mardi 24 juin 2014

الحريق بمنزل رئيس تحرير"الثورة نيوز": هزيمة النّار من "ابن رشد" إلى "فرانز كافكا"




الحبيب العرفاوي رئيس تحرير الثورة نيوز هل تصوّرنا يوما أنّ الحرائق ستبلغ منازلنا؟ هل تحادثنا حينا عن ثقافة الإحراق ومطاردة الأفكار ؟ الأفكار المرسلة إلى الجحيم...جحيم يؤججه أصحاب السلطان السياسي و الديني والاقتصادي...
الذين آلمهم لسان ابن حزم ذاك اللسان الذي كان يضرب به المثال فيقال "سيف الحجاج ولسان ابن حزم شقيقان..."هم الذين كادوا له ليأمر المعتضد بن عباد أمير إشبيلية بإحراق كتبه...
هل أخطأ ابن حزم إذن حين فكّر؟ هل أخطأ حين بسط لسانه في مناظرة فقهاء المالكية ولم يتردد في تسفيه آرائهم طالما خالفت ما يراه حقا...هل أخطأ حين نازل فقهاء عصره المنتفعين من مناصبهم؟
والذين أحسّوا أنّ كتاب "إحياء علوم الدين" لأبي حامد الغزالي" يقوّض أسس مصالحهم الاجتماعية والسياسية هم الذين شهدوا على إحراق الكتاب في رحبة مسجد "قرطبة" وهم الذين دعوا إلى إحراقه حيثما وُجِد في المغرب والأندلس...
فهل أخطأ أبو حامد حين نصّب نفسه للذّود عن المستضعفين من جور السلاطين وتواطؤ الفقهاء خدمة لمصالحهم الدّنيوية؟


والذين هلعوا من زعزعة الثوابت التي يقيمون عليها أوثان ملكهم وجاههم فيمتلكون نواصي العباد ويحتكرون أمر دينهم ودنياهم طالما فقؤوا عيون المعرفة والتطور أليسو هم الذين نفخوا النار في كتب "ابن رشد" عندما اعتبر في كتاب " فصل المقال فيما بين الحكمة والشريعة من الاتصال" أن لا تعارض بين الدين والحكمة(الفلسفة)؟
فهل أخطأ ابن رشد حين فتح البصائر على نور الفلسفة المبهر ليبيح للإنسان ما حرّمه "الجهلوت" بجلالة قداسته وعظمة سطوته...
هل أخطأ ابن رشد إذن حين أراد أن يعلّم الإنسان أن يسبح في ماء المعرفة الجاري حتى لا يغرق في بركة الجهل الرّاكدة ؟
صديقي "حبيب " هل سبق لي أن أخبرتك أنّنا نرتكب "جريمة الكتابة"؟ ونقترف إثم إلقاء أحجار الإعلام الذي نريده جريئا صادقا صوب آلات الفساد والظلم؟

ولأنّك ترتكب "جريمة الكتابة" وتقترف إثم "الإعلام" فقد دعيت إلى التحقيق مرّات...ثمّ ها إنّ النار تطاردك تحرق منزلك وتطردك منه أنت وأسرتك , بل تكاد تطردكم من الحياة...
أُخبِرتُ أنّ ابنيك الرضيعين هما اللذان أنقذا الأسرة من حيث لا يعلمان...ألم تستيقظ والدتهما فجرا لترضعهما فإذا بها تنتبه إلى بدايات الحريق المضطرم؟
لست أعجب لهذا الأمر فلا شيء يدفع الإعلامي والمفكّر والمثقف والأديب الحرّ... إلى الكتابة ضدّ الفساد السياسي والاجتماعي والاقتصادي...ليس ثمّة ما يدفعه إلى التغريد خارج السّرب غير حماية غدِ الأبناء وتشييد وطن أكثر نقاء لهم...
هو حب الأبناء إذن يدفعنا إلى الكتابة, يدفعنا إلى مقارعة غيلان الفساد والجهل والظلم...وها إنّ براءة الأبناء تحمي حاضرك لأنك تحمل رسالة حماية مستقبلهم  ...


صديقي حبيب لا يسعني أن أصدّق أنّ النار تواطأت صدفة مع كلّ أعدائك الّذين شهّرت بفسادهم كما تواطأت كلّ الحرائق في هذه اللّحظة "النيرونية"* التي تمرّ بها تونس(*نسبة إلى نيرون امبراطور روما الذي أحرقها وجلس أعلى برج يتسلّى بمشهد النار) ...
أيّ صدفة هذه التي تجعل هذا القدر من الحرائق يعصف بالوطن فيأكل الشجر والسنابل والرّجال؟
أجدني مجبرا الآن على البوح لك صديقي ولكلّ من آمن بحرية الكلمة فسار على نصال الحرف الموجع ببعض هواجس نفسي:
لطالما كنتُ مؤمنا أنّ الإعلاميّين والمفكّرين والمثقفين والأدباء الأحرار يختارون بين حريقين:


•فإمّا حريق يلاحقهم كما لا حق ابن رشد وابن حزم والغزالي...
•وإمّا حريق يمضون إليه بأنفسهم كذاك الحريق الذي طالما راود الكاتب التشيكي " فرانز كافكا" الّذي يقول عنه جورج باتاي "إنّه قد تعذّب بالرغبة في أن يُحرِق كتبه..." فأوصى صديقه "ماكس برود" بأن يحرقها غير أنّ الصديق لم يستجب لطلبه ونشر روايتيه الخالدتين "الحكم" و"الغائب" بعد موته...
لست أدري صديقي إن كانت هذه الرغبة تعبّر عن شهوة الانعتاق من وجع الكتابة لدى "كافكا" , ولكنّي على يقين أنّ لا شيء كان يشغله أكثر من التحرّر والانعتاق من كلّ سلطة تقمعه... ويجلّي "جورج باتاي" مشغل كافكا هذا إذ يقول " ...كان(كافكا) متأكّدا دوما من أنّ عمق واستنزاف وقدريّة الخراب الإلزاميّ أو اللاّإرادي لسلطة (الأب المستبدّ) ستنتهي إلى أن ينال عقوبته...فالرجل الذي أشاع الفوضى أطلق  كلاب صيده دون أن يجد مكانا للاختباء , وسيكون هو نفسه ضحيتها الأولى , يتمزّق إربا في الظلام. هذا بلا شك مصير الانفلات البشري...تنجو التحررية إمّا بإنكار نفسها وإمّا في اللحظة الدائمة للموت...والموت هو الوسيلة الوحيدة لتحاشي التنازل عن الانعتاق والتحررية..."


ولتسمح لي صديقي أن أحاكي هذا الكلام لأقول:
إنّ الفاسدين , الجهلة الذي أطلقوا حرائقهم ببيتك وبغاباتنا وبحقول سنابلنا...
الفاسدون,الظالمون, الجهلة الذي أشرعوا أبواب الجحيم ليعاقبوا الفِكَر والثّمر وحبات القمح... لأجل عشقها الحياة , يعاقبونها عن رفعها رؤوسها إلى السماء تطلب فضاء أرحب وهواء أنقى...لن يجدوا مكانا للاختباء وستحرق النار أصابعهم وستمسك بأثوابهم وإن اختبؤوا في زوايا  سلطة متجبّرة أو أموال ملوّثة...
فالذين أحرقوا كتب الغزالي وابن حزم وابن رشد...والذين يريدون إحراق الصحف ودواوين الشعر والروايات ومجلّدات التاريخ والفلسفة , والذين أحرقوا منزلك هم أعجز وأضعف من أن يحرقوا فكرة , هم أعجز من أن يحرقوا خبرا أو رأيا...لأنّهم يحسبون أنّ الموت قادر على دحر الحياة والانتصار عليها...لكنّ الحياة لا تنهزم مادامت لنا أحلام تقاوم لأجل ميلاد وطن أجمل ومادمنا ننقل هذا الحلم إلى أبنائنا فيجري في عروقهم مجرى الدّم...


وحلم الحياة -صديقي حبيب- هو ابنتك التي ولدت بعد يومين من إحراق منزلك لتهزأ بمن ينشرون الموت ويبشّرون بالخراب والحرائق...ولتعلن بصرخة الولادة البقاءَ للحرية والفرح والانعتاق...

ونحن –صديقي- وإن كانت تعذّبنا الكتابة كما عذّبت "فرانز كافكا" ...وإن أوصينا-يوما- بإحراق كتبنا ومقالاتنا كما فعل فإن الكلمة الحرّة الصّادقة ستظلّ وشما لا يزول من على جلد الذّاكرة والوعي الإنسانيين...




Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire