mardi 7 avril 2015

(الجزء 22):رحلة الألف ميل بدائرة المحاسبات : زواج المتعة بين دائرة المحاسبات وهيئة الخبراء المحاسبين




لقد نص الفصل 112 من الدستور على أنّ المجلس الأعلى للقضاء يتكون من أربعة هياكل هي مجلس القضاء العدلي، ومجلس القضاء الإداري، ومجلس القضاء المالي، والجلسة العامة للمجالس القضائية الثلاثة. ويتركب كلّ هيكل من هذه الهياكل في ثلثيه من قضاة أغلبهم منتخبون وبقيّتهم معيّنون بالصفة، وفي الثلث المتبقّي من غير القضاة من المستقلّين من ذوي الاختصاص، على أن تكون أغلبية أعضاء هذه الهياكل من المنتخبين. ويباشر الأعضاء المنتخبون مهامهم لفترة واحدة مدتها ست سنوات. كما نص على أنّ اختصاص كلّ هيكل من هذه الهياكل الأربعة، وتركيبته، وتنظيمه، والإجراءات المتبعة أمامه يضبط بقانون. تبعا لذلك، عملت بقايا وموالي رمز الفساد والإفساد بشير التكاري ومريدوه داخل وزارة العدل على صياغة مشروع قانون أساسي يتعلق بتنظيم المجلس الاعلى للقضاء في إطار لجنة فنية ، تحت قيادة وإشراف وزير العدل وهو أستاذ جامعي ومشاركة بقية أعضاء الحكومة ، مخالف بصفة صارخة لأحكام الدستور وبالأخص الفصل 112 منه، وفي هذا خيانة على الأقل لليمين المشار اليها بالفصل 89 من نفس الدستور:"أقسم بالله العظيم أن أعمل بإخلاص لخير تونس وأن أحترم دستورها وتشريعها وأن أرعى مصالحها وأن ألتزم بالولاء لها".
وعملا بالمثلين الشعبيين القائلين "حوت يأكل حوت وقليل الجهد يموت" و"العزري أقوى من سيدو" تمّ بصفة مبتذلة وحقيرة إقصاء المختصين من المستقلين لفائدة المحامين والأساتذة الجامعيين من غير المحامين والخبراء المحاسبين على حساب كلّ مساعدي القضاء من المستقلين باستثناء المحامين كعدول التنفيذ وعدول الإشهاد والمستشارين الجبائيين والخبراء العدليين وغيرهم. الملفت للنظر أن يتمّ إقصاء المستشارين الجبائيين الذين تعتبر مهنتهم قانونية وقضائية في نفس الوقت والذين يقومون بنفس المهام المناطة بعهدة المحامي في المادة الجبائية مثلما يتضح ذلك من خلال الفصل الأول من القانون عدد 34 لسنة 1960 المتعلق بالموافقة على المستشارين الجبائيين :"إن جميع الشركات أو الأشخاص الماديين الذين تقتضي مهنتهم القيام بالموجبات الجبائية لفائدة المطالبين بالأداء ومدّهم بيد المساعدة والنصائح أو الدفاع على حقوقهم لدى الإدارة الجبائية أو المحاكم المختصة ترابيا التي تبت في النوازل الجبائية يعتبرون كمستشارين جبائيين سواء أكان قيامهم بتلك المهنة بصفة أصلية أو ثانوية.". أمّا الفصل 10 من نفس القانون، فقد نص على أنّ المحامي يقوم بصفة ثانوية بمهام المستشار الجبائي :"إنّ أحكام هذا القانون لا تنطبق على الأشخاص الذين يباشرون مهنة محام و يقومون بصفة ثانوية بمهمة مستشار جبائي".


فبالنسبة لمجلس القضاء العدلي فقد نص الفصل 14 من مشروع القانون على أنّ تركيبته تضم 9 شخصيات مستقلة من ذوي الاختصاص القانوني العدلي كما يلي : 5 محامين و 4 أساتذة جامعيين من غير المحامين. أمّا تركيبة مجلس القضاء الإداري فقد نص الفصل 15 من مشروع القانون على أنّها تضمّ 7 شخصيات مستقلة من ذوي الاختصاص القانوني الاداري كما يلي : 4 محامين و 3 أساتذة جامعيين من غير المحامين. أمّا الفصل 16 من مشروع القانون، فقد نص على أنّ تركيبة مجلس القضاء المالي على أنّها تضمّ 7 شخصيّات مستقلّة من ذوي الاختصاص في الماليّة العموميّة أو في الجباية أو في المحاسبة كما يلي : محاميان وخبيران محاسبان باقتراح من هيئة الخبراء المحاسبين وثلاثة أساتذة جامعيين من غير المحامين.
كما أنّ الفصل 17 من مشروع القانون نص على أنّ تركيبة الجلسة العامة وجب أن تضمّ 10 أعضاء من المستقلّين من أصحاب الاختصاص القانوني أو المالي أو الجبائي أو المحاسبي كما يلي : 5 محامين بحساب ثلاثة محامين عن مجلس القضاء العدلي ومحام عن مجلس القضاء الإداري ومحام عن مجلس القضاء المالي و5 أساتذة جامعيّين من غير المحامين بحساب ثلاثة أساتذة جامعيّين عن مجلس القضاء العدلي وأستاذ جامعي عن مجلس القضاء الإداري وأستاذ جامعي عن مجلس القضاء المالي.
ففي اطار تبييض وتلميع صورة المنظمات والجمعيات والهيئات والهياكل المهنية المناشدة والمستفيدة من نظام ومنظومة اجرام وفساد الرئيس المخلوع تمّ التنصيص صلب الفصل 16 من المشروع على الهيئة الوطنية للخبراء المحاسبين التي لها باع وذراع في المناشدة للرئيس المخلوع والتي لم تتم الاشارة اليها صلب الفصل 112 من الدستور دون الحديث عن انّ الاشارة لتلك الهيئة صلب مشروع القانون فيه مساس بالاستقلالية.


فعن أي استقلالية يتحدث مريدو وداعمو بشير التكاري إذا ما تمّ تعيين المستقلين من المختصين من قبل الهيئات المهنية والمجالس العلمية علما انّ تلك الهياكل لم يشر اليها الفصل 112 من الدستور وقد تمّ الزج بها في مسالة لا تعنيها لأسباب مشبوهة وغير شفافة في خرق للفصل 15 من الدستور.
بالرجوع للفصل 2 من القانون عدد 108 لسنة 1988 المتعلق بالخبراء المحاسبين يتضح أنّ مهام الخبير المحاسب تتمثل في تنظيم ومراجعة وتعديل وتقدير حسابيات الشركات والمؤسسات التي لا يكون مرتبطا معها بعقد شغل، وهو مؤهل أيضا ليشهد بصدق وبسلامة الحسابيات والمحاسبات مهما كان نوعها بالنسبة للشركات التي كلفته بهذه المهمة بصفة تعاقدية أو بمقتضى الأحكام القانونية والترتيبية وخاصة منها ما يتعلق بمباشرة مهمة مراقب حسابات لدى الشركات. ويمكن للخبير المحاسب أن يحلل وضع المؤسسات وطرق سيرها من مختلف نواحيها الاقتصادية والقانونية والمالية حسب الطرق والقواعد والمعايير الفنية للحسابية. من خلال احكام الفصل 2 المشار اليه يتضح انّ لا علاقة للخبير المحاسب بالقضاء إلا من خلال مهام الاختبار العدلي عند الاقتضاء بالنسبة  إلى الخبراء المحاسبين المرسمين بقائمة الخبراء العدليين التي تضم اغلبية من الخبراء في اختصاصات اخرى من غير المحاسبة. إذا، فلماذا تم إقصاء الممثلين للاختصاصات الاخرى لفائدة الخبراء المحاسبين. الجواب على هذا السؤال نجده عند بقايا ومريدي رمز الفساد والإفساد بشير التكاري الذين أرادوا من خلال هذا المشروع مكافأة هيئة الخبراء المحاسبين التي كان للبعض من أعضائها فضل في أن يصبح يوسف التكاري ابن بشير التكاري خبيرا محاسبا والتي كانت ركيزة من ركائز منظومة الفساد والنهب التي وضعها الرئيس المخلوع وبوق مناشدة لا يشق له غبار.
وقد ضبط القانون عدد 8 لسنة 1968 المؤرخ في 8 مارس 1968 نطاق تدخّل دائرة المحاسبات وأقرّ لها سلطة تدقيق ورقابة واسعة على التصرف في المال العامّ. فهي تختص بالنظر في حسابات وتصرف الدولة والجماعات المحلية والمؤسسات والمنشآت العمومية وجميع الهيئات مهما كانت تسميتها والتي تساهم الدّولة أو البلديات أو الولايات في رأس مالها. كما تقوم بتقدير نتائج الإعانة الاقتصاديّة أو الماليّة التي تمنحها الهياكل المذكورة آنفا للجمعيات والتعاونيات والمؤسسات والهيئات الخاصة مهما كانت تسميتها. وفضلا عن ذلك تباشر الدّائرة مراقبة على أموال الأحزاب السياسيّة كما يمكنها إنجاز مهمات لمراقبة حسابات هيئات أو منظمات دولية.
وبالنظر لمهامها، فهي مطالبة بمراقبة أعمال مراقبي حسابات المؤسسات والمنشآت والمساهمات العمومية من حيث الكفاءة والاداء والجودة ولا تأخذ أعمالهم من قبيل المسلمات إلى حد اعتبارها واحتسابها كمؤشر رقابي ولتتأكد خاصّة إن كانوا قد قبضوا أجورا زائدة عن اجرتهم وغنموا مهمات خاصة في خرق للأمر عدد 529 لسنة 1987 المتعلق بمراجعة حسابات المؤسسات العمومية والشركات التي تمتلك الدولة كلّ رأس مالها. تبعا لذلك، كيف يمكن للخبراء المحاسبين الذين تخضع أعمالهم لرقابة دائرة المحاسبات أن يكونوا أعضاء بمجلس القضاء المالي وهم في وضعية تضارب مصالح وفي وضعية طرف وحكم في نفس الوقت.
وبالنظر لحجم الفساد الذي استشرى في كلّ هياكل الرقابة العمومية بما في ذلك التواطؤ واللامبالاة وتطبيق قاعدة "دعه يعمل دعه يمر" وصياغة تقارير ضحلة ومبهمة، فإنّه لم يبلغ علمنا الى حدّ الان أنّ القائمين على الرقابة العامة للمصالح العمومية والرقابة العامة للمالية والرقابة العامة لأملاك الدولة والشؤون العقارية ودائرة المحاسبات قاموا بإبلاغ النيابة العمومية والقطب القضائي المالي بخصوص التجاوزات التي قام بها مراقبو الحسابات من بين الخبراء المحاسبين الذين نهبوا المؤسسات والمنشآت والمساهمات العمومية في خرق صارخ للفصل 13 من الامر عدد 529 لسنة 1987 الذي يحجر عليهم القيام بمهمات استثنائية وكذلك الفصل 265 من مجلة الشركات التجارية الذي يحجر عليهم قبض اجور زائدة عن أجرتهم مثلما هو الشأن بالنسبة للبريد التونسي الذي تم نهبه من قبل مراقب الحسابات وعصابة الطرابلسية وشركائهم وشركة اتصالات تونس التي تم نهبها في إطار مهمات خاصة من قبل مراقب الحسابات. كان من المفروض فتح تحقيق من قبل رئيس الحكومة الجديدة الحبيب الصيد ووزير المالية ودائرة المحاسبات بخصوص مراقبي الحسابات من الخبراء المحاسبين الذين قبضوا اجورا زائدة عن اجرتهم في خرق للنصوص التشريعية والترتيبية ورفع امرهم للنيابة العمومية. كما كان من المفروض اثارة المسؤولية المدنية والجزائية لمراقبي حسابات المؤسسات العمومية وذات المساهمات العمومية المنهوبة. فعملا بالمثل الشعبي "حاميها حراميها"، غضت دائرة المحاسبات الطرف عن مئات الملايين التي نهبها مراقب حسابات البريد التونسي في اطار مهمات استثنائية صورية هي في الحقيقة ممنوعة أصلا ولم تثر مسؤوليته الجزائية والمدنية باعتبار أنّه صادق دون تحفظ على حسابات مؤسسة عمومية تمّ نهبها من قبل الطرابلسية وشركائهم وسليم زروق وشريكه منذر بن عياد في شركة "ماد سوفت"... نفس التمشي انتهجته مع شركة اتصالات تونس التي نهب منها مراقب الحسابات المليارات مقابل مهام صورية ممنوعة بمقتضى الفصل 265 من مجلة الشركات التجارية الذي لا يمكن مخالفته بمقتضى قرار وزاري مصبوغ بعدم الشرعية يتعلق بضبط اتعاب مراقبي الحسابات. 
لماذا لم تراقب دائرة المحاسبات وبقية هياكل الرقابة العمومية، التي أريد لها أن تبقى مشلولة وفي حالة غيبوبة مهنية، الطرق المشبوهة التي يتمكن بموجبها حصريا بعض الفاسدين الانتهازيين من مراقبي الحسابات من الحصول على أغلب مهام المراجعة بالمؤسسات والمنشآت والمساهمات العمومية في الوقت الذي يحرم فيه الاغلبية من الفوز بتلك المهمات التي بقيت حكرا على المقربين من منظومة الرئيس المخلوع. ورغم صيحات الفزع التي اطلقها الشبان والمتضررون من تلك الأعمال الفاسدة إلا أن القائمين على هيئة مراقبي الدولة اصروا على حماية شركائهم واولياء نعمتهم لتبقى دار لقمان على حالها. الموضة الجديدة تتمثل في تبادل المهمات المتعلقة بمراقبة حسابات المؤسسات العمومية بين اعضاء نفس المافيا وهي نفس الطريقة المعتمدة اليوم بالنسبة للشركات الخاصة للالتفاف على احكام مجلة الشركات التجارية التي تلزم الشركات بتغيير مراقب حساباتها بعد 9 سنوات او 15 سنة وبهذه الطريقة يكون قانون سلامة المعاملات المالية الذي صدر خلال سنة 2005 قد افرغ من محتواه وتكون مؤسسة "التياسة" قد بعثت للحياة من جديد.



فعلى نواب مجلس الشعب ان يسهروا على احترام احكام الدستور وان يتجنبوا التصويت على شاكلة القطيع وان يتفطنوا للأحكام غير الدستورية التي يتم تمريرها من قبل عصابات الفساد والإفساد المحتلة اليوم للإدارة مثلما هو الشأن بالنسبة للفصل 19 من قانون المالية لسنة 2015 الذي قنّن الرشوة والفساد والنهب والنهش وسلب المؤسسات والسطو على مهام المحامي والمستشار الجبائي. كما عليهم ان لا يخونوا اليمين التي ادوها على معنى الفصل 58 من الدستور :"اقسم بالله العظيم أن اخدم الوطن بإخلاص، وان التزم بأحكام الدستور وبالولاء التام لتونس". هذه اليمين تمت خيانتها من قبل الاغلبية الساحقة من النواب حين صادقوا على شاكلة القطيع على احكام اتضح انها غير دستورية وحين رفضوا الاعتراض على عدد من الاحكام غير الدستورية التي تم تمريرها من قبل عصابات الفساد والافساد المحتلة للادارة مثل الفصول 14 و15 و16 و18 و19 و35 و39 من قانون المالية لسنة 2015.

فعلى نواب الشعب أن يعلموا أنّ بقايا زعيم الفساد والإفساد بشير التكاري حرصوا عند إعداد مشروع القانون المتعلق بالمجلس الأعلى للقضاء على خرق أحكام الفصل 10 من الدستور لأنّ الاقصاء الذي تعمدوه وتعودوا عليه في عهد ولي نعمتهم المخلوع يعد شكلا من أشكال الفساد. كما حرصوا على خرق أحكام الفصل 15 من الدستور الذي نص على ضرورة أن تتصف الإدارة بالحياد والشفافية والنزاهة وليس المحاباة وتضارب المصالح باعتبار انّ وزير العدل أستاذ جامعي في القانون والخبراء المحاسبين في وضعية تضارب مصالح ايضا وتحت إشراف وزير المالية. أيضا، حرص مريدو بشير التكاري على خرق أحكام الفصل 20 من الدستور من خلال الاعتداء على كلّ العهود الدولية التي صادقت عليها تونس وبالأخص تلك المتعلقة بمكافحة الفساد ومنع التعذيب. كما حرصوا على خرق احكام الفصل 21 من الدستور حين داسوا على مبدإ المساواة الذي تربوا على الدوس عليه. أيضا، حرصوا على خرق أحكام الفصل 23 من الدستور من خلال ممارسة التعذيب المعنوي على مساعدي القضاء عندما أنكروا دون حياء القوانين المنظمة لمهنهم. كما حرصوا على خرق احكام الفصل 49 من الدستور من خلال حرمان المستقلين من مساعدي القضاء باستثناء المحامين من حقهم في الترشح لعضوية مختلف المجالس القضائية والمجلس الاعلى للقضاء.



Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire