تخرج من الكلية الوحيدة للصيدلة بالبلاد (كلية الصيدلة
بالمنستير) منذ انبعاثها خلال سنة 1975 أكثر من 3200 صيدلي ما زال أكثر من نصفهم (1600
صيدلي ) إلى تاريخ الساعة يشكو)البطالة المقيتة، ومن المفارقات العجيبة أن جميعهم من الطلبة
الممتازين والمتفوقين وذنبهم الوحيد أنهم من أبناء الطبقة الكادحة أو من عامة
الشعب وعلى العكس فقد ضمن الطلبة
المتوسطون والعاديون من أبناء الأثرياء الفوز بصيدلية متميزة في قلب المدينة دون
تسجيل ودون شهر بطالة. وضعية معكوسة
فرضتها هشاشة التشريع المعتمد ومنظومة شروط الانتصاب المتهرئة وعملية احتكار
مفضوحة حوّلت قطاع الصيدلة إلى قطاع يقتصر على أبناء رجال المال والأعمال والسياسة ولا
يتجاوزهم إلى غيرهم .
"الثورة نيوز" توصلت من خلال هذا المبحث
الاستقصائي إلى كراس شروط متستر عنه يهم قطاع الصيدلة وطريقة الحصول على ترخيص
لبعث صيدلية بأحد الأحياء أو القرى أو المدن وللغرض ولتفادي إهدار الطاقات وإضاعة
الوقت فهي تنصح الناجحين في "باكالوريا" السنة الحالية من أبناء
العائلات الفقيرة والمتوسطة من المتحصلين على معدلات متميزة (17/20 فأكثر) أن
يبتعدوا عن شعبة الصيدلة وان يوجهوا اختيارهم خارجها نحو شعب أرحب وأرحم وأهون.
فكم من طالب توجه نحو الصيدلة بتفوق وتلاها بنجاح باهر طيلة سنوات الدراسة الستة
ليجد نفسه خارج السرب محروما من حقه في
ممارسة مهنة أحبها وبذل من أجلها الغالي
والنفيس. فهذا محمد من عائلة فقيرة والده عامل يومي تخرج منذ أكثر من 15 سنة صيدليا
وعلى رأس قائمة الدفعة وجد نفسه عاملا بمخبزة يتقاضى مرتبه باليوم وذاك أيمن يتيم
الأب ومن عائلة شبه معدمة ضحكت له الأيام ليتخرج صيدليا منذ أكثر من 10 سنوات
وعادت وعبست الأيام وأغلقت في وجهه الأبواب ليحال على قائمة الانتظار إلى الأبد
وكان الخيار في فتح متجر بقالة بأحد الأحياء الشعبية ليضمن قوته وقوت والدته
العجوز وفي الطرف الآخر نجح كريم في امتحان الباكالويا بمعدل لا يتعدى 10/20
"تعريفة الحاكم" وليلتحق بإحدى كليات الصيدلة بالخارج "المعسكر
الشرقي" على نفقة والده الثري وبمجرد عودته المظفرة بالديبلوم المشبوه اشترى
له الوالد أصلا تجاريا لصيدلية تقع على حافة شارع الحبيب بورقيبة بإحدى المدن
الكبرى، أمّا عن إيناس ابنة مقاول معروف فقد حالفها الحظ بالنجاح في دفعتها بمعدل
عادي ولتجد في انتظارها في شكل هدية التخرج عقد شراء أصل تجاري لصيدلية معروفة
بمدينة أريانة بمليوني دينار وليشيد لها الوالد السعيد المقر الجديد الموعود بكلفة
تجاوزت المليون دينار.
وأما عن هالة
فقد نجحت بفضل شبكة علاقاتها الواسعة في عالم الإعلام والمال والسياسة إضافة إلى
زوجها من احد الأثرياء في الفوز بصيدلية في إحدى ضواحي العاصمة وذاك سامي فشل في
التوجه نحو دراسة الصيدلة في تونس لضعف تحصيل أعداده فالتحق بإحدى كليات الجزائر
السبع وليعود بعدها ب6 سنوات وفي جرابه ديبلوم صيدلي وليرث في حينه عن والده
الصيدلي المعروف أصلا تجاريا لصيدلية وسط إحدى المدن السياحية... الأمثلة كثيرة
يصعب المجال لسردها وتعدادها لكن الخلاصة أن امتهان الصيدلة هو حكر على أبناء
الأثرياء دون سواهم وعلى الدارسين خارج البلاد وبدول المعسكر الاشتراكي بالتحديد.
قانون مشؤوم ومنظومة مزعومة للتأسيس لدولة الفساد
إصدار القانون المشؤوم رقم 55 لسنة 1973 المؤرخ في 03/08/1973 والمنقح بالقانون عدد 75 لسنة 1992 المؤرخ في 3 أوت 1992والمتعلق
بتنظيم المهن الصيدلية والذي جاء قبل بعث كلية الصيدلة بالمنستير بأكثر من السنتين
(أنشئت عام 1975 بمقتضى القانون عدد 75 المؤرخ في 14 نوفمبر1975)كان سببه
حرص سلطة الإشراف على إحكام التوزيع الجغرافي للصيدليات لتشجيع الانتصاب داخل
الجمهورية ولتقريب الدواء من المواطنين ولكن انقلب هذا القانون العجوز الذي يعود
إلى 4 عقود وتحول إلى نقيضه متسببا في اختلال التوازن وفقدان مبدأ أساسي في
العدالة ونعني به تكافؤ الفرص بين جميع المترشحين وليصل الأمر إلى حد التناقض مع القانون
عدد69 لسنة 2007 والمؤرخ في 27/12/2007 والذي ينص على ما يلي:" حفز المبادرة
الاقتصادية أولوية وطنية تعمل جميع الأطراف الاقتصادية والاجتماعية على تكريسها في
إطار ضمان تكافؤ الفرص وعلى أساس أن الحرية هي المبدأ والترخيص هو الاستثناء."..منظومة "الرقم الشرطي" المزعومة التي أسس لها في
الظاهر لتنظيم مهن الصيدلية وتقنينها ماهي
في باطنها إلاّ منظومة فساد مالي وإداري عملت منذ اعتمادها على حجب الحقوق عن
أصحابها ومنحها لمن لا يستحقون.
قطاع
الصيدليات بين فكي كماشة وحدة الصيدلة والدواء وعمادة الصيادلة
قطاع الصيدليات يحكمه بالتوافق
كل من وحدة الصيدلة والدواء DPM بوزارة
الصحة العمومية هي الجهة الرسمية المشرفة وهيئة العمادة الوطنية للصيادلة بتونس ONPT وهي الجهة النقابية
الحصرية المخول لها التحدث باسم الصيادلة وتقرير مصيرهم وبحكم أن كلاهما يعمل
لفائدة فئة صغيرة احتكرت القطاع مبكرا وحولته إلى أصل تجاري خاص بالصيادلة القدامى
والأثرياء يورثونه لأبنائهم وأقاربهم ويتبادلونه على طريقة أسهم البورصة فانه
استعصى بديهة على الصيادلة الشبان النفاذ إلى هذا العالم الضيق لممارسة حقهم
المشروع في امتهان مهنة الصيدلة التي أفنوا من أجلها أحلى سنوات العمر .. فقد تشمل
اسم احدهم منذ 1996 إحدى قائمات الانتظار المحينة وغير المحينة والنهائية وغير
النهائية لكنه من المستحيل أن يلحق دوره وأن يرخص له بفتح صيدلية قبل بلوغه سن
التقاعد.
قوانين شروط الانتصاب ..".شرط العازب على الهجالة"
قوانين شروط الانتصاب تم إعدادها في غرف مظلمة من طرف عمادة الصيدلة على
مقاس مجموعة ضيقة من الإقطاعيين الجدد احتكروا قطاع الأدوية (تصنيعا– توزيعا–
تجارة جملة – تجارة تفصيل) وحولوه إلى مزرعة خاصة يحكمونها كما يشاؤون فالمخطط
المديري المزعوم لدراسة احتياجات كل منطقة للصيدليات انبنى على عديد المغالطات
والترهات والخزعبلات التي أسست لدولة فساد في قطاع الصيدلة تحكمها مافيا من رجال
المال والأعمال فقاعدة المرجع العددي المحدد من
المتساكنينNumerus claususللترخيص بفتح صيدلية جديدة على الجهات تحولت إلى سيف مسلول في
يد أصحاب الحل والعقد يوجهونها على الهوى والهوية ليتحول حق صيدلي شاب من أبناء
الطبقة المتوسطة أو الضعيفة أو من متساكني الأحياء الشعبية بافتتاح صيدلية بإحدى
المدن أو القرى مجرد حلم معلق بين السماء والأرض والنافلة والفرض يستحيل تحقيقه إلا عبر معجزة.
قاعدة اعتماد عدد السكان...حلال عليكم
وحرام علينا
القاعدة المعتمدة في شروط الانتصاب حسب عدد السكان
تتغير حسب أهواء مافيا قطاع الأدوية في بلدي فمرة يقنن الشرط الديموغرافي على
مستوى صيدلي واحد لكل 4000 ساكن وفي أخرى ينزل العدد صيدلي لكل 1500 ساكن وليعود
في وضعية أخرى ليصعد إلى صيدلي لكل 3600 ساكن وفي حالات استثنائية أخرى يقع تعليق
تطبيق الشرط وهو ما يؤكد أن القاعدة ما هي إلا مغالطة كبيرة للضحك على الذقون
فالباب لا يفتح إلا نادرا وللسماح لأسماءمحددة مسبقا للحصول على رخصة الانتصاب .
تقسيم الولايات إلى مناطق Zone من 0 إلى 5 وتعمد اعتماد البلدية
والمعتمدية عند التوزيع وإغفال الطاقة الشرائية لسكان الجهة افقد التوزيع الجغرافي
للصيدليات مكنونه إذ ما معنى أن تنصب 5 صيدليات في بلدة سيدي ثابت بعدد سكان في
حدود 20 ألف ساكن مقابل 3 صيدليات في بوفيشة والحال أن عدد سكانها 27 ألف ؟ وكيف
يفتح في حمام سوسة نفس عدد الصيدليات المفتوحة بمساكن والحال أن عدد سكان الثانية
ضعف الأولى (قرابة 100 ألف ساكن بمساكن و50 ألف بحمام سوسة).هذا إذا اعتبرنا أنّ
الإحصائيات المقدمة من الجهة المشرفة على إسناد التراخيص صحيحة.
تونس على عكس جل بلدان العالم اختارت الإقصاء والاحتكار والتهميش
جل البلدان التي تستعمل المنظومة
الحرة لم تشتك من حالة الإشباع وعدم الاستقرار ولم تلتجئ إلى منظومة الرقم الشرطي
لأن هذا الأخير يتنافى مع الدساتير العالمية التي تمنع إصدار قوانين تقيد حرية
العمل، ولكن المحدد الوحيد لفتح صيدلية هو اقتصاد السوق الذي يتطلب دراسة جدوى
للمستفيد وإلا سيتعرض إلى خسائر(قانون المهن الحرة يحمل صاحب المشروع المسؤولية)
فالجزائر مثلا لها ما يقارب 7 كليات و 8000 صيدلية يعملون طبيعيا بمنظومة كراس
الشروط دون أي إقصاء أو احتكار أو تهميش.
المنظومة الشرطية المقيتة
تتسبب في خسائر للدولة ب14000 مليار
بلغ عدد العاطلين من خريجي كلية
الصيدلة بالمنستير ما يفوق 1600 عاطلا ويضاف له أكثر من 800 عاطلا من خريجي
الجامعات الأجنبية ممن لم يسعفهم الحظ في الحصول على ترخيص الانتصاب ليصل المجموع
إلى أكثر من 2400 صيدلي معطل عن العمل ملؤوا قوائم الانتظار وبحكم انه يتخرج سنويا
من الكلية الوحيدة بتونس قرابة 250 صيدليا إضافة إلى 200 خريج صيدلة جامعات أجنبية
يكون بالتالي المجموع المضاف سنويا لسوق المعطلين 450 صيدليا وبحكم أن الطاقة
التشغيلية للصيادلة الجدد لا تتجاوز 50 صيدليا في أقصى الحالات حسب النمو
الديمغرافي المعتمد صلب المنظومة الشرطية يرتفع عدد الصيادلة المعطلين إلى 2800
صيدلي أي بنسبة 17% سنويا تقريبا ....وبحكم أن تكوين صيدلي واحد يكلف الدولة
مصاريف لا تقل عن 5 مليون دينار يكون مجموع المال المهدور من المال العام في حدود
14 مليار دينار (تقريبا نصف الميزانية السنوية للدولة) ...والغريب في الأمر أن جل
المحظوظين ال50 الذين حصلوا على ترخيص في بعث صيدلية هم من أبناء العائلات الثرية
.
الصيادلة الممارسون وسياسة
التعويم والتعتيم والمغالطة
المافيا التي تحوزت على قطاع الدواء
من التصنيع (قرابة 30 مصنع دواء) إلى التوزيع (2000 صيدلية) روجت زورا وبهتانا أن
قطاع الصيدليات وصل إلى حد الإشباع والاختناق وان الصيادلة المباشرين والممارسين
شارفوا على الإفلاس وانه لم يعد يحتمل بعث صيدليات جديدة وتواصلت المسرحية إلى حد
التلاعب بالإحصائيات وبتقسيم المناطق لمغالطة سلطة الإشراف ولدفعها نحو التمسك بالمنظومة
البالية "الرقم الشرطي"والمضمنة صلب القانونالشهير عدد 55 لسنة 1973
والنصوص المتممة والمنقحة له
فمرة
يعتمدون على التقسيم المحلي "البلدية" وأخرى ينتقلون إلى التقسيم الجهوي
"المعتمدية" ومنها يحتفظون بإحصائيات مغلوطة وغير محينة فمثلا نجد
بولاية بن عروس 132 صيدلية ل567500 ساكن أي بمعدل صيدلية لكل 4300 ساكن وبولاية
تونس نحصي 282 صيدلية ل994900 ساكن أي بمعدل صيدلية لكل 3528 ساكن وبولاية سوسة
نجد 129 صيدلية ل602300 ساكن أي بمعدل صيدلية لكل 4669 ساكن وبولاية أريانة نحصي
87 صيدلية لمجموع سكان 485700 أي بمعدل صيدلية لكل5583 ساكن وهو ما يعني أن المعدل
في المدن الكبرى يتراوح بين 3528 و5583 ساكن وهو معدل مختلط بين صيدلية النهار
والليل ويستحيل أن يغطي كامل احتياجات المرضى من متساكني المنطق المعنية وإذا
اعتمدنا العدد الجملي للسكان بالبلاد وعدد الصيدليات لا يفوق ال2000 صيدلية موزعة
بطريقة غير عادلة وغير محكمة اعتمدت على المحاباة والمحسوبية ودرجة الثراء والتنفذ
يكون المعدل الحقيقي صيدلية لكل 6500 ساكن وبالتالي تسقط الادعاءات الكاذبة لأصحاب
الحل والعقد في قطاع الصيدليات ونخلص إلى انه بالإمكان تشغيل كافة المعطلين وتوزيعهم
على مدن البلاد وقراها.
الوضعيات الصعبة
التي يعيشها الصيدلي غير الممارس أو المعطل مؤكدا أن هناكآلاف الصيادلة
عطّلوا وجمدوا من قائمات الانتظار "العار"ذنبهم الوحيد أنهم طلبة نجباء
من أبناء عامة هذا الشعب المقهور والذي اعتقد فجر ال15 من شهر جانفي 2011 انه كسر
فعلا كل القيود واستعاد حريته لكن ورغم مرور 3 سنوات ونيف على فرار المخلوع و سقوط
دولة الفساد الطرابلسية فانه عجز عن الحصول على حقوقه بل تواصلت المهازل وانحرفت
البلاد نحو الاسوأ وتأسست دولة فساد جديدة على أنقاض الأولى تحكمها عصابات مافيا
اختارت إبقاء الحالة على ما هي عليه من ظلم وقهر وغبن، فلا مكان في تونس إلا لمن خانها وباعها برخص
التراب ولا شغل في تونس لأبناء الحواري الفقيرة والجهات المهمشة ولا مستقبل في تونس لنجباء
الطلبة.... تبا لثورة يحكمها الجياع والرعاع والسراق وتجار الدين.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire