عليّة براهم
علية براهم هو احد
أبناء سوسة الساحرة الجميلة الممتدة بين سماء زرقاء وبحر أسيل وغابات زيتون
خضراء.نشأ في أحسن العائلات هناك.وكانت الدنيا تفتح له ذراعيها لينهل من
مباهجها وطيباتها ويعيش كما يعيش الآخرون.
لكنه كان ينظر
حوله فيحس أن خطأ ما يحدث في البلد وأن الأمور تمضي بالمعكوس وان الظلم طاغ والإنسان
في تونس صار أحقر من ذبابة.
وكان بورقيبة قد
بلغ أرذل العمر وخروف، ولذلك التفت حوله مجموعة من المتسلقين والأوباش يزفون له الحقائق.انضم عليه
براهم إلى أولئك الذين رفضوا زمنا ظالما وحلموا بواقع أجمل.فكان مصير مثل مصير أولئك
الأخيار سجونا ومطاردات وتعذيبا.
السجن الأول سنة
1985 :
وقتها كان علية
براهم مسؤولا نقابيا عن قطاع الصحة وهو الممرض في مستشفى فرحات حشاد بسوسة . كان
من أولئك الذين دافعوا عن استقلالية الاتحاد العام التونسي للشغل ، وواجه مع آخرين
السلطة الباغية التي أرادت أن تدجنهم.استمات في الدفاع عن مطالبهم النقابية ولم
يهادن كما فعل آخرون وإنما ظل على المبدأ حتى اعتقل في 1985 وحكم عليه ب 3 أشهر.بعد
ان غادر السجن واصل علية نضالا ته النقابية و السياسية ولم يبدل تبديلا حتى كان
السجن للمرة الثانية سنة 1987.يومها بلغت الأزمة أوجها وصارت الأمور بيد سعيدة
ساسي والسخيري والصياح ورأسهم بن علي.وتساءل الناس إلى أين تسير البلاد.فخرجوا في
مسيرات ومظاهرات ولأول مرة يهتف الناس "يسقط بورقيبة" وقبض عليه.
السجن الثاني:
تزامن القبض على
علية براهم مع تفجيرات غامضة وقعت في بعض نزل بالساحل.تفجيرات تشير معلومات أنها
من جهات معينة لتأزيم الأوضاع.كانوا شرسين،صاروا بلا قلوب وهم يهرسون أجسادا شابة
ويكسرون عظامها لإرضاء صلف بورقيبة الذي تزامنت التفجيرات مع عيد ميلاده الرابع و
الثمانين.كانت العصي تكسر على ظهور المناضلين وكانت السياط تهمي عليهم.وكانت دماء
تنزف وأعمار تذهب.بقول علية براهم:سلطوا علينا أسلوب الدجاجة المصلية والبانو
ويضيف: إلى الآن
مازلت أتساءل من هو ابن الحرام الذي ابتدع هذه الأساليب التي تدمر الجسم وتكاد
تفتته ذرات.حين تنزل عصا الجلاد على الساق فان الضربة تقصف في الدماغ، فيشتعل
الجسم وتعوي ألام لا حدود لها حتى يقول النسان:"يا ليتني كنت ترابا"
يصمت قليلا ثم
يضيف: لم يكفهم "الروتي" فجربوا علينا "البانو" والبانو هو إناء
كبير مملوء بالماء والبول والصابون والقاذرات.يؤتى بالموقوف أمام البانو وتقيد
يداه خلف ظهره بحبل يشد إلى بكرة في السقف ويكون طرفه في يد جلاّد أخر.حين يجذب
الحبل يصعد الجسم إلى فوق بحيث يكون في مستوى البانو ويغمس رأس الموقوف في الماء
القذر.يحبس المعذب أنفاسه يحبسا ويحبسها حتى ينقطع عنه الهواء فيفتح فمه ويتجرع
القذارات فيمتلئ البطن ويكاد ينفجر.يصير المعذب غير قادر لا على التنفس ولا على
ابتلاع الماء.يصبح الجسم مثل كرة النار وتبدأ الحياة تنسحب من الجسم.في تلك اللحظة
يرفع الراس من الماء،يشهق المعذب ثم يغمس رأسه مرات ومرات حتى يغمى عليه.
في هذه
"الربطية" الثانية قضى عليه سنة كاملة ولم يطلق سراحه إلا في سنة 1988.وأعيد
إلى عمله
مواصلة النضال:
واصل علية براهم
نضالاته النقابية و السياسية خاصة وقد بدا ان النظام يسير نحو دكتاتورية جديدة
وهذا ما حدث سنة 1991 حين بدا مواجهة جديدة بين حركة النهضة ونظام المخلوع.
في 1991 حاولوا
القبض عليه لكنه فر منهم.كان قد قرر الا يمكنهم من القبض عليه مرة أخرى.وهكذا عاش متخفيا
هاربا بين سنة 1991 حتى 1995 .
يقول علية : سنوات
الهروب كانت أقسى من السجن.فالهارب يظل مسكونا بالرعب طيلة الوقت، فلا هو من عالم
المحررين ولا هو من عالم المسجونين.
لكن ما عذّب علية أكثر
هو ذلك الأذى وتلك المداهمات وتلك المضايقات التي مست عائلته وأقاربه.إذ كان
البوليس السياسي يداهمهم في كل وقت وحين ليلا ونهارا صباحا ومساء في مناسبة وفي
غير مناسبة.
ورأى علية أهله
معذبين مقهورين محاصرين بسببه ولذلك قرر أن يسلم نفسه ليخفف عن أهله.
فسلم نفسه إلى
القضاء سنة 1995.
السجن الثالث:
هكذا سجن علية
للمرة الثالثة.وبعد التحقيق والتعذيب حكم عليه ب 7 سنين.
سألته: كيف قضيت
هذه المدة.وفي أية سجون.
يضحط علية ويقول
لي : لقد طافوا بي معظم البلد.لقد سجنوني في سجن سوسة القصبة ثم أخذوني إلى الشمال
في سجن بلاريجيا في جندوبة ثم سجن المنستير ثم سجن القيروان.
لقد كنت كثير الإضرابات.الإضراب
كان وسيلتي الوحيدة للاحتجاج على سجن ظالم.لقد حدث أني أضربت في سجن 9 افريل 33
يوما.
ثم يضحك مرة أخرى
ويقول: والآن يدعي نواب المجلس التأسيسي بأنهم يضربون عن الطعام والحال انهم يأكلون
الطعام ليلا.مامعنى ان يدعي احدهم انه مضرب عن الطعام منذ 10 أيام وهو يمشي مثل
الحصان.لقد تميع مفهوم الإضراب وغاياته.
سألته: ماذا بقي
من كل هذا
فأجاب في كبرياء
الثوار نحن في بلدنا والمخلوع منفي في بلاد العربان.لقد ذهب بورقيبة وذهب بن علي
وبقيت تونس .
حميد عبايدية
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire