إن من أهم مقومات هذه الدولة و مقومات
النظام الجمهوري عامة "استقلالية القضاء" فالقضاء سلطة مستقلة تماما و
كمالا عن السلطتين التشريعية و التنفيذية و هو " السلطة الثالثة " و لا
" سلطة ثالثة " كما يراد لها حاليا أو كما تعاملت معها الحكومات السابقة
و المتعاقبة على سدة السلطة و الحكم منذ الاستقلال إلى يومنا هذا ... و نفس
التعامل كان أساسا من قبل الرئيسين السابقين " الحبيب بورقيبة و المخلوع
" تلك الممارسة أريد من خلالها تهجين القضاء و إركاعه للسلطة التنفيذية
"خاصة" لعدة أسباب ... يطول شرحها ... و الحال أن الدستور السابق و
الدساتير عامة و القانون الدستوري كلها قد كرست " الاستقلالية" التامة
لهذه السلطة العتيدة بذاتها و بشخصيتها و بمكوناتها فهي سلطة ذات شان و أي شان عند
اكبر الدول العالمية و الكبرى في العالم المتقدم و المتحضر ... تلك الاستقلالية
التي تساهم بصفة مباشرة و حتى غير المباشرة في إحلال العدل و رفع المظالم و إحلال
التوازن في النظام السياسي و حتى الاقتصادي و الاجتماعي لما للقضاء من مهمة جسيمة
في إحلال مقومات " العدل و الإنصاف " في عدة ميادين و اختيارات تدخل في
مجالات اختصاصاته و ما يسمى " بالاختصاص الحكمي و الترابي " فالمحاكم
المتواجدة على امتداد التراب التونسي موضوع نظر و سلطة هذه "السلطة الثالثة
" و نفوذها و حكمها و من هنا تكمن التجاذبات الحاصلة بين السلطة التنفيذية و
هذه السلطة الرهيبة و الجليلة ، هذا الاستفزاز أن أردنا القول ... كان مرد ما صدر
من ردة الفعل من طرف السادة القضاة في الآونة الأخيرة ... فقد تطلع الشعب و السادة
قضاتنا الميامين و بعد الثورة المباركة إلى تحقيق " استقلالية القضاء "
بصفة فعلية و واقعية و لا " صورية " ... ذلك التوجه و الرسالة التي لم
تفهمها الحكومة الحالية، فقد ولى عهد التحكم في الرقاب و عهد هيمنة السلطة
التنفيذية على باقي السلطتين و قد ولى و انتهى عهد التدخل في شؤون هذه
"السلطة الثالثة"و ما صدر عن السيد وزير العدل من إقالة البعض من السادة
القضاة و لو مع قناعته الشخصية و فريق عمله المحترم لا يدخل حقيقة و واقعا في
اختصاصاته التي وبصنيعه ذلك قد تجاوزها إلى حد التعسف في استعمال حقه ... و كان من
وجيه ردة الفعل التي تعرض لها من قبل السادة القضاة... ذلك انه مع الأسف ينتمي إلى
العائلة الحقوقية و كم من مرة قد ناضل لأجل تلك المبادئ ... و لذلك كان من الحري
به أن لا ينتحي هذا المنحى أصلا لعدة اعتبارات ... فإقالة القضاة من مهام المجلس الأعلى
للقضاء المرتقب تشكيله بالانتخاب الكامل و المباشر ... و الذي تأخر المجلس التأسيسي
في إعداد القانون المنظم له ... و الحال أن هذا الأمر من مهام النقابات القضائية و
السادة القضاة بالأساس ، و لذلك كان و من المنطق و احتراما للمبادئ القانونية و
روح و نفس هذه الثورة أن يترك هذا الشأن للسادة القضاة عملا بالقولة المأثورة
" أهل مكة أدرى بشعابها " فتحية حارة للسادة القضاة و لنضالاتهم
المصيرية حقا و واقعا و لهم كل المساندة و الدعم من طرفنا و الله الموفق و نحن على
ذلك الدرب و المسار و التوجه سائرون بل فاعلون .
مقال منقول عن الفايسبوك


Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire