jeudi 23 octobre 2014

الانحدار من ملحمة الحلم الديمقراطي إلى الكوميديا الانتخابية: هل تجرّنا الطبقة السياسية إلى سقطتنا الأخيرة؟




سيزيف المحكوم بالفشل , وحده الحلم ببلوغ القمة يجعله لا ينوء بحمل الصخرة...وللآلهة أحكامها...للقوى الغيبية المفارقة أقدارها المسلطة عليه حتى يتجدد الانحدار ...
لكن ماذا عنّا ؟ ما بالنا نسقط من علياء "المشروع الديمقراطي" الذي طلبنا سَطر مفرداته ملحمة فإذا بنا نكتب الكوميديا تلو الكوميديا
هل تراني أغالي حين أقول : إننا نكتب اليوم كوميديا جديدة لا اسم يليق بها غير اسم "الكوميديا الانتخابية" ؟
ولن أبحث عن أسرار انحدارنا في قدر غيبيّ مُفارِق . لست مؤمنا أنّ قدرنا أن نظلّ عالما ثالثا لا تناسبنا ملابس الديمقراطية الفضفاضة لأنّ مكوّنات جسدنا الثقافي والاجتماعي والاقتصادي والسياسي نحيلة , مصابة بسوء التكوين الذي يجعلنا نظهر في شكل المهرّجين قد نرتدي ملابس أنيقة لكنها تتجاوز حجمنا فيضحك منا المشاهدون ...
سأبحث عن بعض أسرار انحدارنا في ممارسات "طبقة سياسية" تقود اللعبة نحو السقوط...
ليس الانحدار قدرا غيبيا مُفارِقا , وإنما هو في جزء كبير منه إخفاق أحزاب وساسة...
ولنا أن نسأل كيف استحال نصّ الملحمة الانتخابية  ملهاة ؟
والحقيقة أني لست معنيا بأعراض هذه الملهاة البادية في حركات وشطحات وأقوال عدد كبير من بين المترشحين للرئاسة أو للتشريعية  بل سأُعنى بجوهر هذه الملهاة.
وجوهرها أنّ الطبقة السياسية افترشت القانون وداست عليه بنعالها , في حين كان المنتظر منها أن تحمله على رأسها وأن تسير به , فمن كان منها واهنا عاجزا عن إحناء رأسه للقانون فليسقط لتتواصل المسيرة التأسيسية إلى غاياتها بلا انحراف أو تحريف...
***
إنّا نرى مراكمة لأخطاء تثقل كرة الثلج فتزداد سرعة انحدارها ...
إنّا لنرى نذر فشل التأسيس لملحمة انتخابية تكاد تنبؤنا بأنها تسير نحو مستقرّ تكرار الكوميديات الانتخابية السابقة ل 2011 وإن بشكل مختلف وبعناصر متغيرة...
أمّا بذور الفشل التي عاينّاها ومازلنا نعاينها والتي نكاد نجزم أنّها لا تبشّر بطرح ثمار نجاح حقيقي في تأسيس تجربة انتخابية صميمة لا تقوّضها معاول المال المشبوه ولا تتلاعب بها أعاصير التزوير فتتمثل في:
ارتجاف الهيأة العليا المستقلة للانتخابات فَرقا(خوفا) أمام تجاوزات طبقة سياسية , وكان من عوارض الخوف ابتلاع اللسان تردّدا في مواجهة الإخلالات والتجاوزات وكتمانا لها فإن افتضح الأمر وسارت به ركبان الإعلام   لم يكن من أمر الهيأة غير ظهور عَرَض جديد يتمثل في إخفاء الرأس بين طيات عدم المسؤولية القانونية معتبرة أنّ النظر فيها مخوّل  للقضاء...
ولنا شرعية التساؤل استنكارا : هل بلغنا مبلغا علا فيه أمر القضاء على أمر السّاسة والأحزاب ليصير عليهم رقيبا حسيبا؟
أم أنّ الطبقة السياسية مازالت أكبر وأعلى من الهيأة العليا للانتخابات
وأكبر وأعلى من القانون وسلطة القضاء ؟
مَن لنا بهيأة أو بقضاء يخلصاننا مِن سقطة" سيزيف" وانحداره يكتبه علينا ساسة وأحزاب:
مَن ابتاع منهم التزكيات الشعبية وتزكيات النواب للترشح للرئاسية؟
ومَن تورّط في الاستحواذ على قاعدة بيانات مؤسسة حكومية أو جامعية أو عمادة محاماة...لاستغلالها في التزكية أو في الدعاية الانتخابية؟
ومن تورّط في إنفاق المليارات المشبوهة في حملته بتونس وخارجها؟
ومَن وزّع أموالا عينية ونقدية في الملاعب وبين الأحياء ؟
مّن لنا بهيأة أو بقضاء يجسران  على عدم تقديم موظف صغير أو مواطن بسيط  قربانا على عتبات "الطبقة السياسية" المقدسة فتنزهها عن السرقة والتزوير وارتشاء الناخبين وهي التي تتحمل المسؤولية الأخلاقية والقانونية الأولى لتحمّل الوزر الأعظم إلى مَن لا وِزر له أو لمن كان وزره  ضئيلا؟
ومَن لنا بطبقة سياسية لها من الحياء ما يكفي  لتعتذر عمّا اقترفت ولتنسحب فعسي في اعتذارها وانسحابها ما يجعلنا نرتقي عن قاع تدحرجت إليه أحلامنا  لمّا أثقلتنا خطاياها؟
***
إنّ استعلاء الطبقة السياسية على القوانين المنظمة للعملية الانتخابية , واستهتارها بها والذي تواجهه الهيأة العليا للانتخابات , وربما الجهاز القضائي أيضا بابتلاع اللسان , وإخفاء الرأس وقد يواجهانه بتقديم من ضَعُف من القرابين بديلا عن محاسبة من قُدِّس سرّهم من الطبقة السياسية لن يؤدّي إلى غير فشل العملية الانتخابية برمّتها وإن أدركت منتهاها فهي لن تسلم من أن تولد ميتة بما أصابها من بؤر جرثومية زمن الحمل , ولا أقصد بهذه البؤر غير ما وصمها من سرقة القاعدات البيانية لبعض المؤسسات , وتزوير التزكيات , وارتشاء الناخبين , وتوظيف مقادير هائلة من الأموال مأتاها راسمال مال خارجي أو داخلي فاسد أو دول أجنبية مفسدة تشتري لأجنداتها ومصالحها أعوانا من أحزاب وساسة غير وطنيين...
إنّ هذه البؤر الجرثومية إن استفحلت بلا علاج حقيقي ستدفع الكثير من الأحزاب المنهزمة إلى الطعن في نتائج الانتخابات وفي رفضها و"لن يسلم الشرف (الرفيع)" أو (الوضيع) للمنتصر من الأذى وسنكون حينئذ على أبواب أزمتين :
*أزمة سياسية قد تولجنا نفق تجاذبات وصراعات حزبية وشعبية حول مبدإ شرعية النتائج من عدمه
*وأزمة كفر" سيزيف" بالطبقة السياسية  لدورها في الإجهاز على "حلم التأسيس  لديمقراطية حقيقية شفافة نزيهة"
ولسنا نرى خلاصا من أزمة التيه في هذا النفق , ومن أزمة انحدار الحلم الديمقراطي إلاّ في تحمل الهيأة المستقلة للانتخابات والجهاز القضائي مسؤولياتهما الأخلاقية والقانونية في مراقبة و محاسبة من أخطأ من الأحزاب والساسة وفي تحمل الشعب مسؤولياته التاريخية في الضغط والدفع نحو مساءلتهم ومحاسبتهم بالطرق القانونية وبتصفيتهم انتخابيا ...

عدا ذلك فإن ما اعتبرناها ملحمة ثورية ذات خصوصيات تونسية, الملحمة التي كتبها بدمائهم أبطال رحلوا بعد أن أوصونا بالملحمة وبأحلامهم وأحلامنا خيرا ستنجز سقطتها الأخيرة بعد السقطات التي           مسخت الملحمة كوميديا تداول أبطالها على إضحاكنا ضحكا أسود ونحن نراهم يلهون بمصير "ثورة ووطن" على منصات قصور (قرطاج والقصبة وباردو) أو في السعي والتدافع لاعتلائها... 

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire