dimanche 20 novembre 2016

مذكّرات معتقل من سجن المرناقية : نحن قومٌ لا نَهَابُ السّجن... هَيْهَات مِنّا الذِلّة





أيّام سجن المرناقية محنة للرجال الأشداء، لا يقدر على احتمالها سوى من خبروا جوهر العالم... هو ظلمات وأقبية وزنزانات وأبواب حديد موصدة... الأغلال في السجن أغلال حديد وحجر... السجن قيد للحرية، انه حفرة موت اختلقها الإنسان للمعاقبة وللمراقبة... إنه فن من فنون الإقصاء والنفي... في السجن أنت منفيّ داخل وطنك.
 المساجين طوائف وملل ونحل... فيهم لصوص وقطاع طرق ومحتالون وبؤساء... وفيهم قتلة وقطاع طرق وخونة ولقطاء... وفي السجن مظلومون كثر داستهم أرجل الأقوياء... فيهم رجال وقيم وأخلاق... وفيهم أراذل الناس.
 يا سادتي ... أنا أتأمل تلك الجدران العالية... أنظر فيها... جدران المحنة لرجال أبَوْا المذلة والفَوْت... ولست أعلم إن كنت مصيبا أو مخطئا، فالحقيقة دائما نسبية، بيد أنني مَرْكوز فيهم بإبائي ونخوتي ورجولتي... أنا أواجه مافيات الفساد.. سجنوني... ماذا تراهم فاعلون؟... ما هي جريرتي ؟... نشرت مقالا... وبعد ذلك... إنني لا أخاف إلا الله في عليائه وسماواته. قررت أن استمر في التمرد ضد الطّغمة الحاكمة ضد حلف الشر ذاك الذي باع وطني.


أطل يوم الخميس 10 من شهر نوفمبر لسنة 2016 . كان يوما مختلفا بالنسبة إلى أعدائي ... هو يوم محاكمتي... جمعوا فيه العسس قرب الثكنة العسكرية حيث تنتصب المحكمة العسكرية العادلة... في يوم الزينة اجتمع السحرة لفرعون يسومون الحرية الخسف والهوان... هو اليوم الأول في المحاكمات التي تذبح فيها العدالة قربانا لسلطة جائرة.... قد جمع السحرة أفاعيهم وانتصبوا في محكمة التفتيش يستعدون للذبح.
 تذكرت أبي، ذاك الذي علمني كل معاني الشرف، أن تعيش عزيزا وان تموت كريما شهيدا للوطن... أنا موسى يا أبي... ألقيت عصاي في السحرة، فإذا هي تلقف ما يأفكون... عصاي يا أبي تكتب وتحبّر وتدوّن... قد جاء الفرعون يبتغي مني الطاعة امتنعت يا أبي... الفرعون قد استبد بنا، انه يبني عرشه فينا، في السماوات العلى... إنه يتألّه... هذا المستبد قد صار إلاها.


أرضنا... زيتوننا... قمحنا ... نسمات البحر... يفتكّها الفرعون... الجبال تتوجّع... وأشجار.. اللوز تسقط نوارها... الفرعون قد جاء يأكل موسى... قد عاد الاستبداد، ورجع الظلم يتحيّف الناس بالسّيف... السيف لغة العنف وإرادة للقوة... إنهم يدفعون الدولة إلى إخراج العنف الساكن فيها... هو حكم للناس بالسيف.
في يوم الزينة يوم محاكمتي جاءني السجان :" جهّز نفسك ستخرج إلى المحكمة".
أجبته سريعا :" يا سجان، لا تتعب نفسك ... حريّ بي أن اخرج إلى المحكمة... هذه محكمة تنتصب داخل ثكنة... الشاكي فيها وزارة الدفاع... هل تعلم من هو الشاكي باسم وزير الدفاع ومدير ديوانه... كلاهما مدني لا صلة لهما بالعسكر... وهما يزعمان أنهما عسكريان ... المحكمة العسكرية رئيسها وزير الدفاع فرحات الحرشاني... هو الحاكم بأمره... القاضي في المحكمة ما تراه يفعل ؟ انه مهدد في وظيفته... سيكون منفذا للتعليمات خوفا على منصبه وأجرته بل خوفا من التنكيل."


نظر إلي السجان، انه لم يدرك هذا التحدي لقد زرعوا فيهم الخضوع والخنوع... لقد نشؤوا في الخوف... زدته قولا:" أنا لن أقبل بمحاكمة صورية بائسة... مجلة المرافعات والعقوبات العسكرية مجلة قمعية ألفها الاستعمار الفرنسي حين دخل ارض تونس هي قوانين أنتجها الاستعمار... ونقله المشرع التونسي... هل يسجن الصحفي في باريس حين يكتب مقالا حول المؤسسة العسكرية؟ نحن نقلد سياسات الدولة الاستعمارية في الشعوب المحتلة... ولا نقلد سياسات الدولة الاستعمارية مع شعبها.
هذه المجلة ما هي سوى قانون وضعي وضعه الإنسان أو ما نسميه بالمشرّع... هذه المجلة القانونية التي يحتكم إليها القاضي فيها فصل قانوني هو الفصل 91 يعاقب كل شخص يسيء إلى سمعة الجيش... عن أي جيش يتكلمون ... أنا تربيت في ثكنات العسكر وأبي الضابط السامي زرع فيّ معاني العسكرية قبل أن يولدوا هم... الجيش ليس فرحات الحرشاني ولا مدير ديوانه سامي المحمدي... الجيش هم أولئك الجنود وضباط الصف والضباط والقادة، من المقاتلة الذين يقاتلون لأجل الوطن... ذلك الجيش الذي حمى الديار في 2011 وأنقذ البلاد من أنانية المدنيين من جماعات صالونات السياسة ... الجيش من حملة الزيّ من العسكريين الأشاوس، أمّا المدنيون الملحقون بوزارة الدفاع فليسوا سوى مواطنين مثلي ومثلك... يبحثون عن قداسة العسكر في وزير يمارس السياسة وأفانين الكذب."


التف حولي عدد من إطارات السجن وطالبوني بأن أحرر قرار امتناعي عن الحضور إلى المحكمة وكتبت في الورقة أنني أرفض المثول أمام محكمة لا أثق في عدالتها... كانت ممارسات قاضي التحقيق الصحبي عطية مخجلة... وبائسة ومقرفة... لقد ظن انه فوق القانون وانه فوق المساءلة... كان سعيدا جدا بأن كلفوه بتنفيذ التعليمات... هنالك موظفون يفرحون جدا لتنفيذ تعليمات الرئيس أو المدير... هؤلاء قوم تبع بلا شخصية ولا كرامة ولا مبادئ... المهم أن يسعدوا رئيسهم في العمل.. الإدارة التونسية تعج بأمثال الصحبي عطية قاضي الزور... من المنافقين والمخاتلين والقوادين والنخاسين.
وها القاضي الشريف بإمكانه أن يظلم الناس وقتا... والميقات طويل تتبدل فيه أحوال وأحوال... قاضي الزور جزاؤه انه جزاؤه... لقد كسر الأخلاق والقيم وهتك شرف القانون والعدالة، خرق القانون وأحالني وفق نص ميت . لقد أدار ظهره عن المرسوم الصحافة 115 ... كان يظن أن حلف الشر الذي يقوده شوقي طبيب وزبانيته دائم، يمكن أن يستمر إلى الأبد ... لا ابد إلا الله.


الأحلاف تتغير وتتبدل تنشا وتموت ... بعد الثورة نفيق على وزير وننام على وزير ... لن يستمر الحال... ستسقط هذه الحكومة ... وتأتي حكومة أخرى، ويذهب الحرشاني ويأتي حرشاني آخر خاضع وتابع للوبيات السياسة... أمّا أنا فسأبقى ممسكا بعصاي أهش بها غنما فاسدة أخيف بها أعداء الوطن من الفاسدين ولي فيها مآرب أخرى.
أمضيت على ورقة رفض المحاكمة... أنا لست قاتلا ولا خائنا ولا لصّا ... أنا كتبت رأيا في صحيفة تنتصب وفق القانون ... هم يحاكمون هذا الرأي ... يرفضون الحقيقة ويكرهون الحرية.
قضاة المحكمة يعرفون أطوار القضية هي قضية رأي عام ... قضاة المحكمة العسكرية يعلمون يقينا أن محاكمتي هي خرق فاضح للقانون، ويعلمون أن المرسوم 115 يمنع محاكمتي سوى في محكمة مدنية وأن أقصى العقوبات لا تتجاوز الخطية... لكنهم عادوا إلى الخوف من جهاز الدولة ... إنهم قد خضعوا مرة أخرى إلى عصا السلطة.
الفاسدون دفعوا بمؤسسة القضاء العسكري إلى مقدمة الصراع . لقد زجوا بمحكمة خاصة بالعسكريين في صراعات سياسية من اجل تصفية خصومهم تحت جبة القضاء العسكري... إنها لوبيات فاسدة تختبئ خلف أجهزة الدولة باسم الشرعية الانتخابية والديمقراطية الزائفة... وهم يوظفون أجهزة الدولة لخدمة مصالحهم بمنطق الغنيمة.
والثورة نيوز صحيفة متمردة لا يخافها إلا الفاسدون... أرادوا قتلها... هم يريدون إيقاف صدورها لأنها تنقل جزءا من الحقيقة التي يريدون إخفاءها . الفاسدون فقط يخافون الحقيقة.


في المحكمة غاب المحامون ولم يحضر سوى المحامي جلال... كان هنالك اتفاق على مقاطعة المحكمة... كشكل من أشكال الاحتجاج ضد خرق القانون في مكتب قاضي التحقيق سيئ الذكر... طلب جلال التأخير واستجابت المحكمة.... القضاة يدركون أن للقضية أبعادا سياسية لا لبس فيها... هذه قضية سياسية هدفها الرئيسي هو مصادرة حرية الإعلام... المعركة أكبر من جريدة الثورة نيوز، إنهم يريدون إخضاع الإعلام المتمرد.
في يوم من أيام الصيف جاءتني المحامية "بثينة سعد" وهي تعمل مع شوقي طبيب شريكة له في مكتب المحاماة، وكانت قد اتصلت بي قبل سجني عن طريق رجل الأعمال شفيق الجراية... وكان شفيق على صلة بي وهو على صلة وثيقة بشوقي طبيب باعتباره أحد محاميه... أراد الرجل الوساطة وكانت بثينة سعد تريد معرفة الملفات التي أمسكها عن ألاعيب شوقي ومدى استعدادي لقبول الوساطة.
التقيتها بجهة البحيرة وأعلمتها أنني لن أكون شاهد زور... هيئة مكافحة الفساد تريد تدجين صحيفة الثورة تريد أن تخضعها.. أن تدخلها إلى الصف صف الطاعة... "بثينة سعد" لا تعدو أن تكون سوى محامية تدافع عن شريكها وعن مصالحها... هنالك لعبة خطيرة تدار باسم مكافحة الفساد... سمسرة وضغوط على رؤوس أموال وحفظ لملفات الفساد الكبرى وتقديم لأكباش فداء ... فيها عطايا ورشاوى وإعدام لحقائق...


شوقي الطبيب أثرى بعد الثورة حقق مكاسب مالية نقدا وأموالا طائلة... وهو الآن رئيس لهيئة مكافحة الفساد وهو باب واسع لتحقيق الأرباح... كثير من القضايا أحالها إلى أصدقائه من المحامين ومن المقربين منه... لكنه لن يعثر أبدا على واحد من كبار اللصوص... سيكتفي بمطاردة صغار اللصوص... "بثينة سعد" شريكته كانت تريد إيقاف النزاع لكنها تقف في صف شوقي... شفيق الجراية أراد فض النزاع بالحسنى أفهمته انه ليس نزاعا شخصيا هذا صراع مبادئ... شوقي طبيب لا يريد من جريدة الثورة نيوز أن تنظر في ملفات الفساد لأنها من اختصاصه... والثورة نيوز كشفت بعضا من ملفاته هو منذ سنوات... أقضّت مضجعه أقلقته، حيّرته... الرجل يسمسر في العقارات ويتلاعب في البتّات . وكان قصره بالمرناقية ثمرة تلاعب في بتة عمومية.
كان شوقي طبيب والحلف الذي معه يعتقد انه بالإمكان إخراس الثورة نيوز... حاك هذه المؤامرة بتواطؤ من أطراف داخل النهضة والنداء معا كلاهما يريد التخلص من صحيفة الاستقصاء.
كان الطقس قد تغير وتحركت موجة من البرد... صار السجن باردا... وكنت قد اعتقلت في لباس صيفي... إدارة السجن تطبق معي القانون الصارم في ما يشبه تعاطيهم مع كبار المجرمين... الأعوان والضباط كانوا على خلق رفيع... إنهم يحبونني ويبجلون وفادتي... هذه حقيقة... غير أن مدير السجن والمدير العام للسجون صابر الخفيفي كانا يخضعان عن خوف للوبي شوقي طبيب وبن تيشة ومن لفّ لفهم ... أصدروا تعليمات لمراقبتي وكأنني جئتهم من الموساد أو كأنني أرتبط بتنظيم إرهابي ؟... المساكين، أنا مطمئن جدا، لأنني مُحال لأجل مقالات كتبتها... هذا فخر لي أن أحال إلى محكمة تابعة وخاضعة للسلطة الحاكمة لأنني دافعت عن الأموال المنهوبة للشعب البائس.
في برد السجن جاءني أهلي بغطاء شتوي "بطانية"... رفضتها إدارة السجن لمرات عديدة.... بقيت في البرد أياما، وكان المساجين يقدمون لي أغطيتهم حبا وطواعية... يؤثرونني بها على أنفسهم، إدارة السجن تفرض الانضباط الصارم ... الغطاء غير مطابق للمواصفات... 5 مرات والغطاء كلما بُدّل إلا ورفضته الإدارة.
كانت عائلتي لا تعرف السجن من قبل...بلا تجربة... أرسلوا إلي أغطية شتوية من النوع الرفيع.... وإدارة السجن تريدها من النوع الرديء... بقيت بلا غطاء شهرا كاملا... الألبسة أيضا رُفضت عشرات المرات...بتعلّة أنها غير مطابقة للمواصفات السجنية... أعوان السجن كانوا حريصين على تطبيق القانون خوفا من اتهامهم بالتخابر مع الثورة نيوز ... الثورة نيوز بالنسبة إلى الفاسدين هي جهة تجمع المعلومات... وهم يريدون سدّ تلك الثلمة... هم يمنعون الناس من الوصول إلى المعلومات.
هذا الوطن... وطن عشّش فيه الفاسدون واللصوص والسرّاق... وهم يحتكرون السلطة الآن ولن يقبلوا أبدا بالتنازل عنها ... همهم غنيمتهم.
كل أسبوع نسمع أن الدولة التونسية قد اقترضت قرضا من البنك الفلاني أو البنك الفلاني... قروض بمليارات الدولارات... أين تصرف ؟ وفيم تصرف؟ ... عمولات بأرقام خيالية... في صفقات عمومية مشبوهة تؤلم من يقرأ تفاصيلها.


في السجن كان البعض ممن اشتغل في الإدارات التونسية يتقرّب من حراس السجن حتى ينتقل من غرفته إليّ أنا... أعلموني بتفاصيل لعمليات فساد مذهلة وخانقة ومبكية أحيانا... تلك التفاصيل سأحدثكم عنها بعد انتهاء محنة السجن.
يا سادتي، جاءني يوم فتى شاب، خاطبني في احترام.... نريد كرة خاصة بلعبة الطائرة، طلبت من السجان إن كان بالإمكان توفير كرة... أعلمني أنهم لا يتوفرون عليها.. كلفت احد أفراد عائلتي باقتناء كرة طائرة وجلبها إلى السجن.. كان ذلك كذلك ...
المساجين عددهم هائل في سجن المرناقية وفيه يحتجز عناصر السلفية الجهادية.. وكانت الإجراءات الأمنية مشددة خاصة على السلفية، وعليّ أنا أيضا... عند إدارة السجن أنا أخطر عندهم من جماعات السلفية، لأنني قادر على نشر الأخبار دون خوف أو وجل.
زارتني أختي المحامية وزارني المحامي جلال الهمامي... أقنعوني بضرورة المثول أمام المحكمة في 17 من شهر نوفمبر لسنة 2016... أرادوني أن أتخلى عن سياسة مقاطعة القضاء العسكري... في رأيهم من الضروري أن أفضح المؤامرة في جلسة علنية أن أتحدى لوبيات الفساد تلك التي زجت بالقضاء العسكري لتصفية خصومها ومنهم أنا.


جاؤوني بملفات الإحالة... وجهوا إليّ تهمة المسّ من سمعة الجيش ومن قيادته... ضحكت طويلا... سامي المحمدي من القيادة... أو فرحات الحرشاني من القيادة ؟ هذه شخصيات مدنية تشغل خططا إدارية وسياسية .. هؤلاء يمكن أن يشغلوا خطة أخرى في وزارة أخرى... صاروا قيادات عسكرية.
يا سادتي خبّروني في أي حرب شارك الحرشاني أو مدير ديوانه ؟؟؟ هذا القانون فضفاض قابل للتأويل والتزييف.
قرأت نصوص قرار ختم البحث ذاك الذي سطره قاضي الزور الصحبي عطية... كان قرارا هزيلا سوى انه يتهمني بالإساءة إلى قيادته... أنا نشرت مقالات والمعطيات التي فيها ثابتة ودقيقة، وكنت أشرت إلى إمكانية وجود شبهات فساد وسمسرة في المال العمومي، وهذا لا يمكن نفيه أو إثباته إلا بفتح تحقيق.
جماعة الفساد قد أثبتت التهمة في حقها... إنهم يسجنون المبلغ عن الفساد، ولن يفتحوا تحقيقا في شبهات الفساد... انه يحتمون خلف ترسانة من القوانين الإدارية والعسكرية، هي القلعة التي تحميهم.
تذكرت صباي وطفولتي ومراهقتي في أحياء مدينة سوسة... هناك ترعرعت يافعا بين مدرسة باب الجبلي وسط المدينة أو في معهد الذكور بسوسة... ذلك المعهد الذي تخرّجت منه أفضل الكفاءات التونسية... ثم توجهت إلى المعهد الفني بسوسة... هناك درست علوم التقنية... أخذتني نسائم المدينة العتيقة... تذكرت روائح تلك المدينة قبل أن يفسدها الرعاع... كان عبَقُها يعاودني في ذاكرتي... ومن هناك يلاطفك نسيم البحر الهادئ لمدينة ساحرة... أنا أعشق تلك المدينة التي ترعرعت فيها صغيرا وعدت إليها كبيرا... بقيت على عادتي وفيّا إلى سوسة، حتى وأنا في السجن. كنت أقضي فيها 3 أيام من كل أسبوع أراها وطنا لي.


في سجني تذكرت سحر سوسة، رغم أن الحداثة قد شوهتها وأفسدت نقاوتها... ذلك الحنين الأبدي يسافر بك من السجن إلى عوالم الحرية الصافية... أنا أعلم أن هذه القضايا التي أحالوني لأجلها تافهة وبلا معنى... إنهم يريدون تصفية خصومهم في السياسة وفي الإعلام... كم في هذا الإعلام من أناس احترفوا النفاق والتزلّف والكيد... لست منهم، ولن أكون منهم.
أنا صوفي في سجني، في صحيفتي أذوب في الحقيقة حتى تراني منها... أنا ابن عربي، ذلك الصوفي المدهش... قرأت مقدمة من كتابه الفتوحات المكيّة... كانت قراءة عسيرة... الرجل يكتب بلغة الرمز ولغة الغموض، ظننت أنني لم افهمه... اتصلت بأصدقاء لي، أكدوا لي أن الرجل فلتة دهره، جميعهم لقي صعوبة في فك رموز لغته... الرجل قامة في الباطنية والتأويل واللاعقلانيات... انه يبحر إلى الماورائيات... يبحث عن الله الغائب في شوق وخيالات.
ابن عربي فهم العالم وعاش غريبا فيه... السجن عندي هم مقدمات الشعور بالغربة بين قوم لا يفهمون أناشيد فؤادي... قوم ألفوا الذلة... هيهات منا الذلة...
هيهات منا الذلة كانت شعارا عاطفيا سياسيا رافق نضالات الحركات الشيعية منذ ملحمة كربلاء... لست شيعيا غير أني اهتممت بالتاريخ العربي والإسلامي... هو شعار الحسين المظلوم أبدا في التاريخ... مات الحسين حفيد النبي... قطعوا رأسه... ثم حملوه إلى دمشق... سكر يزيد بن معاوية ليلتها... وسكب الخمرة في رأس الحسين ثم شرب منها... كانت فظاعة مرعبة... وحشية قاسية.
 كان صوتا يطلب الكرامة والحرية في مواجهة ظلم بني أمية وظلم الاستبداد والقهر .
هيهات منه الذلة... وهيهات منا الذلة... ملحمة الحسين أبهرتني منذ قرأتها... أنا أعيش في السجن قهر دولة لا وطنية جائرة.


Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire