mardi 8 décembre 2015

ركن زيارة و نيارة ...أو عين الثورة نيوز على الإدارة : في " الغرفة" المخصصة للرّضع المولودين خارج إطار الزواج بمستشفى فرحات حشاد : "و إذا الموؤدة سئلت ... بأي ذبت قتلت"




لم  أستطع  بعد قراءة موجزة  للسّيرة الذاتية  التي  أتى عليها  المؤلف السعودي  بعنوان"سعودي ولكن لقيط"  و الذي  يروي  تجربة  كاتبه سمير محمد الذي  استطاع أن يتجاوز معاناته ويجسدها  في كتاب  رسم فيه تضاريس معاناة شخصية مؤلمة مثخنة بالجراح، فلا قلم يمكنه أن يصفها ولا كلمات يمكن أن تعبر عنها ، لكنه أراد من نقل قصته أن تكون حداً ثورياً ضد طبقية وإقصائية المجتمع الذي ينظر للقيط وكأنه "ابن غير شرعي".
و لم  استطع   أن أمرّ مرور الكرام  على معلومة التقطتها من  النشرية الإحصائية لنشاط مندوبي حماية الطفولة لسنة 2013  و التي  تفيد أن 798 طفلا ولدوا خارج إطار الزواج في تونس. وقد استأثرت ولاية سوسة بالمرتبة الثانية. حيث استقبل قسم الولادات بمستشفى فرحات حشاد بسوسة أكثر من 10500 حالة ولادة سنة 2013 منها 2860 حالة ولادة قيصرية وعدد من حالات الولادة خارج الأطر القانونية أو ما يمسى بالحالات الاجتماعية....


قلت  لم  استطع  لا  هذا و لا ذاك  و عجت  اسأل عن العش  الأول  الذي  يتم  فيه إيداع الأطفال  المولودين  خارج  إطار الزواج فكانت الوجهة  مستشفى فرحات  حشاد   و تحديدا قسم النساء و التوليد  الذي  يشرف عليه الهادي خيري ... تنقلنا إلى الطابق الثاني و قد سهل لنا أحباب الخير طريق الولوج إلى غرفة الأطفال المولودين خارج إطار الزواج...ولجنا بهدوء دون ضجيج  على اعتبار أن الفضاء تحف به  الملائكة من اليمين  و من الشمال  و يحتوي على زهور تدفعك إلى إخفاء دمعتك  و إظهار بسمتك  فتعيش  لحظة سكيزوفرنيا  بين  ألم  يقطع  أحشاءك  و فرحة تريد أن  ترسمها  على ملامحك ..و تتجرد من كل أنانية و يداهمك شعور بالعطف و الحنان و موجة فيّاضة من الإنسانية حتى تخال   نفسك في عالم آخر..
فانت  أمام  مشهد  رهيب .. مشهد نواته طفل  بريء سيقال عنه  "لقيط "  ..طفل متروك هنا  بلا إنسانية في سرير  صغير ينتظر أن تتلقفه الأيادي العابرة فإن كانت اليد بيضاء فقد يستقر به الأمر في إحدى  العائلات  وإن كانت غير ذلك فقد يستنبت نباتاً سيئاً كطفل من أطفال الشوارع المشردين، أو داخل بيئة فاسدة سواء كان ذلك الفساد عقدياً أو أخلاقياً.


نحن نتحدث  عن مشهد  يروي معاناة  ثمرة غير شرعية نتجت في معظمها عن زنى صريح، لا عن مشهد غير لائق في عمل سينمائي...مع الإشارة إلى أننا   لسنا  مؤهلين للحديث عن  أزمة هؤلاء الأطفال فهي  معقدة ومركبة ولا تبدأ عند ولادتهم ، ولكنها تسبق ولادتهم بأشهر بل وسنوات من الزيغ إن كان انحلالاً، والظلم إن كان اغتصاباً، والجهل إن كان استهتاراً. و كما أننا لن  نتحدث عن  علاج الأزمة مع أننا نرى  أنه  لا ينبغي أن يقف عند حدود الطفل ورعايته فهي ليست أزمة الطفل؛ فلو عولجت أزمة ألف طفل وترك المصنع الذي ينتج هذا النوع من الأطفال مفتوحاً؛ سيحل محل هذا الألف مائة ألف طفل ؛ ليظل الطفل "اللقيط" أزمة تعكس واقعاً مؤلماً... و لكننا سنسلط منظارنا على طريقة معاملتهم  في القسم...


منطلق الاحتقار و الإقصاء لهؤلاء الأطفال ينطلق من تلك الغرفة المظلمة الصغيرة التي   وجدنا فيها 13 حالة عند زيارتنا لها...  لا  نصف لكم  حالة الوجوه البريئة و التي منذ ولادتها حملت أسئلة فلسفية  مدارها  أنا  من أنا  و من  تركني  هنا  و لماذا  قسا علي الزمن  و لماذا  لم أكن  كخلاني " جئت من حيث لا أدري ولكني أتيت " ... بل تشدك رائحة الغرفة المخصصة لهم  حتى تخال  نفسك  في  بيت  راحة ... روائح منبعثة جد كريهة و مقززة...و حالة رثّة ... و فوضى عارمة .. و غياب التنظيم...فضلا عن مشاهد البعثرة بلا حدود ..أما عن حالة الأطفال فلا تسل فهم عراة بلا كساء... إهمال  بلا حياء ...لا نظافة و لا ماء... و آه ثم آه من تلوث الهواء... فانظر  إليه  إنه  هناك  يغازلك بعينه  و يداعبك بحركاته و يذهب  في ظنك أن  الطفل  في راحة و في نشوة تقلبه فتجد الجواب.. فتململه ناجم عن حرقة  بعد أن  بلغت  منه التهرئة الجلدية مبلغها  وتململه عبارة عن  رسالة ملائكية تدل  على الصبر على الأذى و كأنه  يعرف أنه بلا سند و لا عائل  يساعده  على إطفاء  حرقته الجسدية ...
في تلك الغرفة أطفال بلغوا من العمر 5 أشهر ... 5 أشهر دون أن يرى النور ...5 أشهر وهو في غرفة مظلمة وحيدا...لا تداعبه  إلا بعض العاملات  هناك  اللاتي يشفقن عليهم  فيأتون   لهم  بالحافظات و الملابس و الحليب  و الألعاب  و الأدوية المقاومة للتهرئة من مالهن الخاص فضلا عن  بعض مساعدات أهل البر  الذين أدمت المشاهد قلوبهم فهبوا دون  ان  يشعروا  يساعدونهم  بما  يقدرون عليه ...
أما أهل القسم  فتلك  حكاية أخرى مدارها  إهمال مضاعف على اعتبار الإهمال الأول  من  لدن  الأم  العزباء  الذي   أنزلته و غادرت دون عودة ...بل هناك  تسريبات  تقول  ان  بعض النساء غادرن المستشفى خلسة مباشرة بعد ان وضعت مولدوها و لا تدري  حتى جنسه  كان  ذكرا  أم أنثى ..


ثم لا تسالوا  عن المراقبة فالقسم  عبارة عن  سوق  و دلال  و المشرف  على هذه الغرفة المسمى السبوعي شعاره اللامبالاة  و باتت  لديه  كما لدى بعض  الإطارات شبه الطبية  إلا  الشرفاء قاعدة مفادها : "كان هو آمو هملتو أنا الي باش  نتلهى به "... و يصل الأمر إلى حد عدم نقلة احد الرضع الذي أصيب بحمى أو سكن ضلوعه فيروس حتى لا يمرره إلى بقية الأطفال..
 لا نطيل  الوصف درءا  لكل شفقة  قد تحصل   فهم  لا  يحتاجونها  بقدرما  يحتاجون إلى اهتمام  على اعتبار كونهم  ضحايا  نزوات  عابرة ..فالمؤكد أن  حاضر هؤلاء مؤلم  فليس هناك ما هو  أكثر ألماً من أن تعيش وحدة هادئة حد السكون لا يشارك وحدتك إلا أثاث غرفتك فعبودية الذات أسوأ أنواع العبودية  و المؤكد ان مستقبل هؤلاء سيكون  حاملا لمعاناة  على اعتبار أن هُناك بعض الحقائق ستظهر لهم تباعا  كالمسامير كلما ضربتها تزداد عمقا، و البعض منها ليست مدونة في قاموس مجتمع  يرى نفسه كطاووس مزهو بذاته حد النرجسية.... فقط .. هل من نظرة كريمة لأطفال ابكوني بمرارة ...رغم كون دمعة الرجال حارة و أي  حرارة ...؟




Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire