينية بقدر ما هي مصلحية يطمر من
خلالها أيّة محاولة للمترشّح لكشف ما تعرّض إليه من تحيّل.
ويبقى السؤال ما
الذي رجّح كفة التوافق على تقريرين إيجابيين؟ بعض العارفين يرجحون تدخّل
"عرفتهم" لطيفة هنية خاصّة وقد أضاعوا عليه سنتين ومكّنوا أنفسهم بالتالي
من الترشّح لرتبة أساتذة ليبقى في النهاية سالم الداهش أقل رتبة منهم.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire