mercredi 11 décembre 2013

"الكتاب الأسود" بين القداسة الثورية ودنس "الماكيافيلية"





ظهر الكتاب أو أنزل ...
 لا تعتبوا ولا تغضبوا إن تعمّدت الإضراب عن معنى الظهور إلى معنى النزول والتنزيل...فقد أريد للكتاب أن ينزّل بالمعنى الألكتروني إذ وقع تداوله وتداول أخباره على صفحات التواصل الاجتماعية , كما أوحى عنوانه أنه منزّل بالمعنى القدسيّ  إذ الكتاب بألف ولام التّعريف يحيل في ثقافات أصحاب الرسالات السماوية على المرجع المقدّس(قرآنا لدى المسلمين أو عهدا قديما و عهدا جديدا لدى اليهود والمسيحيين)
ولست أحسب إلاّ أنّ صاحب "الكتاب الأسود" يستثير المرجعية الإيمانية لدى المتلقي ليوهمه بما عليه الكتاب من قداسة وطهر ثوريين
والحقيقة أنّ ما علينا إلاّ أن نؤمن بهذه القداسة وهذا الطّهر إن كان الكتاب "منصفا" عادلا في الكشف عن خطايا من وشى أو تآمر على الشّعب من الإعلاميين أو غيرهم...
لكن المتأمّل في  "الكتاب الأسود" وفي طريقة تنزيله  يكتشف  حضورا لافتا لماكيافيلية  تدنّس ما يزعمه الكتاب من طهر حقوقي وما يتسربل به من قداسة ثورية
فهو كتاب انتزاع الصلاحيات , والدعاية الانتخابية وتصفية الحسابات...

1-الكتاب لانتزاع الصلاحيات

إنّ تنزيل الكتاب خارج إطار العدالة الانتقالية التي خُصَّت بوزارة مستقلّة يُعَدّ انتزاعا لصلاحيات سياسية وقانونية ليست من مشمولات مؤسسة الرئاسة
و هو انتزاع لصلاحية التصرّف في أرشيف هو ملك للشّعب وليس ملكا لأحد
ثمّ إنه انتزاع لصلاحية كتابة التّاريخ كما يعنّ لصاحب السلطان والنفوذ أن يكتبه...وتاريخ الأقوياء  تاريخ فاقد للموضوعية والأمانة العلمية والإنصاف القانوني
فالأجدر أن تشرف مجموعة من الباحثين والمؤرّخين والحقوقيين والقانونيين...على تفحّص الأرشيف وتدقيقه حتّى لا تصاب الحقيقة التاريخية بوصمة الاجتزاء أو التزييف أو التوظيف السياسي أو الحزبي أو الشخصي...


  2-الكتاب للدّعاية الانتخابية وتصفية الحسابات

لعلّ "الذات الشرعية" الحكومية كما الرئاسية أصيبت بصدمة الإعلام المتحرر حد الفوضى بعد الرابع عشر من جانفي الذي لا يحترم جلال السلطة وهيبتها خلال وضع انتقالي سمته الانفلات من كل القيود وليس يسعنا أن ننكر وقعة بعض الإعلاميين في بوتقة اللاّإلتزام المهني والإخلال بشرف الصحافة حيث أصيب كثر بالعمى الأيديولوجي أو الحزبي أو النفعي المالي أو بلوثة التحسّر على ولي نعمتهم المخلوع وارتباطهم المصلحي به فأشهروا معاول الانتقاد والشتم بلا بيّنة أو مبررات موضوعية منطقية  لكن لا يسعنا أيضا أن ننكر أنّ من الإعلاميين من حاول ما وسعه أن يستفيد من فسحة الحرية التي وسّعت رقعتها صرخة الشباب الغاضب ذات "ثورة" أو "انتفاضة شعبية" منتهجين سبل النقد البنّاء وإن عارضوا أداء السلطة القائمة...


غير أنّ الذات الشرعية الحكومية كما الرئاسية المصدومة  من تعالي الأصوات بعد الصمت بدت ممتعضة من هذا التحوّل رافضة له غير مستوعبة لضرورات المرحلة وشروطها فوصمته بلا تمييز(على لسان قواعدها الحزبية كما على ألسنة بعض كوادرها) بأنّه "إعلام عار" في تصنيف تعميمي يؤشر إلى رغبة مضمرة في تصفية كل فضح أو معارضة لأدائهما المهزوز المقصّر
ومع "الكتاب الأسود" تكتمل مراسم المحاكمة للإعلام كل الإعلام المعارض . المحاكمة التي ينتصب فيها من اتخذ موقع الخصم حكما, بل حاكما يسطر التاريخ ويحتكر الثورة ويتصدى لتصفية من تطاولوا على الذات الرئاسية الجليلة وفي المقابل يَهَب "صكوك الغفران" لمن كان بالأمس القريب مطبّلا لليلى بن علي معتبرا إياها "امرأة فاضلة" في  ويهبّ لتوجيه حراب "أرشيف" امتلكه حين امتلك جدران قصر قرطاج وأروقته إلى نحر الإعلام الحرّ كما إلى نحر الإعلام المتحامل... ثم أفلم يتم اختيار قناة محسوبة على الموالاة للسلطة القائمة منبرا للإعلان عن كتاب الذات الرئاسية في ممارسة تنذر بإعادة إنتاج منظومة الدعاية الموالية للحاكم المسبّحة بحمده في وقت تزعم أنها تريد بالكتاب تقويض أركان هذه المنظومة وهي في الحقيقة تقفز قفزة دعائية انتخابية شعبوية تتقنّع بقناع القداسة الثورية قد تنجح في الاقتصاص(رمزيا على الأقل) من الإعلام "المتطاول" وقد تنجح في المغالطة والإيهام بأنّ الإعلام إعلامان
•إعلام عار يصنّف ضمنه كلّ من عارض السلطة
•إعلام بديل يصنف ضمنه كلّ من والاها وزكّاها
ثم إن هذه القفزة قد تنجح في استرجاع الرئيس وحزبه بعض الشعبية المتآكلة
لكن هذه القفزة قد نجحت أيضا في تضييع فرصة لكشف وفضح ومحاسبة من وشى وباع ذمته وتآمر على الشعب من حيث زعمت أنها تطلب ذلك
وضياع هذه الفرصة ليس إلا لأن الكتاب وُلِد مطعونا في مرجعياته الأخلاقية والقانونية والعلمية...متَّهما بأنه ذو مرجعية شخصية,حزبية وأنّ اغراضه انتقامية تصفوية ونهجه انتقائي,تحريفي...

هذا فضلا عن أنّه قد يسهم في إعادة إنتاج طبقة من الإعلاميين الانتهازيين المتزلّفين الذين يستظلّون بفيء الحاكم أيا كان لونه تطهّرا من فساد قديم بفساد جديد أو طلبا لمجد شخصي بالانخراط في منظومة دعائية نخشى أن يكون الحكام الجدد يؤسسون لها من حيث يدرون أو لايدرون..


Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire