mercredi 19 août 2015

(الجزء 16) :هياكل الرّقابة على المال العامّ : السّاكتون على الفساد من أجل الغذاء ..والرّاحلون قريبا بعد أن استشرى البلاء




في عهد أصبح فيه الشاذ  يقاس عليه ولا يحفظ، وخرق القاعدة أمرا محمودا ،  والالتزام بها منكرا منبوذا، تحقّق مؤخرا جزء يسير من المنشود لدى أهل الرّقابة العامّة حيث وبعد فشلهم في الإضراب الذي قرّروه لشهر جوان المنصرم وعدم تجاوب رئيس الحكومة مع احتجاجاتهم وبعد استشراء حالة إحباط عامّ جرّاء التهميش والتغاضي عن مطالبهم، استجابت رئاسة الجمهوريّة أخيرا وبعد لأي وبعد عشرات المقالات والتنديدات إلى مطلب بسيط وشرعي يتعلّق بتطبيق القانون وإعماله في الهيئة العليا للرّقابة الإداريّة والماليّة باعتبارها مؤسّسة دورها الحرص على الالتزام بالقوانين وليس خرقها، حيث تمّ إعادة  الأمور إلى نصابها بواسطة الأمر الحكومي الصّادر في الرّائد الرّسمي المؤرّخ  في 17 جوان 2015 والذي تمّ بمقتضاه تسوية الوضعيّة غير القانونيّة والمنافية لأبسط أخلاقيّات المهنة والمتعلّقة بشاعر الهيئة العليا للرّقابة الإداريّة والماليّة أحمد عظوم حيث تمّ التمديد في فترة مباشرته بصفة رجعيّة من غرة أوت 2014 لمدة سنة وهكذا من المفروض أن يحزم أمتعته يوم 31 جويلية 2015 ليغادر المنصب الذي شغله دون جدوى تذكر حيث لم نسجّل له أيّ نشاط يليق بالهيئة المذكورة ما عدا الزردة الرسميّة و"قصاع الكسكسي الإداريّة "التي كتبنا حولها في عدد سابق ونستنكف عن إعادة ذكرها خاصّة وانه لا يليق بمحال على التقاعد سوى الاحترام والتقدير بقطع النظر عن ضعف أدائه، ولذلك من المنتظر أن تشهد الهيئة  خلال الأيّام القليلة القادمة على غرار بقيّة هياكل الرّقابة العامّة تغييرات جذريّة.


فقد بلغنا من مصادر مطلعة أنّه تقرّر على مستوى رئاسة الجمهوريّة (باعتبارها المشرفة على الهيئة العليا للرّقابة الإداريّة والماليّة) تعيين شخصيّة عامّة (الاختيار يتأرجح هذه الأيام بين قاضية إدارية ووزير سابق ورئيس مدير عامّ سابق لبنك عمومي) بحكم أن المنصب يقتضي الخبرة واللّياقة في التعامل مع الوزراء ورؤساء الهياكل والمؤسّسات الحكوميّة الخاضعة للرّقابة العامّة كما يتطلّب قدرة على التواصل وامتلاك ثقافة واسعة بالنظر إلى انخراط هياكل الرّقابة جميعها في مسار الانفتاح بعد الثورة، هذا فضلا عن ضرورة التمتع بسمعة طيّبة وبشخصيّة توافقيّة لضمان حدّ معقول من المهنيّة والاقتدار وهي شروط  افتقر إليها شاعرنا وكان ذلك سببا رئيسيّا في الفشل الذريع الذي رافق فترة إشرافه على هذه الهيئة التي كادت أن تتداعى إلى السّقوط. هذا وقد علمنا حسب معطيات أوّليّة قد تتأكّد خلال الفترة القادمة أنّ ديوان رئيس الجمهورية يتولّى بنفسه الحرص على اختيار خليفة لشاعر الهيئة بعد أن تقرّر نهائيّا رفض مطلب التمديد الثاني في فترة المباشرة والذي تقدّم به أحمد عظوم لضمان الاستمرار في منصبه سنة أخرى أي إلى موفى جويلية 2016 أسوة بالتوجه العامّ الذي كرّسه رئيس الحكومة الذي مدّد في فترة المباشرة لعشرات المتقاعدين ووزير العدل الحالي الذي يسعى بكلّ جهوده إلى السّماح للقضاة المتقاعدين قانونا بممارسة صلاحيّاتهم والاستمرار في مناصبهم حسب رغبتهم، وهي مسألة أثارت حفيظة جمعيّة القضاة. وكما أشرنا ولحسن حظّ منظومة الرّقابة عامّة والهيئة العليا للرقابة الادارية والمالية خاصّة  أنه تمّ التخلّي عن هذا التوجّه على مستوى ديوان رئيس الجمهورية كما ذكرنا ورفض بالتالي مطلب التمديد الثاني الصّادر عن عظوم وذلك تناغما مع التوجّه الذي نادت بع جمعيّة القضاة بخصوص عدم التمديد للقضاة المتقاعدين لضمان استقلاليتهم وحيادهم وعدم خضوعهم لشروط وتبعات المنّة والعطايا من قبل السّلطة التنفيذيّة صاحبة القول الفصل في التمديد والتمطيط، وكذلك لتفادي الانتقادات التي وجّهت للهيئة من قبل خبراء ومختصين في مجال الرّقابة بخصوص ترؤسها من قبل متحزّب وخارق للقانون في نفس الوقت وهي فضيحة ليس لها مثيل حتى في زمن الرّئيس المخلوع.


 وعلى أساس ذلك من المفروض أن يغادر عظوم الهيئة يوم 31 جويلية 2015 لتكون بذلك الهيئة قد فشلت في تقديم التقارير السنوية حول نشاطها في فترة ما بعد الثورة ولم تنجز أيّ ندوة علمية  ولم تتقدم إلى الأمام ولو قيد أنملة، ولكن في المقابل بدأت في مرحلة التخلّص من الأدران. ومن خلال بعض الاستيضاحات التي قدمناها لبعض المختصين في القانون والتصرّف تجنّبا لكل إجحاف في حقّ أحد تبيّن لنا أنّ استمرار عظوم في الحصول على الامتيازات العينية (سيارات، مقتطعات وقود، مجلات....الخ) وعلى راتبه الشهري بعد فترة انقضاء التمديد يعتبر من قبيل الأخطاء التي يعاقب القانون مرتكبيها بمن فيهم مراقب المصاريف العمومية المسؤول الأوّل على الحفاظ على المال العام وإنفاقه طبقا للقانون والتراتيب وبالتالي ليس له التأشير على أيّ نفقة عمومية تفتقد إلى مرجع قانوني يبررها وإن فعل ذلك بعد تاريخ 31 جويلية المذكور فعلى دائرة الزجر المالي أن تقوم بدورها وتزجر هذا الخطأ الشنيع والذي لا يقبله عقل بعد الثورة. كما ذكّرنا هؤلاء المختصون بأنّه على كل موظف عمومي على علم بهذا الوضع أو بأي وضع يماثله في أي هيكل عمومي التنديد به والإبلاغ عنه لوضع حد له ومحاسبة المسؤول المعني... ولكن هذا أمر صعب بلوغه والوصولية والانتهازية مستشريان...


كما بيّن لنا نفس المختصّين أنّ التمديد في فترة المباشرة هو استثناء لمبادئ القانون الأساسي للوظيفة العمومي ولذلك فهو يتم بترخيص (أمر حكومي) وبالتالي لا يمكن لأحمد عظوم وسلط الإشراف والرقابة العامة للمصاريف العمومية (التي تتابع تنفيذ نفقات الهيئة وجميع الهياكل العمومية) ودائرة الزجر المالي أن يسمحوا باستثناء للاستثناء وان يتغاضوا عن محدودية الأمر الحكومي المتعلق بالتمديد من حيث الشخص المعني والهيكل والخطة وخاصة من حيث الفترة المنصوص عليها، ولكنهم بيّنوا في نفس الوقت انه بالنظر إلى الوضع العام للبلاد بصفة عامة ووضع منظومة الرقابة بصورة خاصة والتهميش الذي تعاني منه وعدم اهتمام أي من الرئاسات الثلاث بهذا الباب وبالمتدخلين فيه (في ما عدا دائرة المحاسبات في مناسبات معلومة وبعض الشعارات الباهتة)، وباعتبار الوقاحة المهنية (بعيدا عن مسألة الأخلاق التي لا يحق لأحد المس منها) وانعدام التعفّف اللذان شابا مسيرة شاعر الهيئة مؤخّرا بالحجة والدليل، لا يستبعدون أن يتم التغاضي عن الموضوع ولفلفته وتجاهل مواصلة الشاعر لممارسة مهامه على رأس الهيئة العليا دون ترخيص صريح على أساس أن يتّم بعد شهور من الصّمت الرهيب والمقيت إصدار سطر في الرّائد الرّسميّ يسوّي وضعيّة شاعر الهيئة العليا ويضرب عرض الحائط بكلّ مبادئ القانون ومقتضيات دولة المؤسّسات ويزيد على العار عارا جديدا...أمّا النقطة الأخيرة التي تعرّض لها المختصّون فتتمثّل في حقّ كلّ مسؤول أو هيكل عموميّ تتعامل معه الهيئة العليا أن يرفض الردّ على طلباتها وتقاريرها الرّقابيّة ويقطع التعامل معها باعتبارها هيكلا مسؤولا نظريّا على تطبيق القانون ومراقبة المال العامّ ولكنّه في الواقع غير قادر على فرض احترام أبسط القواعد داخله فكيف سيقدر على ذلك خارجه ؟ وبأيّة إمكانيات ؟ وبقيادة من ؟ وتحت إشراف من ؟


 وحسب نفس المعطيات الأوّلية يتضح أنّ في واقع الأمر اختيار خليفة لعظوم ليس هو الإشكال الوحيد القائم في الهيئة العليا والذي هو محلّ درس وتمحيص بل يوجد أيضا إشكال يتعلق بتعالي الأصوات من المسؤولين السّامين ومن المراقبين العموميّين الرّافضين لإحالة تقاريرهم الرّقابيّة ووثائقهم لهذه الهيئة قبل أن تتمّ إعادة النّظر في تركيبتها وتوسيعها ومراجعة مستويات التمثيلية بها وضبط قواعد ومعايير موضوعيّة للالتحاق بها خاصّة وأنّها تتضمّن أعضاء عيّنوا قبل الثورة دون خضوع لأدنى معايير الكفاءة العلميّة والمهنيّة والشفافيّة ويتمتعون إلى اليوم بنفس الحصانة التي كان يتمتّع بها جميع أفراد طاقم أنصار الرّئيس المخلوع دون حسيب أو رقيب. ولا يخفى على أحد أنّ الوضعيّة شائكة ومركّبة حيث يواجه ديوان رئيس الجمهوريّة وضعا معقّدا في هذه المؤسّسة تصعب معالجته دون اللّجوء إلى الحزم في تطبيق القانون ولذلك قد تتمّ خلال الأيّام القليلة القادمة مطالبة رئيس الهيئة العليا الجديد بالإسراع بإعادة الهيكلة ومراجعة تعيينات المحسوبيّة والمحاباة الحزبيّة وهي  (كي لا نتجنّى على الملحقين بالهيئة العليا) وضعيّة كانت مفروضة ولا يمكن لأحد أن ينكر انتشارها قبل الثورة ولعقود طويلة من السّنين ظلّت فيها مناصب تسيير الوزارات والهيئات والمجالس والانتماء لها عبر الدّمج أو التعيين أو الإلحاق رهينة بالولاء الحزبيّ للتجمّع الدّستوري لا غير، حتى أنّ الهيئة العليا وبالرّغم من كونها جهازا رقابيّا بامتياز لم تخل منذ إحداثها من تسلّل بعض العناصر التي ضربت بمبادئ الحياد عرض الحائط من أجل أن تظفر بالمناصب التي توزّع كعطايا وهدايا حزبيّة ولا تأخذ بالاعتبار الكفاءات. كما سيكون على الرّئيس الجديد للهيئة العليا أن يفتح ملفّ التعيينات في هذا الجهاز السّامي ليطبّق القانون والتراتيب المعمول بها في مجال الإلحاق خاصّة وأنّه كما أشرنا مرارا وتكرارا يوجد بالهيئة العليا مكلّفون بمهمّة ملحقين لفترة تجاوزت العقدين من الزّمن وهو مخالف للقوانين والتراتيب السّارية في الوظيفة العموميّة وللأعراف الجارية والتي مكّنت الإدارة التونسيّة من اللّجوء إلى صيغة الإلحاق لخمس سنوات تجدّد مرة واحدة، وفي حال تمّ تجاوز العشر سنوات يتمّ بصفة آليّة دمج المعنيّ بالأمر بالهيكل الملحق به ويجرّد من كلّ الحقوق المترتبّة عن انتمائه لهيكله الأصليّ ولكن في المقابل يتمتّع بجميع الامتيازات والحقوق المتوفّرة بالهيكل الجديد، وهذه مسألة لم تتمّ مراعاتها على مستوى الهيئة العليا والاسباب واضحة ومعلومة بما أنّه قبل الثورة كان من المستحيل إثارة هذا الإشكال لأنّه يتعارض وأصول وقيم المحسوبيّة ومتطلّبات التعيينات الحزبيّة والولاء لحزب التجمّع أمّا بعد الثورة فلم يتسنّ لغازي الجريبي، المعروف بحزمه وجرأته، الوقت الكافي والإمكانيات الضروريّة اللاّزمة لتخليص الهيئة العليا من شوائب النّظام البائد خاصّة وأنّه لاقى معارضة ومقاومة كبرى وشرسة من الملحقين بالهيئة العليا إلى حدّ خشي معه تعطيل أعمالها وهو أمر لم يفقهه  خليفته الشاعر بما أنّه كان يعاني هو في حدّ ذاته من تبعات تحزّبه وجهله بمجالات الرقابة والتصرّف والحوكمة وتجاوزه لسنّ التقاعد ووضعيّته الشائكة الخارقة للقانون. هذا وسيكون على الرّئيس الجديد للهيئة العليا وضع قواعد صارمة للالتحاق بالهيئة والإدماج حسب شروط موضوعيّة تأخذ بعين الاعتبار المهارات والقدرات والإمكانيات وحاجيات الهيئة العليا وتمثيليّة هياكل الرّقابة العامّة بتركيبة الهيئة. وفي اعتقادنا أنّ  تعيين خليفة لعظوم لن يكون كافيا ليغيّر من حال كساد الهيئة وسباتها العميق إذا ما ظلّت تعجّ بتعيينات المحسوبيّة والمحاباة الحزبيّة وتخضع للأهواء ويتحكم فيها الأشخاص حسب مزاجهم دون مرجع أو قانون وتخلو من الكفاءة المطلوبة.... ولهذا سنظلّ في انتظار أن تبدأ عمليّة تطهير الهيئة وإعادة دماء الحياة إلى أوصال هذا الجهاز الهامّ في مجال مقاومة الفساد والحفاظ على المال العامّ ومراقبة التصرّف العموميّ.. والمستقبل سيكشف عن مدى جديّة رئاسة الجمهوريّة في استرجاع هيبة الدّولة ونواميسها وفرض دولة القانون وإعادة الهيبة للمؤسّسات التابعة لها والتي تقلّص عددها بعد الثورة حيث لم يبق للرّئاسة سوى الهيئة العليا والموفّق الإداريّ (ينظر حاليّا في تعيين موفّق إداريّ جديد) والمعهد التونسي للدّراسات الإستراتيجيّة (أسندت إدارته إلى حاتم بن سالم وزير سابق ورجل قانون) بعدما اضمحلّ كلّ من المجلس الدّستوري ومجلس حقوق الإنسان، هذا بعد أن كان رئيس الجمهوريّة قبل سنة 2011 يحكم في جميع مفاصل الدّولة ويتحكّم في أوصال الإدارة.


ولا يفوتنا بأن نفيد بأنّه حسب نفس المصادر تتجه النوايا حاليّا ربّما إلى تعيين مسؤولة من سلك القضاء الإداريّ معروفة بحزمها وجديّتها كما سيتمّ مستقبلا دعم الهيئة العليا بالمزيد من الموارد البشريّة والماديّة لاسترجاع الصّورة الجديّة والناصعة التي كانت عليها في بداية عهد رشيد صفر أوّل رئيس لها.... ولسائل أن يسأل هل يمكن للهيئة العليا أن تستعيد بريقها بمجرّد إنهاء عهد الزّردة وتعيين رئيس جديد لائق وجدّي وإنهاء إلحاق المعيّنين حسب الولاء الحزبيّ وتطبيق التراتيب المتعلّقة بالإلحاق والدّعم بموارد بشريّة شابّة وكفأة ؟ أم أنّ الدّاء عميق والبحث عن الدّواء عمل أعمق وأشقّ ؟



Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire