ليس من باب التحامل
على قناة نسمة أن نسوق هذا التساؤل: ما الذي مازال يشدّ المتفرج في قناة نبيل
القروي ؟؟ الإجابة الأكيدة انه لا شيء على اعتبار خلو القناة من مادة دسمة فقد اقتصرت على إعادة المسلسلات المدبلجة التي لم
تزد التونسي إلا تفاهة ...
والحقيقة المؤكدة
اليوم أن قناة نسمة تتعرض لنكسة كبرى و هوت كما يهوي السنان الخارق، أو
الشهاب الحارق... ولم يعد لها تأثير لا من قريب و لا من بعيد على المتفرّج... رغم
ما تقدمه من المشاهد بتقنيات حديثة ومتطورة تواكب العصر و صورة جميلة
فائقة النقاء و لكن دون محتوى يشد الناس و يجدون ضالتهم فيه...
ولن نطيل في توصيف حاضر القناة وواقعها الحالي و لكن سنفتح نافذة على الأسباب و المعوقات التي جعلت من قناة
استطاعت تقديم عددا من الوجوه التونسية
الجديدة على الشاشة كانوا محل ترحيب عند معظم المشاهدين ، واستطاع التلفزيون في ظل
ذلك الدخول مجدداً في ميدان المنافسة مع القنوات الفضائية الكبرى ،
لكن يبدو أن
الاستعداد لم يكن كافياً :
أولا
لابد من الإقرار أن الإعلام المرئي مهنة
الإنفاق اللامحدود.. تلك حقيقة يعرفها جيدًا المتمرسون في حقل الإعلام، لا سيما
المرئي منه. و لم تعد مهنة الإعلام مهنة الآلاف من الدينارات، وإنما مهنة الملايين
و المليارات. فالقليل من الإنفاق على العمل الإعلامي لا يأتي بثمرة على الإطلاق،
بل ربما يضر أكثر مما ينفع. ويفيد الخبراء في هذا المجال بحجم الأهداف
السياسية العالمية والإقليمية والمحلية التي تم إنجازها من خلال توجيه مخصصات
مالية ضخمة لماكينات الإعلام النافذة في هذه المستويات، وهي مبالغ لا تقارن بحجم
المنافع والعوائد المتحصلة بعد تحقيق الأدوات الإعلامية لدورها ...وهذا السبب كان كفيلا لخلق أزمة داخل القناة
التي تداعت لها و جعلتها تتصدّع و تنهار ...
فالكلّ
أدرك أن القروي ظل وحيدا يتخبط دون حلول
مما جعله يسقط سقطات متتالية على غرار ما ارتكبه من حماقات لمّا وضع يده في يد
سليم الرياحي الذي بدل أن يفرّج أزمته ...عمّقها ...و بدل أن يبسط أمامه الحلول
لتجاوز محنته...أغلق عليه النوافذ و الأبواب و قطع عليه حتى أنبوب الأكسجين و
المتمثل خاصة في الصكوك ...
و غياب الدعم المادي والإمكانات المالية لم يكن السبب الوحيد بل إن
التمشي الخاطئ والسياسة التحريرية التي
توختها القناة كانت اقتصرت على نقل الفرقعات الإعلامية والإثارة والتضخيم، على حساب
الموضوعية والحقيقة، وفي كثير من الأحيان يكون لوقائع غير مثبتة بالأدلة، أو حتى
لقضايا ليست لها أهمية، حتى عدّت مثل هذه
الممارسات الإعلامية من قبل العديد من المتابعين بالساذجة بل و ترسخت فكرة عن المشاهدين كون القناة تقوم
بدور تخريبي وتدميري للوعي وللعقل و طغى عليها نوع من الإيديولوجيا وخدمة مواقف أو
اتجاهات سياسية على حساب غيرها اضافة إلى التضارب
والسطحية واللامبالاة في تناول الأخبار، وغياب المضامين الدقيقة والجادة .
وقناة
نسمة يدرك الجميع أنها كانت منبرا لبعض الأذناب
والذيول و تحولت في عديد المواضع إلى"
سبوبة " غايتها إسقاط النظام الاخواني قبل أن تغير خطها ذات مساء
و تصطف في طابور المصفقين لتعود
إلى صف المعارضة بعد أن خسرت كل مشاهديها
الذين أدركوا جيدا أن سياسة القناة
تعتمد على قاعدة " ميحي مع الأرياح
وين تميحي" فحتى برامجها السياسية تحولت في وقت ما إلى كبارية لاستضافة من يطلقون على أنفسهم ثوارا
، وهم في الحقيقة مجموعة من الخونة واللصوص .
وعن
المنوعات في قناة نسمة فحدّث و لا حرج على اعتبار أنها لم تساهم إلا في إشاعة
التفاهة والسطحية.... و أصبحت ممجوجة بالبلادة و السفاهة ...و مع ذلك تصر إدارة
القناة إصرارا على إعادتها في أوقات
مختلفة و على مختلف باقتها المزركشة ...
ما
تستطيع نسمة اليوم لتصمد بعد أن باعت كل
الدجاجات التي تبيض لها ذهبا و غادر بلاتواتها كل النجوم اللامعة التي كانت تسوق
لصورة القناة و حافظت على فريق لا شيء
عنده سوى تقديم أخبار متفرقة
مستهلكة ... ومادة تُعتبر مُستفزة لشريحة واسعة من جمهورها و
برنامج يعيد نفسه دون تغيير يلامسه لا شكلا و لا مضمونا.
فلا نسمة انحازت للالتزام الذي ألتزمت به قبيل تأسيسها و لا هي اتخذت علما فكريا ترفعه على الدوام كشعار لها و لا
هي انتهجت الموضوعية كسياسة تكرس استمراريتها فكانت النتيجة فقدان بسرعة لبوصلتها الإعلامية لتتأخر
كثيرا في نسب المشاهدة ...
وانه من الوجع اليوم أن نرى مؤسسة إعلامية تتهاوى كانت ربّما مصدر رزق مئات العاملين بها
و لكن الحقيقة تفترض علينا القول أن نسمة غدت كالميت الذي يعدّ في عداد الأحياء...
غير
انه وسط هذا التشاؤم لا بد من نقطة تفاؤل تتمثل
في ربّما تعدل نسمة عن تكرار الطبق اليومي الذي تقدمه وهو طبق غير مطلوب من الجمهور "الذواق"
و غير مربح لمُقدّميه لقلة الإقبال عليه و ربّما تسعى الى إنقاذ ما يمكن إنقاذه و إرجاع
فطرة التذوق السليم إلى الذائقة الجماهيرية التي فقدت من كثرة تذوقها لما هو سيء و مزيف حاسة الذوق
كله...
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire