كانت ثورة , بل كانت حلما هاربا...
وبين الثورة والدولة ما بين الحلم
والواقع
نعبُر من غفوتنا إلى اليقظة فتتغير
الوجوه , ولا نمسك غير خيوط الذكرى التي تتبخّر مع أوجاعنا توقظنا ونستيقظ
عليها...
***
"المعارضون في الزي الثوري"(1) كانوا خيالات وظلالا تعبث
بانتظارات شعوب ترنو إلى الخلاص...
ذات حلم ثوري وذات انتظار لم نصدق أنّ
لبعض قادة المعارضة أصواتا معلّبة بمواصفات السّفارات الأجنبية , أو بمواصفات
"فريدوم هاوس" (بيت الحرية السّاهر على تصدير الديمقراطية الخالية من
السيادة)...
***
جميلة هي الثورة , فاتنة البدايات
هي...
لكن أيّ خطيئة ارتكبت ليصيبها ما أصاب
"ميدوزا" ؟
"ميدوزا" أو" ماتيس" هي ربة الحكمة
والثعابين الأمازيغية ... ميدوزا كانت في البدء بنتا جميلة, غير أنها ارتكبت
الخطيئة مع "بوسيدون"(إله البحر) في معبد أثينا وهذا ما جعل أثينا تغضب
منها, وتحولها إلى امرأة بشعة المظهر كما حوّلت شعرها إلى ثعابين وجعلت كلّ من
ينظر إليها يتحوّل إلى حجر...
نعم صارت للثورة الجميلة أعين
"ميدوزا" مذ ارتكبت خطيئتها الكبرى مع عَرّابي الثورات من رجال
الاستخبارات الذين أعدّوا أقنعة الفكر التحرري والفلسفة السياسية وتأبّطوا مشاريع
الهيمنة الصهيوأمريكية
كان لعرّابي الثورة الذين استسلمت
إليهم , أو اغتصبوها , أو أُسلِمَت إليهم أسماء كثيرة , يختزلها اسم "برنار
هنري ليفي" استقبله المعارضون أدخلوه خِدر أمّهم الثورة في ميدان التحرير بمصر
, في بني غازي ليبيا , وفي مطار قرطاج بتونس...
و"وقفوا أمام الباب يسترقون
السمع لصرخات بكارتها..." على حدّ عبارة الشاعر العراقي مظفر النواب...
وتمادى المعارضون في خطاياهم تجاذبا
سياسيا انتهازيا , فتمادت الثورة في استسلامها تتعرّى من ثوب الحرية
والديمقراطية والعدالة والكرامة...وتكشف عن سوأة الطائفية والمذهبية والعشائرية
والجهوية وأنجبت فيالق من العصابات والميليشيات الدينية كان لها من بين الأسماء
داعش ونصرة وحشدا شعبيا وأنصار الله...
أُدخِل "الناتو" إلى مخدع
الثورة , أو هيّئت له السُّبُل للدخول , وأُعِدّت قواعد "الأفريكوم"
وغيرها من القواعد لتمدّد المغتصِبِ "الأمبريالي" على جسد الأرض
المستباح...
وقايض مَن كانوا معارضين في زيّ ثوريّ
جسد الثورة بقروض صندوق النقد الدولي , وأموال الرجعية المتفجّرة طوفانَ بترودولار
من غياهب ممالك الرمل , وعرضوا أنفسهم على القوى الإقليمية والدولية قادة لأشلاء
الأوطان طمعا في أن ينالوا حصتهم منها بعد أن أثخنتها سيوف "الفوضى
الخلاقة"...
***
وهنا على أرض تونس كان من أمر
المعارضين في الزي الثوري ما كان من أمر من شابههم في بلدان (الربيع)
وكان من أمر المعارضين الذين تسارعوا لتبديل أزيائهم
الثورية بأزياء الحكم أن سهوا عن الوفاء إلى دماء أيقونتي الثورة الجميلة:
"شكري بلعيد" و "محمد البراهمي" اللذين أنفقا دمهما في سبيل
ديمقراطية مكتملة السيادة...
وسها المعارضون العابرون إلى سدّة
الحكم ومنصات التشريع عن دسترة ملف الطاقة الوطنية النازفة لأجل عمر أطول لمصاصي
الدماء المحليين , ومصاصي الدماء متعددي الجنسيات...
ثم اتخذوا من البترول والطاقة
بعد سهوهم شعارا غبيا عسى نيرون التونسي يعود إلى قصره بعد أن تلتهم الحرائق
الأرض , كما طمع نيرون روما في بقاء عرشه إن هو أحرق أرض روما...
وسها المعارضون الثائرون عن إمضاء
مرسوم مصادرة أموال اللصوص القدامى , وهم منشغلون بتأسيس دولة استوطنها لصوص
جدد...
***
الثورة الجميلة لا تتحمل وزر اغتصابها...
أنتم أيها المعارضون المتهافتون
لاستبدال زيكم الثوري بزي السلطة من يتحمل وزر كل الخطايا...
أنتم من استقدمتم ثعابين الاستعمار
الجديد , ووكلائه الداعشيين الساهرين على ذبح الأوطان وتقديمها قرابين إلى مشروع
تفتيت المنطقة باسم إلههم...
أنتم أيها الثائرون المعارضون من
تركتم الأبواب مشرعة لعودة اللصوص الذين سرقوا الأرض منا عقودا , وتركتموها مشرعة
لميلاد لصوص جدد...
وأنتم زرعتم كل هذه الثعابين على رأس
الثورة , وحولتم عينيها إلى عيني ميدوزا...
أعين الثورة اليوم فقدت فتنتها وجمالها , أعين الثورة اليوم لا تقع بحلم
من أحلامنا إلاّ وتحجّر...
(1)المقصود بالمعارضة في هذا السياق الأحزاب التي حملت لواء مقاومة الديكتاتورية
قبل الربيع العربي والتونسي , والتي تسلقت إلى ممارسة الحكم أو المشاركة فيه
بعد سقوط دولة الفساد والاستبداد القديمة.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire